تزامناً مع التطورات الإقليمية في المنطقة وحديث رئيس النظام السوري بشار الأسد عن أولوياته التي تكمن في الإعمار، بدأت اللجان المركزية لتسهيل عودة النازحين السوريين "تفرّخ" في لبنان، في مشهد "تناتشي" يشبه إلى حدٍ ما مشهد الحقائب الوزارية في الحكومة المنتظرة.
وبعد عهدٍ باسيلي من رفع راية مكافحة وجود النازحين في لبنان، كشف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أخيراً، عن إنشاء اللجنة المركزية لعودة النازحين السوريين، بالتزامن مع تشغيل مكاتب "لجنة العودة" التي أعلن عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والتي تهافتت الأحزاب الشقيقة له (حزبا البعث والسوري القومي الاجتماعي) على التبارك من المشاركة بها. وكأن ضوء أخضر جاء من خلف الحدود للمباشرة بما كان ضرورة ملحة للمجتمع والاقتصاد اللبناني منذ سنوات.
مواقف باسيل التصعيدية بما فيها المجاهرة بعودة الحياة السياسية بين بيروت ودمشق زادت من احمرار "صوفة" باسيل لدى التيار الأزرق، أولاً على اعتبار أن مثل هذا "الكلام الخطير" يجب أن يكون بقرار من الحكومة، وثانياً على اعتبار أن تيار المستقبل على رأس الوزارة المعنية بشؤون النازحين بشخص وزيره معين المرعبي. والأخير يرى أن كل ما يصدر من مواقف من فريق 8 آذار تجاه ملف النازحين هو "قوطبة" مدروسة على الحكومة والوزارة المعنية.
يرد وزير الدولة لشؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال معين المرعبي على خطوات باسيل في إطار ملف النازحين بعنف، ويقول "الغريب العجيب في هذا الموضوع أن باسيل يترك كل شيء ويهتم بموضوع النازحين، وتنكر للورقة التي وقع عليها 8 وزراء معنيين في الحكومة السابقة ومنها وزارته. وهي ورقة تتضمن سياسة الدولة اللبنانية تجاه أزمة النازحين. وأعلن في أول اجتماع للجنة الوزارية الخاصة بأزمة النازحين وبرئاسة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أنه وافق على 95% من بنودها على أن يقوم بالتوافق على 5% المتبقية لاحقاً. وبعدها بدأ بنظرياته العظيمة حول هذا الملف ومنها تخريب علاقاتنا مع الدول الصديقة ومع الاتحاد الأوروبي بسبب عدم فهمه للملف وللقانون الدولي ولما يلتزم به لبنان كمؤسس في الأمم المتحدة، وعندما واجهناه بالورقة التي وقع عليها تعاطى مع الموضوع بعدم جدية".
ويضع المرعبي تصرفات باسيل السابقة والحالية "في إطار مخطط مبرمج أراد فتحه اثناء تصريف الاعمال، إذ لا تستطيع الحكومة الاجتماع أو أخذ قرار، ولحقه في المخطط نفسه حزب الله والبعث وغيره. الواضح أن هناك مؤامرة مرسومة مسبقا مع النظام السوري يعمل باسيل خلالها لتقويض أسس الدولة اللبنانية لمصالح حزب الله والنظامين السوري والايراني للتماهي، ولفتح اعتمادات من أجل بعض الالتزامات بما يخص إعادة إعمار سوريا، وهو الأمر البعيد جدا عن المنال بالوقت الحالي".
ورداً على الاتهامات التي تقول إن وزارة المرعبي لم تقم بما يلزم تجاه ملف النازحين، يؤكد المرعبي لـ"ليبانون ديبايت" أن الوزارة ملتزمة بدورها بأصول العمل الحكومي بهذا الملف. وطالب بنشر محاضر جلسات اللجنة الوزارية لإظهار دور كل وزير، "وإذا اضطر الأمر سننشر المسودات التي تمت مناقشتها واتفقنا على تنقيحها في اللجنة، والتي تبين أن باسيل كان المعرقل الوحيد لعدة قرارات في مقدمتها تسجيل الولادات الحديثة لـ50 ألف طفل سوري نازح في لبنان، ولموضوع إقامة مخيمات مخصصة للنازحين لضبط وضعهم ووجودهم في لبنان".
على الجهة الأخرى، يبرر النائب العوني ماريو عون تدخل التيار الوطني الحر في ملف النازحين، ويصوّب بنفس الوقت على المرعبي ويقول "ظن الوزير المرعبي أن التكليف بموضوع النازحين يعني عمل لا شيء، وإغلاق الملف وكأنه غير موجود، ومنع التقدّم للأمام باتجاه حلول معينة لمشروع النازحين. وأمام واقع من هذا النوع وتقاعس الدولة بشكل عام، كان لا بد لنا كقوة سياسية لدينا حسّ المسؤولية أن نتدخل". ويضيف موجهاً الكلام للمرعبي "بدّو ما يواخذنا نحنا وغيرنا، لن نقف مكتوفي الأيدي بملف يشكل عبئاً كبير على لبنان".
ويوضح عون لـ"ليبانون ديبايت" أنه "على هذا الأساس قمنا بتشكيل لجنة لمتابعة ملف النازحين، كمفوضية لبنانية تشجع على عودة السوريين ليس إلى الذبح بل إلى أماكن آمنة، بعكس ما تفعله المفوضية العليا للأمم المتحدة، التي تشجع النازحين على البقاء في لبنان، فما عدنا نراهن على الأمم المتحدة لحل موضوع النزوح، ومن جرّب المجرّب كان عقله مخرّب".
ويتساءل عون "في ظل التلكؤ الحاصل والانقسام السياسي على شكل الحكومة اللبنانية حول موضوع النازحين، ما هي الجريمة التي نقوم بها إذا كنا نحاول حلّ الموضوع مع أصحاب الشأن تحديدا النظام السوري، بواسطة الأمن العام وبإذن من الحكومة اللبنانية؟ في الوقت الذي لا يختلف فيه اثنان على أن إعلان نهاية الحرب وانتصار النظام السوري في سوريا باتا قريبين".