يُجمع العدد الأكبر من الخبراء الدستوريين على وجود ثغرة أساسية في الدستور اللبناني تسهم بتأخير تشكيل الحكومة وتسمح لمختلف الفرقاء بالتمادي برفع سقوف مطالبهم، ألا وهي عدم تطرق المواد الدستورية إلى مهلة محددة يُفترض أن يتم خلالها التشكيل وإلا يسقط التكليف. ورغم أنه لم يمضِ على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل أول حكومة بعد انتخابات مايو (أيار) 2018 شهرين، فإنه قد بدأ في الأيام الماضية بحث جدّي عن مكامن الخلل التي تؤدي كل مرة إلى تأخير تأليف الحكومات، علماً بأن الرئيس تمام سلام كان قد سجل رقماً قياسياً بحيث بقي 11 شهراً حتى انتهى من تشكيل حكومته.
ولا تزال الأحزاب السياسية الرئيسية تتمسك بمطالبها الوزارية التي تحول بعض منها مؤخراً إلى «عُقَد» تؤخِّر التشكيل. فتكتل «لبنان القوي» يصر على وجوب تمثيل كل القوى وزارياً «تبعاً لحجمها النيابي»، بينما تصر «القوات اللبنانية» على الحصول على حصة موازية لحصة التكتل متكئة على اتفاق وقّعه الطرفان في عام 2016 (اتفاق معراب)، بقي سرياً حتى تم الكشف عنه قبل نحو أسبوع. كذلك يتمسك الحزب «التقدمي الاشتراكي» بالحصة الدرزية كاملة في الحكومة، مقابل إصرار رئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان على الحصول على واحد من المقاعد الوزارية الـ3، مدعوماً من رئيس الجمهورية و«حزب الله».
وقد آثر بعض النواب والشخصيات المقربة من الثنائي الشيعي وسوريا، مؤخراً، على التلويح بورقة سحب التكليف من الحريري، وأبرزهم النائب جميل السيد، وتم التداول بسيناريوهات بدت أشبه بـ«الاجتهادات الدستورية» لجهة الحديث عن أن التكليف لا يزال شفهياً وبالتالي هناك إمكانية لنسفه في حال تقدم 65 نائباً، أي نصف عدد النواب زائداً واحداً، بعريضة نيابية تطالب بتكليف شخصية جديدة. إلا أن مصادر مقربة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نفت تماماً ما تم تداوله عن دراسات قانونية ينظرها بهدف سحب التكليف، مؤكدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الأمر غير مطروح على الإطلاق لا اليوم ولا غداً، باعتبار أن الدستور واضح تماماً في هذا المجال ولا مكان إطلاقاً للاجتهاد والفلسفة».
ويُجمع الوزيران السابقان، زياد بارود وشكيب قرطباوي، على عدم وجود أي نص دستوري يمكن الاعتماد عليه للخروج باجتهادات لسحب التفويض من رئيس الحكومة، ويرجحان أن يكون كل ما يتم تداوله في هذا المجال يهدف للضغط على الرئيسين عون والحريري لإنجاز التشكيلة الحكومية بأسرع وقت ممكن.
ويعد وزير الداخلية السابق والقانوني زياد بارود، أن الثغرة الدستورية الوحيدة التي يمكن الحديث عنها والواجب النظر بها ترتبط بعدم تحديد الدستور مهلة للانتهاء من عملية التشكيل، داعياً إلى استحداث نص دستوري يضبط عملية التشكيل ضمن مهلة، لافتاً إلى أن بلجيكا مثلاً تعاني من أزمة حكومية منذ نحو 530 يوماً، ما يعني أن ثغرة المُهَل لا تقتصر على الدستور اللبناني.
ويرى بارود في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المطالبة بتضمين الدستور مواد إضافية تتحدث عن معايير محددة يتوجب اعتمادها في عملية التأليف، أمر غير مقبول على الإطلاق لكونه يشكل تعدياً على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية ويجعل منهما مجرد موقعين على المرسوم». ويضيف: «المعايير يضعها الرئيسان تبعاً للخطة السياسية والتحالفات وما تقتضيه مصلحة البلد».
ويطالب «التيار الوطني الحر» الذي يرأسه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل كما «حزب الله» باعتماد نتائج الانتخابات معياراً لتشكيل الحكومة، بحيث تتمثل الكتل النيابية في الحكومة حسب حجمها النيابي. ولا يحبّذ الخبراء القانونيون هذا التوجه باعتبار أنه يجعل من مجلس الوزراء صورة مصغرة عن مجلس النواب بدل أن يكون هذا الأخير يراقب عمل السلطة التنفيذية من خلال معارضة بناءة.
ويعتبر وزير العدل السابق شكيب قرطباوي أن كل ما يحصل حالياً سواء لجهة الحديث عن انطلاق البحث بمخارج لسحب التكليف من الحريري أو عن ثغرات دستورية يتوجب معالجتها، يندرج في إطار «الضغط السياسي» على الرئيس المكلف، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «السبيل الوحيد لانتهاء عملية تكليف الحريري ينحصر في قرار يتخذه هو بالاعتذار عن إتمام مهمته». ويضيف: «كل ما يتوجب إعادة النظر به في مرحلة لاحقة هي هذه المهلة المفتوحة لإتمام عملية التشكيل، لأنها تسمح للفرقاء السياسيين بالتمسك بمطالبهم وسقوفهم العالية إلى ما شاء الله».