لفت البطريرك الماروني الكاردينال ​مار بشارة بطرس الراعي​، خلال ترؤسه قداسًا إحتفاليًّا في ​كاتدرائية مار جرجس​ - إهدن بمناسبة إعادة تكريس مذبحها وتدعيم الكنيسة وترميمها، إلى أنّ "يسعدني أن نحتفل معكم، لا سيما مع النائب البطريركي العام على رعية إهدن - ​زغرتا​ المطران جوزيف نفاع والكهنة والرهبان والراهبات والنواب وسائر الفاعليات، ومعكم جميعًا، بتدشين كاتدرائية مار جرجس بعد ترميمها وتدعيمها، وبتبريك مذبحها. وإنّي أقدّم هذه الذبيحة المقدسة معكم، ذبيحة شكر لله الّذي، بشفاعة مار جرجس، حقّق هذا العمل الكبير بمراحله الـ14، على ضوء دراسة عملية - هندسية وتاريخية وأثرية"، مشيرًا إلى أنّ "العمل شمل أشغالًا في داخل الكنيسة: المذبح والسكرستيا والتدعيم والبنى التحتية والجدران والتبليط ولوحات القديسن الثلاث الّتي رسمها الفنان ال​لبنان​ي داوود القرم ما بين 1884 و1895، ومراحل ​درب الصليب​ والأبواب والمقاعد والثريات. كما شمل أشغالًا في الخارج: القبة وسقف الكنيسة والساحة وبيت الكهنة".
 

وركّز على أنّ "هويتنا ​المسيحية​، هي أنّ الروح ​القدس​ "مسحنا" فصوّرنا في كياننا الداخلي على صورة المسيح، مشاركين في وظائفه الثلاث النبوءة والكهنوت والملوكية. بالنبوءة نجسّد كلام ​الإنجيل​ في حياتنا بالأفعال والأقوال، بالكهنوت نفعل من ذواتنا ونشاطاتنا وكلّ أعمالنا وأفراحنا وأحزاننا قرابين روحية نضمّها إلى قربان جسد الرب ودمه، وبالملوكية نبني الوحدة، نوطّد السلام، نمارس العدالة، ونندد بكلّ انقسام ونزاع وظلم".
 

ونوّه الراعي إلى أنّ "رسالتنا فهي إياها الّتي سلّمها الرب ​يسوع المسيح​ إلى الكنيسة، بعد أن مارسها وفق نبوءة آشعيا، بأبعادها الخمسة:

الأول: تبشير المساكين، وهم الّذين ينتظرون خلاص الله، والإخوة الصغار الّذين يعانون من الجوع والعطش والعري والغربة والمرض والأسر (متى 25: 31-46)، وهم المظلومون والمستضعفون والمنتهكة حقوقهم.
 

الثاني: تحرير المأسورين، وهم المستعبدون لمصالحهم الرخيصة ونزواتهم وانحرافاتهم، والمكبّلون بسلاسل الإنشغال الحصري بشؤون الدنيا، ومهملون لعالم الله والروح، وهم الخاضعون لإديولوجيات فكرية وعبوديات سياسية.
 

الثالث: إعلان إعادة البصر للعميان، وهم المصابون بعمى القلب والعقل والضمير، ولا يميّزون بين الخير والشر، وبين العدالة والظلم، وقد فقدوا القاعدة الأخلاقية.
 

الرابع: شفاء منكسري القلوب، وهم الحزانى والمهمشون والمجروحون في كرامتهمـ وهم التائبون الذين يبتغون الغفران والمصالحة.
 

الخامس: إعلان زمن مرضي لله، وهو الزمن المسيحاني، زمن ​المحبة​ والرحمة، زمن السلام والعدالة، زمن الأخوة والعيش معا".
 

وبيّن إلى أنّ "إلى هذا الزمن المسيحاني ننتمي نحن ​المسيحيون​، رسالتنا أن نعطر الزمن التاريخي الّذي نعيش فيه بالقيم المسيحية، من خلال نشاطاتنا الزمنية على كلّ مستوياتها التربوية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية. ولقد رسم لنا خريطة الطريق المجمع البطريركي الماروني الّذي انعقد ما بين سنة 2003 و2006"، مشدّدًا على أنّه "لا يستطيع المسيحيّون التخلّي عن هذه الرسالة الّتي قبلوها بالمعمودية والميرون، ويغذّونها بكلام الإنجيل وتعليم الكنيسة. ويستمدّون القوّة للقيام بها من سرّ القربان. كما أنّهم لا يستطيعون إهمالها، فإنّ فعلوا تعثّر الوطن".
 

وأشار الراعي إلى أنّ "في هذه الكاتدرائية، كما في سواها من الكنائس، تقبل الآباء والأجداد هذه الرسالة، وتعمّقوا فيها، فصمدوا عبر المحن والمصاعب، وانتشروا في كلّ أرجاء لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وأسسوا دولة نفاخر بها. وها نحن على مسافة سنتين من الاحتفال بمئوية إعلان دولة لبنان الكبير".
 

وأوضح أنّ "ال​سياسة​ عندنا في حاجة إلى القيم الروحية والأخلاقية، لكي تستقيم ممارستها، ويهتدي لبنان إلى طريق الخروج من أزمته السياسية الّتي تتسبّب بأزمة اقتصادية خانقة، وبأزمة اجتماعية لا تطاق. فالقيم الروحية والأخلاقية تزيّن المسؤول السياسي بالتجرّد والتفاني والتضحية والسخاء في العطاء في سبيل الخير العام، كما تزيّنه بأخلاقية التخاطب من دون إساءة. في أزمة هذه القيم، يكمن تعثّر تأليف ​الحكومة​ الجديدة، إضافة إلى أنّ طريق تأليفها المعتمد في السنوات الخيرة يناقض المعايير ​الدستور​ية العامة وروحية الدستور ونصّه، وتجّذر ديكتاتورية أقطاب سياسيين، وانتهاج الإستئثار والإقصاء، كما يشرح أخصائيو القانون الدستوري".