إرتقت طرابلس الى مصاف المدن السياحية بامتياز، وأكدت أنها لا تمتلك كنزا أثريا وتراثيا وحضاريا فحسب، بل تمتلك كنزا بشريا مقيما ومغتربا قادرا على النهوض بمدينته وتنظيم الأيام السياحية الناجحة، وفضلا عن إمتلاكها بلدية قادرة “عند الجد” أن تكون حاضرة لتجهيز المدينة لاستقبال الزوار سواء من أبنائها المغتربين أو من السواح العرب والأجانب.

الفكرة كانت رائدة، أطلقتها مجموعة “نحن طرابلس” برئاسة الاعلامية هنا حمزة، التي دعت أبناء طرابلس المغتربين الى زيارة مدينتهم والتجول في أسواقها وأحيائها القديمة وتعريف أولادهم على حضارتها وثقافتها والسعي الى تحريك العجلة الاقتصادية فيها، ونقل أبهى صورة عنها الى البلدان التي يقيمون فيها، أو من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

والتنظيم كان من جمعية “سوشيل واي” برئاسة السيدة وفا خوري التي بذلت جهودا مضنية في تأمين البنى التحتية لليوم السياحي المنتظر، إنطلاقا من تجهيز الحديقة العامة “المنشية”، وتأمين كل المستلزمات المطلوبة فضلا عن إنسيابية الدخول والخروج الى ومن “المنشية” والتواصل مع الجهات الرسمية المعنية لتأمين الأمن والنظام والنظافة وقطع الطرقات في الشوارع التي سلكها الدراجون الذين رغبوا بالتجول في أرجاء طرابلس على الدراجات الهوائية بقيادة الدراج نبيل نصر وبالتعاون مع جامعة البلمند..

التكامل بين الفكرة الرائدة والتنظيم المحترف، ورعاية البلدية ورئيسها أحمد قمر الدين، وتعاون محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، وحضور الأجهزة الأمنية المختلفة، وإستنفار شركة “لافاجيت” لتأمين النظافة، كل ذلك ساهم في تقديم أبهى صورة عن نشاط حضاري تفاعلي قدم طرابلس صورتها الجميلة والحضارية، وأكد أنها قادرة على أن تكون بمصاف المدن السياحية اللبنانية، طالما أن الارادة متوفرة.

لا شك في أن النجاح الباهر الذي حققه اليوم السياحي ـ الاغترابي في طرابلس، حمّل المعنيين مسؤولية كبيرة، خصوصا بعدما ثبت للقاصي والداني أن المدينة يمكن أن تكون نظيفة عندما يكون هناك قرارا بذلك، وهذه النظافة من المفترض أن تستمر على مدار أيام السنة، كما أن المدينة قادرة على إستضافة مئات السياح والزوار في اليوم الواحد، فضلا عن وجود طاقات بشرية واعدة وحرفية عبرت عنها مجموعة “نحن طرابلس” التي نجحت في جمع المغتربين في أكثر من 25 بلدا ومدينة، وكذلك جمعية “سوشيل واي” التي قدمت نموذجا يحتذى في التنظيم حيث مرّت ساعات اليوم السياحي وبالرغم من تنامي عدد المشاركين فيه الى حدود الـ800 شخصا من دون أية شائبة تذكر.

على صوت فيروز توافد المغتربون الى الحديقة العامة في طرابلس، التي تحولت الى ملتقى أبناء المدينة وسط حضور لافت لهيئات وجمعيات حرصت على المشاركة من خلال عرض منشوراتها أو منتوجاتها أو تقديم التوعية البيئية، فضلا عن مشاركات كشاف مار مارون والكشاف الوطني الأرثوذكسي وكشاف البيئة ومساعدتهم في التنظيم سواء داخل “المنشية” أو خارجها، إضافة الى مواكبة الصليب الأحمر لليوم السياحي.

عند التاسعة صباحا إنطلقت الدفعة الأولى من الدراجات الهوائية، وسلكت شوارع التل، السراي العتيقة، ساحة النجمة، الجامع المنصوري الكبير، سوق الذهب، السوق العريض، شارع الكنائس، وصولا الى خان العسكر، ثم عادت أدراجها من نفس الشوارع وصولا الى الحديقة العامة، حيث إنطلقت الدفعة الثانية من الدراجات عند الساعة العاشرة، وقد حرصت مفرزة سير طرابلس بإمرة الرائد زياد جمال، وإشراف مراقب الخدمة المؤهل أول عماد السيد، على إقفال كل تلك الطرقات لتأمين سلامة الدراجين الذين عبروا عن سعادتهم وإعجابهم بهذه الجولة.

tripoli soci4

في غضون ذلك كانت الحديقة العامة تشتعل بالنشاطات الكشفية والترفيهية، حيث رقص المغتربون وأقاموا حلقات الدبكة على وقع الأغاني الحماسية والوطنية التي أشرف على بثها مسؤول النشاطات في البلدية خالد الحجة، كما أشرفت الشرطة البلدية على كل الأمور اللوجستية، وكانت مشاركة من زفة فارس لبنان.

وعند الحادية عشرة ظهرا إنضم رئيس بلدية طرابلس المهندس أحمد قمر الدين الى المشاركين الذين إنقسموا الى أربع مجموعات خرجت كل منها مع دليل سياحي في جولة على آثار المدينة من مساجد وخانات وأحياء وأسواق حيث أقيمت فقرة موسيقية في السوق العريض، ثم إنتقل الجميع الى قلعة طرابلس الأثرية التي قدم فيها الفنان عمر حرفوش مع فرقته حفلا موسيقيا من تنظيم ″شباب نيوز″ حاكى من خلاله من تراث المدينة وآثارها وحضارتها، وتفاعل معه الجمهور الذي إحتشد بين جنبات حجارة وأعمدة القلعة.

ثم عاد المشاركون أدراجهم من خلال الأسواق وصولا الى مقهى فهيم التراثي في ساحة التل..