تبعاً للمطلعين عن قرب على موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ليس بين يديه الآن مسوَّدة حكومة. زاره الرئيس المكلف سعد الحريري مرتين بعد 24 أيار: في 11 حزيران وفي 24 منه. في كلتا الزيارتين لم يحمل مسودة، بل عرضاً «افتراضياً شفوياً» اقتصر على الأرقام: حجم الحكومة وعدد المقاعد التي يقترحها للأفرقاء والكتل، دونما البحث في الحقائب. لا تصوّر ولا مشروع حكومة. كان الرئيس عون ينتظره بعدما أخطره بأنه سيجري جولة مشاورات ويعود منها بجوجلة. إلا أنه ذهب في إجازة طويلة. عاد وأجرى لقاءات من غير أن يلتقي على إثرها الرئيس أيضاً الذي لا يزال ينتظره.
لا يكتم رئيس الجمهورية وجود عقبات تقف في طريق التأليف. ما يسمعه المطلعون على موقفه هو الآتي: «لا أحد يريد حصته، بل زيادة عليها. معظمهم هكذا. وليد جنبلاط يريد كل مقاعد الدروز. سعد الحريري يريد كل مقاعد السنّة، مع أن لديه 17 نائباً سنّياً، بينما السنّة الآخرون عشرة. القوات اللبنانية لا تستطيع أن تقول إنها تريد كل شيء، لأنها ليست القوة المسيحية الرئيسية، ولا تستطيع إلغاء التيار الوطني الحر، ولذا تطالب بزيادة. ليس بين هؤلاء مَن يريد حصته. الفريق الشيعي مكتفٍ بما طالب به، ويطالب بحقوق السنّة الآخرين. قلت للجميع، مرة تلو أخرى، لن يأخذ أحد أكثر من حجمه الانتخابي. وحدها نتائج الانتخابات النيابية تحدّد الأحجام. لن يأخذ أحد سوى حصته».
الوقت ليس مفتوحاً إلى ما شاء الله، يقول رئيس الجمهورية. في وسعه انتظار الأسبوع المقبل بعد: «لا أراهن على الوقت، لكنني لا أُبتَز، سأمنحهم فرصة بلا أي رد فعل مسبق». بذلك، يكون قد انقضى شهران على التكليف. أمام عون خيارات مفتوحة يفضّل ألّا يتحدّث عنها. بعضها مرتبط بصلاحياته الدستورية، والبعض الآخر بدوره كرئيس للدولة. ثمة خيار ثالث أمامه، هو التوجّه إلى اللبنانيين ومصارحتهم بالعقبات التي يواجهها تأليف الحكومة، ومعرقليها.
ليس ثمة ما يشير إلى خلاف معلن بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. بيد أن عون يأخذ على الحريري عدم اتخاذه قراراً. يجد سبباً لتفسير هذا التردّد والتباطؤ: «ما دام هو يرتكب الخطأ، فكيف سيكون في إمكانه تصحيح اخطاء الآخرين؟».
فحوى هذه الإشارة أن إصرار الرئيس المكلف على كل الحصة السنّية ــــ من غير أن يكون الزعيم الأوحد للسنّة ــــ تجعل الآخرين كوليد جنبلاط وسمير جعجع يركبون المركب نفسه بالتشبّث بما يزيد على حصتهم. تفضي وجهة النظر هذه الرئيس عون إلى القول إنه لا يغطي الوزير جبران باسيل في كل ما يتحدّث عنه في مفاوضات التأليف: «هو رئيس أكبر تكتل في مجلس النواب. أعطوه الحجم الذي أعطاه إياه الناس في الانتخابات النيابية. لا أكثر ولا أقل. شأنه كسواه من الأحزاب والكتل. بعد انتخابات 2009 ترأستُ أنا كتلة نيابية من 27 نائباً، فلم أُعطَ حقيبة سيادية في حكومتي 2009 (برئاسة الحريري) و2011 (برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي) اللتين تلتاها، إلى أن حصل التيار الوطني الحر على حقيبة سيادية في حكومة 2014 بسبب الإصرار على هذا الحق المنبثق من قوة التمثيل الشعبي. مَن لا يملك حجماً كهذا لا يسعه أن يطلب أكثر من حصته التي يعرف نطاقها».
يلاحظ عون تصاعد الحملة على العهد، وهو على وشك طيّ السنة الثانية من الولاية في تشرين الأول المقبل. تفسيره واضح وجليّ: إنهم أولئك الذين لا يريدون سوى العداء له. يقول: «اللبنانيون لمسوا منذ بداية هذا العهد أن الأحجام التي اعتادها البعض في المرحلة السابقة، أيام الوجود السوري، لم تعد كذلك. لم تعد منتفخة ورجعت إلى حجمها الطبيعي. أتت الانتخابات النيابية الأخيرة كي تؤكد هذه الحقيقة. لم يعد في وسع أحد إلقاء كلمة جزافاً كي ينفجر البلد. لا أحد قادر على تفجير لبنان واللعب بأمنه واستقراره. عادت اللعبة إلى حجمها الطبيعي الحقيقي في إطار الصراع السياسي الذي اعتاده لبنان. ليس بين هؤلاء مَن يقدر على إسقاط العهد. ينعتونه بشتى النعوت. كأنهم لم يعرفوني قبلاً، ولم يجرّبوني حتى. ربما بات من الضروري أن يعرفوا جميعاً أن ثمة رئيساً للجمهورية يدقّ على الطاولة، ويستخدم صلاحياته الدستورية كاملة، بما فيها التي أهملها كثيرون».
يدفعه ذلك إلى الإضافة أنه معنيٌّ بصلاحياته الدستورية كاملة و«منع أي أحد مدّ يده إليها». ينفي ما يُساق إليه أنه يُنشئ أعرافاً، إذ يطالب بحصة في الحكومة الجديدة: «أنا هنا كي أمارس صلاحياتي الدستورية كما هي. لا أعراف. لكنهم لم يعتادوا أن تكون للرئيس كتلة كبيرة في مجلس النواب وكتلة وازنة في مجلس الوزراء يستعين بهما. الصلاحيات الدستورية هي التي قادت إلى قانون جديد للانتخاب، وإلى إجراء الانتخابات النيابية العامة، وإلى فرض الأخذ بالطبيعة الدستورية للمرسوم العادي حينما يقتضي أن يوقع وزير أو لا يوقع، فلا تكثر الاجتهادات هنا وهناك كمرسومي أقدمية الضباط والتجنيس، وإلى أن تعود صلاحية التفاوض في الاتفاقات المالية إلى رئيس الجمهورية إلا إذا فوّض إلى أحد هذه الصلاحية التي تكون في كل الأحوال تحت رقابته، وهو الذي يبرم الاتفاق. كان مجلس الإنماء والإعمار يعقد اتفاقات للحصول على أموال باسم مشاريع ثم يحيلها على مشاريع أخرى. منعتُ التلزيم نصف التراضي وتلزيم التراضي. استخدامي المادة 59 من الدستور للمرة الأولى أظهر جدواها وأوصلتنا إلى قانون جديد للانتخاب».
يقول الرئيس عون أيضاً تبعاً للمطلعين على موقفه: «ما فعله العهد منذ اليوم الأول كثير، وإن لم يكن كافياً تحت وطأة عبء المشكلات والصعوبات التي تعاني منها البلاد. هل أتحدث عن قانون الانتخاب والانتخابات، والموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، والتعيينات، والاستقرار الأمني، والسياسة الخارجية في ما قلته في الجامعة العربية وفي قمتي الأردن والرياض ووضعت سقفاً للموقف اللبناني حيال ما يجري في المنطقة، ومواجهة ملف النزوح السوري، وضرب الإرهاب في الجرود؟ كيف يسعنا تصوّر ما يمكن أن نكون عليه لو لم ننجز ذلك كله، وأنا أعرف أنه ليس كافياً؟».
لا يخفي الرئيس ــــ إذ يستعجل تأليف الحكومة ــــ قلقه من الوضع الاقتصادي. هو أكثر ارتياحاً إلى الاستقرار الأمني: «منعت أي أحد أن يمدّ يده على الجيش ويتدخل في شؤونه والتوسط لديه. منحنا القوى الأمنية الأخرى الحصانة. فتحت ملف الفساد أمام اللبنانيين كي يكونوا شركاء في مكافحته، ولا تقتصر المهمة على الدولة. الآن هناك مرجعية في إمكان أي مواطن اللجوء إليها إذا وقع على رشوة أو عنصر فساد في أي من الإدارات، من ثم نتحرّك لمواجهتها. إذا سكت المواطن، فذلك يعني أنه يشجع على الفساد كي لا أقول إنه يتواطأ معه. في إمكان اللبناني الذهاب إلى أيّ مركز للأمن العام وقوى الأمن الداخلي مثلاً كي يساعدنا».