كان اجتماع دونالد ترامب ليكون"الأسهل"، على الأقل وفقًا لترامب نفسه. بعد أسبوع من المحادثات المتوترة مع الحلفاء في بروكسل ثم المملكة المتحدة، حيث سيتوجه رئيس الولايات المتحدة إلى هلسنكي في أول قمة رسميّة له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي يوم الجمعة، ولمّا كان الرئيس يتناول الشاي مع الملكة، جاءت لوائح الاتهام، اتهمت وزارة العدل 12 ضابطًا من المخابرات الروسية بجرائم محددة تتعلق بالتدخل في انتخابات عام 2016 - تقول الاستخبارات الأمريكية إن الروس أرادوا ترامب.
إذا كان ترامب قلقًا من أن يلقي ذلك بظلاله على القمة، فإن لدى مسؤولي المخابرات الأمريكية الكثير من الأسباب الأخرى للقلق بشأن الاجتماع. بغض النظر عن أي إحراج مرتبط بالإتهام، فإن القمة ستظل هدية لبوتين - فرصة غير مكتسبة له للخروج من كفاحه وتحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف المستحيلة. في الواقع، من خلال عدد من الأعمال العدوانية والاستفزازية التي يبدو أنها تحقق انتصارات قصيرة الأجل، فإن بوتين قد وقع في شرك نفسه. فبلده يخضع لعقوبات شديدة، وضعف اقتصادي، فرط في الإنفاق، يفتقر إلى الحلفاء، استولى على أراض من غير مبرر في شبه جزيرة القرم، شنه هجوم على أوكرانيا المجاورة ، التدخل الانتخابي في الولايات المتحدة وأوروبا، اغتيال المعارضين، دعم الدكتاتور الدموي السوري بشار الأسد وأكاذيبه التي قد تركته يُنبذ في الكثيرمن دول العالم المتقدم. لم يعد قادراً على تقديم ثروة لشعبه أو رؤية لمستقبل أفضل.
وعلى الرغم من كل هذا، وحتّى مع لوائح الاتهام، فإن بوتين يدخل إلى القمة بميزة واضحة. فمثلما أطلق بوتين العنان للأجهزة الاستخباراتية والأمنية، قام ترامب بتخريب وتقويض هويته الخاصة.
أطلق ترامب رئاسته بهجوم على السي آي إيه، واتهم ضباط وكالة المخابرات المركزية بالتسريب والتصرف مثل النازيين. لقد سخر من النتائج لجماعات الاستخبارات المتعلقة بالهجمات الروسية على انتخابات عام 2016 وبدأ هجومًا لفظيًا طويل الأمد على مكتب التحقيقات الفيدرالي. قبل رحلته مباشرة، شكك ترامب مرة أخرى في الاحكام لمهنيي مخابراته، مواجهًا أن بوتين نفسه نفى هذه الاتهامات.
سيعتمد بوتين من جانبه، خلال القمة على المعرفة التي بنتها أجهزة استخباراته الخاصة عن ترامب بعد سنوات من الدراسة له وللسياسية الأمريكية.
سيتملق بوتين ترامب وسيلعب على نقاط ضعفه التي يعرفها جيدا كونّه رجل اعمال وميله لتوفير المال . ضف الى ذلك، دروس بوتين المرهقة في تاريخ الضحية الروسية وتلاوة الشكاوى ضد الغرب، يمكنّنا أن نتوقع تعليقات مثل: "حلف الناتو ليس لديه ما يخشاه من روسيا، فلماذا تهدر المال على بقايا الحرب الباردة؟ - كوريا وألعابك الحربية المستمرة هي استفزاز عديم الفائدة وباهظ الثمن- دعونا نتعامل مع سوريا إنّها مجرد إهدار لأموال الولايات المتحدة لدعم الناس الذين هم إرهابيون وباعتبارك رجل أعمال ذكي، تعرف أن العقوبات تضر بالغرب أكثر مما تؤذي روسيا- فكر في عدد الوظائف التي يمكن أن نخلقها إذا كان بإمكاننا فقط تنشيط روابطنا التجارية. ومن المحتمل أن يلقي باللائمة على العلاقات الضعيفة على باراك أوباما.
...في الواقع، بوتين لديه غريزة البقاء والمهارات التخريبية التي نشأت من مهنته في أمن الدولة إنّه يعرف كيف يحرك اللعبة لصالحه. على الصعيد المحلي، دمّر الإعلام الروسي المستقل، وكذلك المؤسسات القضائية والاقتصادية التي ربما شكلت تهديدًا لسلطته الشخصية. في هذه العملية، جعل نفسه واحداً من أغنى الرجال في العالم واقحم نخبة بلاده بإدراجهم في الغنائم. على الصعيد الدولي، لا تفعل روسيا الكثير لتسهيل التفاعل السلمي والتجاري السلس بين الدول، بل هي راضية عن السعي إلى جذب الانتباه من خلال التخريب والتسلط. بالنسبة إلى بوتين ، تعني كلمة "الفوز": "لقد ضربتك مرتين".
وهناك سبب آخر يدعو مخابرات أمريكا إلى القلق بشأن ترامب. إن السلاح الأكثر فعالية لموظفي المخابرات الأمريكية في الخارج هو أنهم يمثلون الولايات المتحدة الأمريكية بشكل واضح. كثير من الجواسيس الذي يشعرون بالاشمئزاز من الفساد في بلدانهم يعرفون أن أمريكا، المبنية على حكم القانون واحترام الحقوق الفردية، هي بديل قوي وصريح.
يعرف أخصائيو الاستخبارات الأمريكية والغربية أن العديد من الروس يبحثون عن مستقبل بديل لروسيا وأنهم مرهقون بسبب السرقة المستمرة والفساد والأكاذيب لقيادتهم في الكرملين. إذا كان رئيسك هو رجل عصابات وألحق الضرر ببلدك لإرضاء احتياجاته الشخصية، فإن الولايات المتحدة هي المكان المناسب للذهاب. على الأقل كان ذلك.
بالنسبة إلى المخابرات ، فإن القلق هو من ترامب بتشويهه القيم الغربية ويظهر حسًا من عدم الأمانة الشخصية .لماذا تخاطر بحياتك لتقديم معلومات لرئيس أمريكي لا يفهم المخاطر ولا يحترم عمل محترفيه الأمنيين؟ في هذه الحالة، أهداف القمة غير واضحة. ماذا تريد اميركا من روسيا؟ لماذا ؟ عن ماذا سيتنازل ترامب ؟ ما هو الدور الذي يتوقع أن يتخذه الحلفاء؟
إذا اتبعت قمة بوتين النمط الذي حدده في سنغافورة، فمن الأرجح أن يكون ذلك بمثابة وسيلة لحل المشاكل الحقيقية. ولكن بسبب مزيج غير واضح من الأسباب، يبدو أن الرئيس الأمريكي مستعد لمغفرة بوتين والترحيب به في الكونغرس. حتى المصطلح "قمة" يعطي انطباعًا عن اجتماع الحرب الباردة لدولتين متساويتين وقويين، وستتطلب نتائجهما من الآخرين تكيف أنفسهم. في حين هناك القليل الذّي يمكنّه توفيره للولايات المتحدة في أي "صفقة" قصيرة عن تغيير كامل للسلوك على الساحة الدوليّة. ليس فقط أن الإدارة تعرض على بوتين مخرجاً من عزلته الدولية الذاتية ، بل إنها توفر له أيضاً سجادة حمراء يمكن السير عليها نحو الخروج.
هل بوتين رئيس استراتيجي، أم أنه مجرد خبير تكتيكي، يحاول غريزياً في السلطة؟ هدية ترامب إلى بوتين تقديم يد المساعدة لسحبه من حافة الهاوية والسماح له بالظهور على قدم المساواة على المسرح العالمي مع رئيس الولايات المتحدة. بدلا من أن يوصف بأنه منبوذ وبلطجي، يمكنه أن يقدم نفسه كقيصر في العصر الحديث.
ترجمة وفاء العريضي
بقلم جون سيبر نقلًا عن ذا اتلانتك