أشاعت الإيجابيات الذي عكستها الهيئات الاقتصادية، بعد لقائها رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلّف، أجواء ملتبسة في شأن تشكيل الحكومة. خصوصاً أنها أوحَت وكأنّ التأليف قد دخل مدار الحلحلة، ليتبيّن على الأرض انّ الامور تراوح مكانها، ما دفع الى التساؤل عن خلفية التفاؤل، التي تبدو مرتبطة بقرار متّفق عليه بين القيادات والسياسيين، لبَث مناخ مُطمئن يَنسف التيئيس التي أحدثه الكلام عن احتمالات الانهيار الاقتصادي.
وتأتي هذه التطمينات في ظل ظروف اقتصادية ومالية دقيقة، تعبّر عنها بوضوح اتجاهات اسعار الفائدة، والتي تتجه صعوداً، بما قد يؤثّر سلباً على الدورة الاقتصادية، إضافة الى ارتفاع كلفة خدمة الدين العام بسبب الزيادة في اسعار الفوائد. إذ من المعروف انه مقابل زيادة 100 نقطة اساس في اسعار الفوائد، تزيد خدمة الدين العام اللبناني حوالى 800 مليون دولار سنوياً.
وقالت مصادر مطبخ التأليف لـ«الجمهورية» انها «لم تلمس اي أفكار ومعطيات جدّية تُبشّر بولادة حكومية قريبة، خصوصاً انّ الاطراف ما زالت متمترسة خلف شروطها ومطالبها ورغباتها التي لا يمكن الاستجابة لها».
وفي وقت ينتظر رئيس الجمهورية ميشال عون ما سيحمله إليه الحريري، أكدت أوساط الاخير لـ«الجمهورية» مضيّه في ما هو بصدده بوتيرة سريعة، ولن يكلّ في السعي لبلوغ صيغة حكومية في وقت قريب، تحظى بالقدر الأوسع من التوافق حولها».
بدوره، قال مرجع سياسي لـ«الجمهورية» انه يتفهّم موقف الحريري، لكنّ هذا التفهم لا يلغي انّ الواجب الاول والاخير عليه هو تدوير الزوايا ومعرفة كيف تُدَوّر بما يراعي كل الاطراف، لا ان ترجّح كفّة زاوية على زاوية بما يشعر طرف بأنه مغبون وطرف بأنه محظوظ. وفي أي حال، ليست المسؤولية فقط على الحريري بل على القوى السياسية التي عليها فتح كل النوافذ أمام التأليف، لا وَضع العقبات. فالبلد أمام فرصة للنهوض بحكومة تُنقذ ما يمكن إنقاذه، وكلما تأخّرنا تصبح الامكانية أصعب والعقد اكثر تعقيداً».
جمود في «بيت الوسط»
واللافت انّ نهاية الأسبوع شهدت جموداً ملحوظاً، وغاب النشاط عن «بيت الوسط» ما خَلا حديث عن اتصالات بين «المستقبل» و«التيار» برز فيها حراك للوزير غطاس الخوري.
ولم تخل احتفالات القديس شربل، التي توزّعت بين بقاعكفرا وعنايا، من التطرّق الى أزمات البلاد. حيث عرض البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الملف الحكومي مع رئيس حزب «القوّات» سمير جعجع، في خلوة جانبيّة على هامش مشاركة الأخير في قداس بقاعكفرا.
واعتبر الراعي خلال عظته في قداس عنايا «انّ التشبّث بالحصص وحَصرها بكتل، مع إقصاء افرقاء آخرين، واشخاص ذوي كفاءة من المجتمع المدني غير الحزبي والسياسي، لا يبرران التأخير على حساب الخير العام، بل ويتناقضان مع المعايير الدستورية العامة، ومع روحية الدستور اللبناني ونَصه، ويُهملان اهتمام المجتمع الدولي والمساعدات المالية المقررة في مؤتمر باريس في 6 نيسان الماضي، من أجل الإنماء الاقتصادي وإصلاح البنى التحتية ولا سيما الماء والكهرباء». وقال: «الجميع من الداخل والخارج ينتظرون قرار تأليف الحكومة، لأنّ في كل يوم تأخير تداعيات كبيرة وخسائر جسيمة في الاقتصاد بكل قطاعاته، وفي عمل المؤسسات والإدارات، وفي ثقة الشعب بالمسؤولين».
«القوات»
واكدت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انّ لقاء الراعي ـ جعجع «كان ممتازاً، وتناول أكثر من ملف من التجنيس إلى التأليف. ونَوّه جعجع بموقف البطريرك «وأكدا ضرورة الإسراع في التأليف، لأنّ التحديات أكبر من أن تُعدّ وتحصى، ومسؤولية الحكومة كبيرة جدا. وشكّل اللقاء مناسبة للتشديد على أهمية المصالحة المسيحية التي من شأنها، شأن المصالحة الوطنية، ان تُوَلّد ارتياحاً واطمئناناً يجب الحفاظ عليهما. وأكد جعجع تمسّكه بالمصالحة والتفاهم، وشكر للبطريرك اهتمامه ورعايته، شارحاً الأسباب التي آلت إلى هذا الوضع، مؤكداً أنّ هذا التفاهم لا يلغي أحداً ويتعلّق باتفاق سياسي بين «التيار» و«القوات» والهَدف منه أبعد ما يكون عن المحاصصة، بل تشكيل تجربة نموذجية عن طريق إعادة إحياء دور المؤسسات في التعيينات، وهذا تحديداً ما حاولت «القوات» القيام به في تعيينات تلفزيون لبنان. وحرص جعجع على وضع البطريرك في صورة ايّ تطور حكومي أو وطني أو يتصل بالتفاهم».
«الكتائب»
وقالت مصادر كتائبية لـ«الجمهورية»: «ما يرافق تشكيل الحكومة من سجالات عقيمة وصراعات تحاصصية على تَناتُش السلطة وكأنها «قالب جبنة»، في وقت يجتاز لبنان أخطر مراحل تاريخه سياسياً واقتصادياً، لا يَدلّ على إدراك المتصارعين ما وصلت اليه خزينة الدولة وما يعانيه اللبنانيون من فقر وبطالة».
وأضافت: «كنّا على استعداد للمساهمة في فريق عمل مُتفانٍ يَصل الليل بالنهار لتنفيذ الإصلاحات، التي من دونها لا إنقاذ للبنان من أزماته. لكن من المؤسف أنّ أحداً لم يُظهر نيّة جدية للخروج من العقلية والنهج السابقين، ولم يَتّعظ من مخاطر استمرار الأداء الحالي، ما يعرّض السفينة للغرق بمَن فيها ويستدعي مواجهة من يتسبّبون بغرقها بكل السبل الديموقراطية المُتاحة لمنعهم من المضيّ قُدماً في إغراقها».
مجموعة الدعم
وعلّقت مصادر ديبلوماسية أهمية خاصة على مذكّرة مجموعة الدعم الدولية للبنان، التي كانت قد سلّمتها الى عون والحريري أخيراً، وشجّعت فيها على ان تؤخذ المبادىء الدولية التي حددتها، في الاعتبار، عند إعداد البيان الوزاري للحكومة، وذلك تماشياً مع القرارات الدولية ومؤتمرات روما وباريس وبروكسيل.
وفي معلومات لـ«الجمهورية» انّ إصدار المذكرة جاء بعد شهر على مشاورات أجرتها دول المجموعة: الامم المتحدة والصين وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية والمانيا وايطاليا وبريطانيا والاتحاد الاوروبي والجامعة العربية.
كذلك علم «انّ الاتجاه كان يميل الى أن تصدر المذكرة عن دولة كبرى، لكنّ النظر صُرِف عن ذلك لكي لا تبدو هذه الدولة وكأنها طرف، فارتُؤي ان تصدر عن الدول الخمس الكبرى. الّا انّ الامر اصطدم بالموقف الروسي غير المتكامل والمتجانس مع مواقف الدول الاخرى، فتم الاتفاق على أن تصدر المذكرة عن مجموعة الدعم».
وتعتبر المصادر «انّ المجموعة وضعت نوعاً من الخطوط الحمر للعملية السياسية الجارية في لبنان، مشيرة الى انّ الدول التي التزمت دعمه لكي يواجه أعباء النزوح السوري تنتظر ان يلتزم لبنان سياسة النأي بالنفس، وان ينفّذ وعوده التي أطلقها في الامم المتحدة وفي مختلف المؤتمرات الدولية».
وترى المصادر انّ المجموعة «التي تشجّع على تأليف حكومة متوازنة وعلى تضمين بيانها الوزاري المبادىء الدولية، تريد ان يكون مَن يتولى الحقائب الوزارية التي على صِلة مع الدول المانحة، قادراً على التعاطي معها، في إشارة غير مباشرة الى عدم الارتياح الدولي لأن يتولى «حزب الله» هذا النوع من الحقائب.
ويتقاطع موقف المجموعة الدولية مع رغبة السعودية التي، وإن كانت تعتبر انّ تأليف الحكومة شأن لبناني داخلي، الّا انها تدعو الى حكومة تكون مبعث ارتياح لدى الدول الخليجية.
المطبخ التشريعي
الى ذلك، تشهد عين التينة اليوم الاجتماع الاول لهيئة مكتب مجلس النواب لبحث موضوع النشاط المجلسي في المرحلة المقبلة، خصوصاً ما يتصل بإتمام المجلس النيابي بناء بنيته الادارية المتمثّلة بانتخاب أعضاء اللجان النيابية الدائمة، وهو الأمر الذي كان يفترض ان يحصل غداة بدء الولاية المجلسية في 21 ايار الماضي، لكنّ رئيس المجلس نبيه بري ارتأى آنذاك تأجيل هذا الانتخاب على اعتبار انّ الحكومة ستتشَكّل قريباً، ولكي لا يحصل إرباك بين عضوية اللجان والتوزير في الحكومة إذ ترك الامر لحين تشكيلها.
وعلمت «الجمهورية» انّ جلسة انتخاب اللجان، التي يفترض ان تعقد غداً، لن تحمل جديداً عمّا كان معتمداً في المجلس النيابي السابق، خصوصاً انّ الخريطة النيابية هي نفسها التي عاد إنتاجها مع المجلس الجديد، الّا انّ أمراً طفيفاً قد يطرأ عليها من خلال إسناد لجنة الادارة والعدل الى «القوات» على ان يترأسها النائب جورج عدوان، ويأتي ذلك كتعويض معنوي على خروج «القوات» من هيئة مكتب المجلس الذي كان يشغل عضويتها النائب السابق أنطوان زهرا، كأمين للسر.
أمّا البارز الآخر فيتمثّل بإسناد رئاسة لجنة الشؤون الخارجية الى عضو كتلة بري، النائب ياسين جابر. امّا لجنة المال والموازنة فتبقى مع «التيار الوطني الحر» الى جانب الاشغال والدفاع اللتين تبقيان مع «المستقبل» والاعلام مع «حزب الله»، بمعنى بقاء القديم في معظمه على قدمه مع تعديلات بأسماء الاعضاء، نظراً لدخول ما يزيد عن 70 نائبا جديدا الى البرلمان.
وعلمت «الجمهورية» انّ الجلسة قد لا تستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً، وبحسب مصادر مجلسية، انّ مسودة اللجان أنجزت بالتوافق بين كل الكتل النيابية.
وحول تحديد موعد الجلسة قبل تأليف الحكومة، قالت مصادر قريبة من عين التينة: «كان يمكن الانتظار الى ما بعد تشكيل الحكومة، ولكن طالما اننا لا نقول عن الصورة إنها ضبابية حتى الآن إنما هي مُقفلة، وأمام هذا الامر، لا يجوز أبداً إبقاء المؤسسة التشريعية مشلولة. لذلك، كان قرار رئيس المجلس بإتمام هيكلية المجلس للانطلاق في العمل الذي يتوَجّبه الوضع الحالي».
وبحسب المصادر نفسها «انّ فكرة عقد جلسة موسّعة لمجلس النواب لم تسقط من احتمالات بري، بحيث ما زالت قائمة، وقد يُصار الى الدعوة إليها خلال هذا الاسبوع إذا ظلّ الوضع مقفلاً. وبالتالي، لا بد من وضع الامور على طاولة النقاش في المجلس، وبحث الاسباب التي تعطّل التأليف حتى الآن».