يعتبر لبنان من اكثر الدول التي حققت تقدّما هاما في شأن توفير الرعاية الصحية ونوعيتها في العالم. هذا ما تلحظه الدراسة العالمية حول الوصول الى الرعاية الصحية ونوعيتها والتي شملت 195 بلداً ونشرت في شهر ايار الماضي في المجلة الطبية العالمية " The lancet" بعنوان " Measuring performance on the healthcare access and quality index for 195 countries and territories and selected subnational locations” وشارك فيها خبراء من مختلف البلدان في العالم ومنهم خبراء "معهد القياسات الصحية والتقييم" في جامعة "واشنطن" الأميركية.
تعالج الدراسة العالمية مؤشرات الرعاية الصحية في 195 بلداً بين العامين 1990 - 2016، أي على مدى 26 عاما. وتشير النتائج الى ان مؤشرات الحصول على الرعاية الصحية ونوعيتها سجّلت تحسّناً في السنوات الماضية، غير ان هذا التحسّن ما زال بطيئا او غائبا في الكثير من البلدان. ويساعد تحديد مكامن الإخفاق والتقدم في مجال الرعاية الصحية على ترشيد القرارات والاستراتيجيات لتأمين غد أفضل للمجتمعات ، فمن الضروري ان تتمتّع جميع المجتمعات بفرص الحصول على الرعاية الصحية.
وتظهر نتائج الدراسة ان لبنان، تركيا، السعودية هي البلدان التي سجلت التقدم الأكبر في نوعية الرعاية الصحية والحصول عليها ضمن البلدان ذات المؤشر الاجتماعي الديمغرافي (Socio demographic index-SDI) المتوسط، بينما سجلت كوريا الجنوبية، تايوان، وقبرص التقدّم الأكبر ضمن الدول ذات المؤشر الاجتماعي الديمغرافي العالي.
لبنان في وجه التحديات
يشرح البروفسور في "معهد القياسات الصحية والتقييم- institute for health Metrics and evaluation " في جامعة "واشنطن" علي مقداد لـ"النهار" ان لبنان حقق خطوات عدة في تعزيز نوعية الرعاية الصحية وفرص الحصول عليها ومنها على سبيل المثال: بلورة وزارة الصحة العامة نظام اعتماد المستشفيات في لبنان (Accreditation) ما ادى الى تحسين نوعية الخدمات الصحية، ودور وزارة الصحة العامة في تغطية النفقات الطبية للأشخاص. من ناحية أخرى، يلحظ مقداد ان لبنان ما زال يواجه بعض التحديات التي يجب العمل عليها ومنها كلفة الرعاية الصحية، وعدم توفير التغطية الصحية لجميع المواطنين، وتعزيز الرعاية الصحية الوقائية في الرعاية الصحية الأولية، وتحسين نوعية المياه، وتقليل الفوارق الصحية بين مختلف الفئات الاجتماعية اذ ما زالت بعض المناطق في لبنان تسجل خدمات صحية ضعيفة.
أما في العالم العربي، فيشير مقداد الى بعض التحديات الصحية ومنها: النزاعات والحروب، خفض معدلات وفيات الأمهات والوفيات الناجمة عن الأمراض الانتقالية، القلق والاكتئاب اللذان يشكلان سببين رئيسين للأعباء المرضية ويصيبان النساء أكثر من الرجال، زيادة أعباء الأمراض غير الانتقالية بسبب زيادة أمد الحياة، والوفيات الناجمة عن حوادث الطرق.
نتائج مقلقة
يقول مدير "معهد القياسات الصحية والتقييم " في جامعة "واشنطن" الدكتور كريستوفر موراي ، في بيان: ان نتائج الدراسة مقلقة: فبينما سجلت بعض البلدان تحسّناً في نوعية الرعاية الصحية، ما زال من غير المقبول ان يكون معدل بعض البلدان أقل من 20، لذا على قادة العالم ان يتحركوا لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وقال الباحث الرئيس للدراسة الدكتور رافييل لوزانو من "معهد القياسات الصحية والتقييم" انه حان الوقت للاستثمار في توفير أنظمة صحية أفضل للأجيال المقبلة بغية تحقيق اهداف التنمية المستدامة.
وتظهر نتائج الدراسة ان جمهورية "إيسلندا" (97.1) و النروج (96.6)، وهولندا (96.1) سجلت اكثر المعدلات ارتفاعا بالنسبة الى مؤشر " HAQ" المرتكز على اسباب بعض الوفيات التي يجب مواجهتها ومنها السل، السرطان وغيرها، بينما سجلت الصومال (19)، وغينيا بيساو (23.4)، وجمهورية افريقيا الوسطى (18.6) معدلات منخفضة.
بين التحسن البطيئ والركود
ولم تسجل تسع دول تطورا ملحوظا في الرعاية الصحية بين الأعوام 1990 و2016 ومنها: فيجي، زيمبابوي، جنوب السودان وغيرها. بينما سجلت بعض الدول ذات المؤشر الاجتماعي الديمغرافي المنخفض او المتوسط بعض التحسن البطيئ بين الفترة الزمنية الممتدة بين الأعوام 2000 الى 2016 ومنها رواندا، اثيوبيا، بنغلادش، كمبوديا، ولاوس.
وشهدت بعض الدول مثل روسيا، كازاخستان وبيلاروسيا تقدما بين الأعوام 2000 الى 2006 بعد ركود تام بين الأعوام 1990 و2000. ويعود التحسن في الرعاية الصحية في الكثير من البلدان الى التقدم في مجال الوقاية من الأمراض عبر توفير اللقاحات، وخفض معدل وفيات الأمهات والأطفال وغيرها.