ماذا يجري في أو مع مجلس شورى الدولة؟
 

قبل أسابيع عدة، استدعي القاضي نديم غزال إلى اجتماع مساءلة في رئاسة مجلس شورى الدولة، وقيل له أن هناك ملاحظات جدية وكثيرة عن مداخلات قام بها خارج نطاق صلاحيات عمله، وبعضها الآخر يشي بأشياء غير قانونية. قيل له أيضاً أن رئاسة المجلس تفكر بإحالة الملف إلى المجلس التأديبي. فكان رد غزال، بأنه يفضل الاستقالة من المجلس ومن السلك القضائي كله. وهو ما تمت الموافقة عليه بتاريخ 11 حزيران الماضي.
اتخذت الإجراءات التنفيذية للخطوة، لكن القرار ــــ المرسوم (قبول الاستقالة)، يحتاج إلى توقيع رئيس الحكومة سعد الحريري. بعد مضي أكثر من شهر، لم يوقع الأخير القرار، وترافق ذلك مع مناخات سياسية في أوساط مراجع في السلطة، بأن المرسوم ــــ القرار «جائر» وأن ما يحصل، هو عبارة عن عملية تطهير منظمة في مجلس شورى الدولة، وذلك بعد تعيين الرئيس الجديد القاضي هنري خوري خلفاً للرئيس السابق القاضي شكري صادر الذي أعلن استقالته من السلك القضائي.
اللافت للانتباه أن هذه المناخات ترافقت مع توزيع معلومات خاطئة، بالإضافة إلى حملة قاسية استهدفت القاضي غزال وصولاً إلى اتهامه بتقاضي رشاوى بملايين الدولارات. وقد شارك في هذه الحملة قضاة في مواقع نافذة، وسياسيون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية، وبعضهم محسوب على مرجعيات وقوى سياسية معينة، ليتضح، بعد التدقيق، أن هناك من يريد استغلال قضية غزال، لأجل تصفية حساب تتجاوز القاضي نفسه، لتطاول مجلس شورى الدولة كله. أما حجة المحتجين، أنه كان على رئيس مجلس الشورى إحالة القاضي إلى القضاء لا تركه يقدم استقالته فقط.
حقيقة الأمر، التي يعرفها الجميع، أن مجلس الشورى يعاني أزمة كبيرة منذ سنوات بعيدة، وخلال فترة رئاسة القاضي صادر، سمح للضغوط السياسية بتجميد عدد كبير جداً من الملفات وعدم البت بها، أو حتى جرى البت ببعضها لمصلحة المتدخلين. وعندما جاء الرئيس ميشال عون إلى القصر الجمهوري، طلب بواسطة المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، لائحة بالقضايا العالقة أمام مجلس الشورى، مع توضيح حول سبب عدم البت بها، وما إذا كان الأمر يتصل بنقص في عدد القضاة أو الغرف أو بسبب الضغوط الآتية من أصحاب المصالح وجلهم من السياسيين المتحكمين بالبلاد.
لاحقاً، اتضح لرئيس الجمهورية أن هناك مشكلة جدية، دفعته إلى التعجيل بقرار تغيير رئيس مجلس شورى الدولة والإتيان بالقاضي خوري خلفاً للقاضي صادر. بعدها، انطلقت ورشة عمل جديدة. وتمكنت غرف المجلس من البت سريعاً بعشرات الملفات العالقة، وذلك من ضمن برنامج عمل يقضي بالبت بكل الملفات الموجودة، بما فيها تلك التي تأخر البت بها لأسباب مختلفة.
عملياً، اختلف المناخ داخل مجلس شورى الدولة، لكن أحداً لا يجزم بأن الأمور صارت تتم وفق منطق مختلف جذرياً عما كان عليه الوضع سابقاً، خصوصاً أن مشكلة الفريق المحسوب على رئيس الجمهورية، لا تزال متمحورة حول تدخلات وزير العدل سليم جريصاتي، الذي لم يتوان عن التدخل في ملفات مجلس شورى الدولة نفسه بحجة أنه مطلع على بعضها. وإذا لم يضع الرئيس عون حداً لهذا الوزير الذي يتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية إزاء وقف العمل بالتعديل الدستوري الذي يحرر القضاء أكثر من سلطة الوصاية السياسية، فإن كل المحاولات الآيلة إلى إصلاح القضاء تبقى مجتزأة. ويمكن للرئيس عون الحصول على كل ما يريده من معطيات حول سلوك وزير العدل نفسه من الجهات القضائية المعنية.
لكن، لماذا تورط قضاة كبار في «تسعير» الحملة على مجلس الشورى، خصوصاً بعد قرار إبطال صفقة المعاينة الميكانيكية. وما الذي يجعل الحريري يرفض توقيع القرار ــــ المرسوم (قبول استقالة غزال)، وما الذي جعل الحزب التقدمي الاشتراكي يستفيق على فساد أحد القضاة، ولماذا يتحرك مقربون من الرئيس نبيه بري أو محسوبون عليه من داخل الجسم القضائي أو من خارجه للمشاركة في هذه الحملة... ولماذا يتم التهويل بملاحقة قضاة آخرين من مجلس شورى الدولة فقط، عندما أثيرت قضية غزال، ولاحقاً يتم التداول بأسماء قضاة «صودف» أنهم من المحسوبين على الرئيس عون؟
الواضح أن المعركة سوف تشهد فصولاً جديدة في المرحلة المقبلة. وما يهم الناس هنا، ليس تصفية الحسابات بين المرجعيات. لكن على الجسم القضائي تحمل مسؤوليته. فإذا كان يريد الاستمرار في الارتهان لقوى ومرجعيات سياسية، فليعرف أن القضاة سيدفعون الثمن، والعدالة العامة ستدفع الثمن. وإذا كان أهل السلطة القضائية يريدون انتهاز الفرصة لتطهير الجسم القضائي من الفساد فهذه فرصتهم. وعليهم، أن يكونوا مثل الناس، وأن يصفقوا لأي معركة بين فاسدين، وأن يتمنوا التوفيق للطرفين، طالما أن النتيجة ستكون في مكان ما، ضرباً لبعض أعضاء جسم الفساد.


على المستوى القضائي، كشف مدّعي عام التمييز القاضي سمير حمود لـ «الأخبار» أنّه طلب ملف التحقيق مع غزال من القاضي هنري خوري للاطلاع عليه، مشيراً إلى أنّه بصدد الادعاء جزائياً إذا ثبت تورط القاضي في ملفات فساد وقبض رشى. وعلّق حمود على ما نشرته «الأخبار» بشأن صمت النيابة العامة التمييزية قائلاً: «إنّ القضاء يعمل بصمت بعيداً من الإعلام (محاكمة القضاة تعود حصراً إلى النائب العام التمييزي). وكشف عن وجود ثلاثة قضاة بصدد الادعاء عليهم جزائياً، لكنه رفض الكشف عن أسمائهم.
في السياق نفسه، انقسم أهل البيت القضائي، على أنفسهم، خصوصاً في ظل القاعدة القائلة بفصل القضاء الإداري عن القضاء العدلي. معسكران يتواجهان. القضاء الإداري في مواجهة القضاء العدلي. تحدّث البعض عن استياء لدى مجلس شورى الدولة من أداء القضاء العدلي نحوهم، متحدّثين عن حملة تُشنّ ضد مجلس شورى الدولة لتحطيمه على خلفية البتّ في بعض الطعون التي تُعارض مصالح فئات سياسية وتخسّر هؤلاء مئات ملايين الدولارت. نقلت المصادر أنّ المجلس بتّ في عشرات الدعاوى منذ تسلم رئاسته القاضي هنري خوري، معتبرة أنّ الإجراء الذي اتُّخذ بحق أحد القضاة يسجل لـ «شورى الدولة» وليس ضده، باعتباره يقوم بالإصلاح، لا سيما أنّ مجلس شورى الدولة يدخل في جوهر مهماته محاسبة الوزراء على أدائهم وإبطال المراسيم والمناقصات، وكذلك إبطال قرارات وزراء ومجلس الوزراء.
في المقابل، اعتبرت مصادر قضائية مقابلة أنّ قرار محاسبة القضاة الإداريين يدخل في اختصاص مكتب مجلس شورى الدولة الذي يملك صلاحية مطلقة على القضاة الإداريين، ورأت أنّ القضاء العدلي يرمي بالمسؤولية على هذا المكتب لكونها تقع على عاتقه محاسبة هذا القاضي إذا ثبت تورطه، لا عقد تسوية معه والطلب إليه الاستقالة ليحتفظ بحق الاستشفاء على حساب صندوق تعاضد القضاة. وألمحت المصادر إلى تلقي العديد من الشكاوى ضد القاضي غزال، «لكنها لم تكن موثّقة آنذاك»، مشيرة إلى أنّه وُجِّهت للقاضي المذكور تنبيهات عدة.



نديم غزال: لم استقل تحت الضغط
أصدر القاضي نديم غزال بياناً أوضح فيه ملابسات استقالته من مجلس شورى الدولة ورد على الحملة التي تتهمه بتقاضي أموال كرشى. وقال في البيان إنه يعمل بصفة «مستشار معاون لمجلس شورى الدولة وليس رئيس غرفة وهو ليس قاضياً منفرداً يصدر أحكاماً منفردة، وإنما يشارك في الأحكام التي تصدر عن هيئة مؤلفة من رئيس ومستشارين. وطيلة مدة خدمته لم يتم طلب رده عن النظر في أي مراجعة. أما طرق الطعن في الأحكام أمام مجلس شورى الدولة، فهي معروفة وهي توجه عادة ضد حكم صادر عن الهيئة وليس عن الرئيس أو المستشار. وعندما سئل عن بعض التصرفات من قبل رئيس مجلس الشورى، فضل تقديم استقالته التي لن يعود عنها لأنه قدمها بملء إرادته، وليس تحت أي ضغط، وقد عرض الاستقالة ليس لأنه متهم بملف معين بل لأن أي مساءلة، مهما كانت، مسيئة لوضعه ولكرامته ولعائلته».
أما ما أثير عن موضوع شقة يملكها، فقد أوضح غزال أنه «باع منزله السابق وأخذ مع زوجته قرض إسكان على ٣٣ سنة منذ عام ٢٠١٣، وهو لا يملك غيرها كما لا يملك أي حساب دائن»، وختم متمنياً «الكف عن تعريض القاضي وعائلته للإساءة وترك القضية لتأخذ مجراها أمام المراجع المختصة».



برسم عون؟
كتب رئيس الدائرة القانونية في نقابة المحامين في بيروت الياس بو عيد على صفحته على فايسبوك متوجهاً إلى الرئيس ميشال عون بالقول: «أنا رئيس الدائرة القانونية في نقابة المحامين في بيروت وبعرف أسماء قضاة ارتشوا على مدى ١٩ سنة قضيتها بالدائرة، واستقالوا وحاولوا الانتماء لنقابتنا، هل تريد هذه الأسماء»؟