لا نفشي سراً إذا قلنا ان رئيس الجمهورية هو المستفيد الأوّل من تأليف الحكومة، اليوم قبل الغد، أوليس هو راهن منذ وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى على الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات النيابية، لانطلاقة عهده واصر على ان تكون حكومة العهد الأولى؟ ثم أوليس هو من وعد وتعهد للبنانيين، من موقعه كأب لهم جميعاً، بأن يأتي الإصلاح الحقيقي على يد هذه الحكومة؟
لا يعتقدن أحد بادئ ذي بدء انه بدل رأيه، ونكث بكل وعوده وتعهداته للبنانيين، لأن ذلك - إذا صح التعبير - يعني بالقلم العريض انه تخلى عن دوره، واستسلم للذين راهنوا منذ البداية على فشل عهده، وهذا ما لا يُمكن ان يقبل به تحت أي ظرف.
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تبصر الحكومة حتى الآن النور، ويقلع العهد كما تعهد رئيس الجمهورية، ومن هي الجهة التي تضع العراقيل تلو العراقيل في وجه الرئيس المكلف، ولماذا لم يُصدر حتى الآن رئيس الجمهورية مرسوم التأليف وفق التشكيلة التي عرضها عليه الرئيس المكلف بعد أقل من أسبوع من صدور مرسوم التكليف التي راعى فيها التوازن السياسي والوطني من جهة وموازين القوى التي أفرزتها نتائج الانتخابات النيابية وقواعد التسوية الرئاسية من جهة ثانية؟ وهل صحيح ما يقال ويكتب من ان السبب في هذا الرفض هو إصرار فريق رئيس الجمهورية على الاستئثار بالحكم من خلال حصوله هو وحلفائه على أكثرية الثلثين في الحكومة العتيدة لتكون حكومة العهد الأولى فعلا لا قولاً، وهل صحيح ما يقال ويكتب عن وجود تعميم عند رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل على ابعاد منافسه الأوّل على الساحة المسيحية القوات اللبنانية عن السلطة، وما هو دور رئيس الجمهورية في كل ذلك؟
ان مثل هذه الأسئلة تصبح مشروعة في ظل إصرار رئيس التيار الوطني على الاستئثار بغالبية الحصة المسيحية في الحكومة بذريعة ان تياره حصد غالبية النواب المسيحيين في الانتخابات النيابية، وله امتدادات داخل الطوائف الإسلامية يجب المحافظة على حقها في ان تتمثل داخل الحكومة العتيدة، مثل الوزير طلال أرسلان والنواب السنّة الذين هم خارج تيّار «المستقبل» بزعامة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، فضلا عن الحسابات الأخرى التي لها علاقة مباشرة بالتركيبة التي يجب ان تتشكل منها حكومة العهد الأولى لكي تتمكن من تنفيذ خطط العهد على عكس ما حصل في عهد حكومة تصريف الأعمال.
إن هذا الإصرار من الوزير باسيل هو الذي اوقف عجلة تأليف حكومة العهد الأولى وادخل البلاد في أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات، ودفع الرئيس المكلف إلى ان يكشف الغطاء عن الذين يعرقلون تأليف الحكومة بحجج وذرائع ليست واقعية لا سيما في ظل التفاهم القائم بينه وبين رئيس الجمهورية على وجوب الإسراع في تأليف حكومة العهد الأولى وفق معيار واحد هو النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات النيابية، على ان تضم جميع القوى السياسية، ولا تستثني منهم أحداً الا من يرغب في ان يستثني نفسه ويبقى خارج إطار الوفاق الوطني.
لقد ادرك الرئيس المكلف انه هو ايضا مستهدف من قبل الفريق الذي يدير عملية التأليف عند رئيس الجمهورية، فجاءه رده القاسي بأنه لن يستسلم وهو مستمر في تحمل مسؤولياته كرئيس مكلف تشكيل حكومة وحدة وطنية، توحي للمجتمع الدولي الذي لا يزال ضنيناً بهذا البلد بالثقة، وتعيد الأمل المفقود إلى نفوس اللبنانيين.