خلافاً للصورة الإيجابية التي ظهرت أخيراً، لم تسفِر بعدُ محاولات الرئيس المكلف سعد الحريري الحثيثة ومشاوراته المتجددة عن ايّ تقدّم ملموس على جبهة تأليف الحكومة، لكنّه اكّد انّه لن يستسلم. وقد شَملت هذه المشاورات حتى الآن كلّاً من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ورئيسَ حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على ان يلتقيَ رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ثمّ يتوجّ هذه المشاروات بلقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.


وكشَفت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» أنّ الحريري سيزور عون خلال الساعات المقبلة بعدما اقترَب من التحضير لتشكيلةٍ وزارية جديدة سيعرضها على رئيس الجمهورية، في محاولةٍ جديدة لتوفير المخارج للعقدتين المسيحية والدرزية من خلال إعادة النظر في الحصص الوزارية، وأبرزها ما يمكن تسويته برفعِ عدد وزراء «فريق الرئيس».


وفي معلومات «الجمهورية» أنه تمّ ترتيب التشكيلة الجديدة وفقَ المعادلة الآتية:


- 10 وزراء لفريق الرئيس و«التيار الوطني الحر» وحلفائه. ويمكن ان تقسَم بين صيغتين، 6 وزراء للتيار و4 للفريق المعاون للرئيس. او تكون بصيغة 5 × 5 ليكون رئيس الجمهورية مرتاحاً لجهة إمكان إعطاء حقيبتين على الأقلّ من فريقه لأطراف أخرى لا يريد تغييبَها عن الحكومة العتيدة، مع الاحتفاظ باستبدال وزير مسيحي يسمّيه الحريري بدلاً من سنّي من حصّته السداسية.


- 4 حقائب لـ«القوات اللبنانية»، ومِن بينها حقيبة أساسية، يمكن ان تكون واحدة من ثلاثة حقائب: الاشغال، العدل أو التربية، بعدما انتهى توزيع ثلاثٍ أخرى من هذا الصنف، وهي وزارة الاتصالات لـ«المستقبل» ووزارة الصحة لـ«حزب الله» و«الطاقة» لـ «التيار الحر».


- حقيبة لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية.


- 3 وزراء للحزب التقدمي الإشتراكي، إثنان من الحزبيين، على ان يسمّي رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة الثالثَ من ضِمن ثلاثة اسماء يختارهم جنبلاط.

عين التينة
وتحدّثت أجواء عين التينة عن شِبه إيجابيات تعكسها مشاورات الحريري الجديدة التي اكّد خلالها انّه في صدد إعداد طبخة حكومية يتوافق عليها الافرقاء السياسيون. لكن المهم، في رأي عين التينة، هو أكلُ العنب في نهاية المطاف.


وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره: «للمرة الألف نقول، لا يجوز ابداً التأخير في تشكيل الحكومة وإبقاء الشلل على ما هو قائم حالياً، وهذا أمر من مسؤولية الجميع ويجب أن يسهّلوا عملية التأليف في سبيل البلد اوّلاً وأخيرا».

«الحزب»
في حين قالت مصادر «حزب الله» لـ«الجمهورية» إنّه «حتى الآن لم نرَ أيَّ تقدّمٍ، ولا نستطيع التأكيد ما إذا كانت الامور مقفلة أم لا، لأن لا شيء جديداً في الوقت الحالي».


وأبدت كتلة «الوفاء للمقاومة» بعد اجتماعها الأسبوعي استغرابَها للتباطؤ «غيرِ المبرّر في الجهود المفترضة الآيلة إلى تشكيل الحكومة»، داعيةً «الجميع إلى ضرورة إبداء المرونة الكافية وعدمِ الانغلاق داخل حسابات المكاسب التكتيكية الفئوية أو الخاصة التي تخِلّ بالتوازن الوطني المطلوب، وتستجيب لمطالب متضخّمة لدى بعض الجهات على حساب المشاركة الضرورية لجهاتٍ أخرى لها حجمُها التمثيلي كَبُرَ أو صَغر».

العقدة الدرزية
وإلى ذلك، قالت مصادر الاشتراكي لـ«الجمهورية»: «العقدة الدرزية افتَعلتها قوى سياسية تريد اختزالَ نتائج الانتخابات والإطاحة بالفوز الساحق الذي حقّقه الحزب. ومَن يصِرّ على توزير شخصيات يرى أنّ عدم دخولها الى الوزارة هو خسارة وطنية فليقدّم لها من حصّته. وشدّدت هذه المصادر على «أنّ التمثيل الدرزي لـ«اللقاء الديموقراطي» محسوم بـ 3 وزراء لا اكثر ولا أقلّ».

العقدة المسيحية
وأوضَحت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» أنّ وجهة نظرِها من الملف الحكومي معروفة، والحريري يؤيّدها، لذلك كان لقاء الحريري ـ جعجع مناسبةً تمّ التطرّق فيها الى كلّ الملفات، وتحديداً الى سُبل الخروج من العقَد. وإذ ذكّرت بمبادرة الرئيس المكلف للتهدئة بين «القوات و«التيار» وتواصلِها مع رئيس الجمهورية لحلّ العقدة المسيحية، قالت إنّ جعجع وضَع الحريري في صورة لقائه مع عون واتّصاله بباسيل وإيفادِه الوزير ملحم الرياشي وكيف تطوّرت الامور مع مقابلة باسيل المتلفَزة ومن ثمّ تطوّرها في اتّجاه التهدئة والمسار الذي ستَسلكه مجدداً.


وأضافت المصادر: «الرئيس المكلف يعتبر أنّ على المعنيين بالعقدة المسيحية، أي «القوات» وباسيل، الوصولُ الى نتيجة، وبناءً على ذلك، سيحصل حوار سياسي على ورقة سياسية مزدوجة سيتمّ تحضيرها، وهي خريطة الطريق التي اتّفق عليها رئيس «القوات» مع الرئيس عون، وتتضمّن الاتّفاق على الهدنة وعلى تنظيم الخلاف وعدمِ خروجه الى العلن، كما حصَل أخيراً، وإبقاء الامور على ما هي عليه من تنظيم خلاف وتهدئة بالحدّ الادنى، وبالحدّ الأقصى إحياءُ التفاهم بعد توضيح كلّ طرفٍ لوجهة نظره وإجراء قراءة سياسية موحّدة لهذا التفاهم الذي يؤكّد الطرفان اهمّيته واستراتيجيته، الى جانب اهمية المصالحة واستراتيجتها، ولكنّ التفاهم مشاركة سياسية، والمصالحة مسألة مبدئية، وطبعاً لا أحد يريد العودة الى الماضي بينما التفاهم يتعلّق بمستقبل العلاقة بين «التيار» و«القوات»، وبالتالي هذه مسألة اساسية سيتمّ البحث فيها خلال المرحلة المقبلة.

كذلك سيتمّ البحث في ملف الحكومة ووجهةِ نظر كلّ طرف لتمثيله فيها قبل توحيد القراءة، لأنه إذا ظلّت الامور على ما هي ستبقى العقدة قائمة، أمّا حلُّها فسهل على قاعدة وجود استعداد لدى الطرفين لتدوير الزوايا، و«القوات» لديها الاستعداد الكامل شرط أن يُقدِم الطرف الآخر أيضاً على تدوير الزوايا. وكذلك حلّها على قاعدة انّ المخارج مؤمَّنة إذا وجِدت الإرادة لذلك، حيث إنّ هامش الكلام كبير والبدائل واسعة».

التيار» - «القوات»
سياسيّاً، وبعد تعرّضِ «تفاهم معراب» لاهتزازات عدة، حطَّ عرّابا تفاهم معراب ابراهيم كنعان ورياشي في الديمان امس، في ضيافةِ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. وتحدّثت اجواء الديمان لـ«الجمهورية» عن «اتفاق على تثبيت المصالحة وتدعيمِها بما حقّقته الى الآن من انتخاب رئيس ميثاقي وإقرار قانون انتخاب جديد حسّنَ التمثيل المسيحي في المجلس النيابي بأكثر من ٥٣ نائباً بالصوت المسيحي.


وعلمت «الجمهورية» أنّ خطواتٍ عملية ستقوم بها بكركي بعد اللقاء تحمل في طيّاتها رعاية آليةِ عملٍ دائمة بين الحزبين لا تنحصر بالاستحقاقات الموسمية، وتشمل نتائجها الجميع بلا استثناء.


أمّا مصادر «التيار» فقالت لـ«الجمهورية»: «الجوّ كان جدّياً وإيجابياً، والمصارحة كانت شاملة وتوصّلنا الى الاتفاق على خطوات عملية سنباشر بها، وقد عبّر عنها البطريرك ببيان بكركي، وأهمّها اعتبار المصالحة قائمة وثابتة وتأليفُ الحكومة يكون من خلال المعايير الدستورية».

مصادر مسيحية
ودعت مصادر سياسية مسيحية إلى ضرورة التفريق بين المصالحة «القواتية» ـ العونية وبين «تفاهم معراب»، وأوضَحت لـ«الجمهورية»: «أنّ ما يسعى اليه البطريرك هو الحفاظ على المصالحة، أمّا «تفاهم معراب» الذي يتضمّن اتّفاقاً بين حزبَين على توزيع المناصب الرسمية السياسية والادارية في ما بينهما فلا علاقة لبكركي به أساساً وهي ليست في وارد رعايته، خصوصاً أنّ هناك احزاباً وقوى سياسية مسيحية لم تشارك في هذا الاتفاق، وبالتالي فإنّ تصوير تشجيع البطريرك كلّاً من «القوات» و«التيار» على عدم الاصطدام السياسي والإعلامي وكأنه غطاءٌ كنَسي لهذا الاتفاق لا علاقة له بالواقع بمعزل عماّ إذا كان من يُسوّق لذلك يقوم بما يقوم به من باب عدم المعرفة بموقف الكنيسة أو عن سوء نيّة وتعمَّد تصويرَ موقف البطريرك على غير حقيقته».


وشدّدت المصادر على «أنّ بكركي مؤتمنة على الجانب الأخلاقي من التفاهم على قاعدة طيّ صفحةِ الماضي وإنهاء الخلافات، إنّما الموضوع السياسي، أي المرتكز على توزيع المغانم والحصص، فهذا يعني الحزبَين ولا علاقة لبكركي أو لأيّ مرجعية روحية بهذا الموضوع».

«التيار» - الاشتراكي
وفيما هدأت على محور «التيار» ـ «القوات»، استعرَت الحرب الكلامية بين «التيار» و«الاشتراكي» في جولةِ تصعيدٍ جديدة بين الطرفين استُعمِلت فيها أقسى المفردات، وأنهاها جنبلاط بتغريدة نصَح فيها «الرفاق بأن لا ندخلَ في سجالات عقيمة مع هذه المجموعة العبثية التي تصِرّ على اعتماد الهجاء الرخيص بدل الكلامِ المنطقي الموضوعي».


وقالت مصادر الاشتراكي لـ«الجمهورية»: «لم نكن نسعى أساساً لافتعال أيّ سجال، ولكن في كلّ مرّة يُبدي فيها رئيس الحزب رأياً سياسياً تأتي حملة ردودٍِ مسعورة خالية من أيّ مضمون سياسي ولا تتضمّن إلّا السبابَ والشتائم. نُحدّثهم بالسياسة وهم يردّون بالشتائم. التصوّر بات معروفاً لدى الرأي العام اللبناني بأنّ الأدبيات السياسية لـ«التيار الوطني الحر» ترتكز في قسمٍ كبير منها على السباب والشتائم. نحن لن ننجرَّ إلى هذا المستوى من الردود، فالحزب التقدمي في نهاية المطاف هو حزب سياسي له حيثيته التمثيلية والوطنية الكبيرة، وطالما نحن في نظام ديموقراطي حتى إشعار آخر، يحقّ له الإدلاء برأيه السياسي في عملِ العهد أو بعضِ رموز العهد، من دون أن يستوجبَ ذلك هذا المقدارَ من الردود الحاقدة».


وأكّدت المصادر، ردّاً على سؤال: «أن لا شيء في السياسة اسمُه نقطة اللاعودة، لكن من الواضح انّنا نختلف في وجهات النظر حيال عددٍ كبير من القضايا الوطنية، ولا نوافق على أداء «التيار» سواء في تجاوز «الطائف» أو في محاولة تدجين المؤسسات أو في الابتعاد عن كلّ الشعارات التي استهلكها على مدى سنوات، وفي طليعتِها مكافحة الفساد، بل أصبَح منغمساً فيه الى درجات كبيرة، والكهرباء والبواخر دليل واحد على ذلك، ونأمل في نهاية المطاف ان تعود كلّ القوى السياسية الى رشدِها، لأنه يحقّ للمواطن اللبناني في ظلّ الوضع الاقتصادي المتردّي ان يرى ولادةً حكومية قريبة، وأن يرى إنجازات في الملف الاقتصادي والاجتماعي».

عودة النازحين
وفي ملفّ عودةِ النازحين يستعدّ نحو ألف نازح من مخيّمات عرسال للعودة الى القلمون الغربي، بلدات: قارا، الجراجير، فليطة، ورأس المعرّة. وقد باشرَ الأمن العام اللبناني بالتعاون مع بلدية عرسال ولجانِ المصالحة في مخيّمات النزوح السوري ترتيباتٍ جديدة بفتح جداولِ الأسماء لتأمين عودتهم، على أن تسلكَ القافلة تحت حماية الجيش اللبناني وإشرافِ الصليب الاحمر اللبناني نفسَ الطريق من نقطة التجمّع في وادي حميد باتّجاه جرود عرسال ومعبَر الزمراني على الحدود اللبنانية السورية.

موفد إيراني في بيروت
على صعيدٍ آخر، كشَفت مصادر دبلوماسية لـ«الجمهورية» عن زيارة موفدٍ إيراني بيروتَ مطلعَ الأسبوع المقبل، ناقلاً رسالةً إلى رئيس الجمهورية تتناول آخِر التطوّرات في المنطقة والحراكَ الديبلوماسي الإيراني في المحافل الدولية بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني.


وعُلِم أنّ الموفد هو المستشار الرئاسي حسين جابري الأنصاري الذي سيلتقي، الى رئيس الجمهورية، كلّاً من بري والحريري.