من يتابع بدقة شريط المباراة بين فرنسا والأوروغواي في الدور ربع النهائي لكأس العالم في روسيا (2-1)، يمكنه أن يرى بوضوح أين يتواجد ابن السابعة والعشرين. الجواب؟ في كل مكان. كان لاعب تشلسي الإنكليزي كابوسا لمهاجم الأوروغواي لويس سواريز، وظلا طارده في مختلف أنحاء الملعب ليقطع عنه الكرات.
أمام بلجيكا في نصف النهائي الثلاثاء، سيعول فريق المدرب ديدييه ديشان مرة جديدة على اللاعب السريع القصير القامة (1,68 م)، لوقف المد الهجومي الخطر للثلاثي كيفن دي بروين، إدين هازار ورومليو لوكاكو.
اللعب أسهل بوجوده
بالنسبة إلى رئيس الاتحاد الفرنسي للعبة نويل لو غريت، الأداء الذي يقدمه اللاعب هو أقرب إلى "معجزة".
حضوره يطغى على أرض الملعب إلى درجة أن زميله في المنتخب وتشلسي المهاجم أوليفييه جيرو، قال إن بوجوده "نلعب بـ 12 لاعبا". زميله الآخر بول بوغبا يقول إن كرة القدم "تصبح أسهل بكثير بوجود لاعبين مثله".
بات كانتي بمثابة تميمة الحظ السعيد للمنتخب. بعد كل مباراة تنتهي بالفوز، تنتشر صورة ابتسامته العريضة على مواقع التواصل الاجتماعي. ما يزيد من شعبيته أيضا في أوساط المشجعين، هو الاختلاف الجذري بين شخصيته وشخصية نجوم اللعبة حاليا: متواضع، كتوم، غير متبجح...
قال عنه الكاتب في صحيفة "ديلي ميل" إيان هربرت إن "كيليان مبابي (النجم الشاب لخط الهجوم) هو الفتى الذي تعلق صوره على الملصقات، لكن نغولو كانتي هو من يتواجد في قلوب الفرنسيين".
هو من اللاعبين الذين يدرج اسمهم بشكل تلقائي في التشكيلة الأساسية. منذ بداية المونديال، تشير الإحصاءات إلى انه انتزع الكرة من أقدام اللاعبين 40 مرة، وهو الرقم الأعلى بين كل المنتخبات.
يتصدر أيضا عدد التمريرات المقطوعة مع 17.
في مباراة ثمن النهائي ضد الأرجنتين، كان كانتي أقرب إلى سد منيع في مواجهة ليونيل ميسي، وحد من تحركاته في نصف الملعب الفرنسي بشكل كبير، على رغم أن تركيزه عليه - برفقة زميله بليز ماتويدي - ترك مجالا أوسع للأرجنتيني انخل دي ماريا، وأتاح له تسجيل هدف دون رقابة.
ضد الأوروغواي، مارس كانتي أيضا هوايته المفضلة بقطع الرابط بين لاعبيها ومهاجمهم سواريز الذي نادرا ما وصلته الكرة في المنطقة الفرنسية.
في 29 مباراة دولية، عول المنتخب على حس التوقع المذهل الذي يتمتع به. ردا على سؤال، قال لو غريت رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم إن كانتي "يتوقع طوال الوقت. يشتم اللعبة. تكون الكرة على وشك الوصول إلى نقطة ما، ويكون هو قد سبقها اليها".
ويشير الدولي الفرنسي السابق بيار ريبيليني إلى أن دور كانتي "هائل في عملية استعادة الكرة. منذ بداية كأس العالم، هو الأول" في هذا المحال.
يدرك كانتي التحدي المقبل بالنسبة إليه: الهجوم البلجيكي الكاسح بقيادة هازار زميله في تشلسي، ولوكاكو غريمه في مانشستر يونايتد، إضافة إلى دي بروين الذي يعرفه جيدا من مواجهته لناديه مانشستر سيتي. مع 14 هدفا في خمس مباريات، سيكون إيقاف ماكينة الأهداف البلجيكية صعبا.
"الشياطين" في مواجهة "الجرذ"
يضم الهجوم البلجيكي أيضا لاعبا لا يقل شأنا هو درايس مرتنز. أبقاه المدرب الإسباني للمنتخب روبرتو مارتينيز خارج تشكيلته الأساسية ضد البرازيل في ربع النهائي، لحاجته إلى إجراء تعديلات تكتيكية لضبط القدرات الهجومية البرازيلية. لكن قد يعود إلى مباراة فرنسا في نصف النهائي، ما سيفرض تحديات إضافية على كانتي.
حتى في غياب مرتنز، لكل من ثلاثي هجوم "الشياطين الحمر" مهمة محددة: هازار على الجناح الأيسر يعمل على زعزعة استقرار المدافعين، لوكاكو ذو البنية الجسدية الضخمة يتولى مهام إنهاء الهجمات والتسجيل، أو حتى كسب المواجهات الثنائية مع مدافعين أصغر حجما منه، ودي بروين هو أقرب الى قائد أوركسترا قادر على صنع الفارق من خلال تمريرة ذكية أو تسديدة قوية، كالهدف الثاني الذي سجله ضد البرازيل.
الأخطر أيضا أن ثلاثي الجيل الذهبي البلجيكي لا يلتزم دائما بما هو مدوّن على ورق التشكيلة. لديهم حرية حركة تربك المدافعين أحيانا أكثر، ما قد يفرض تحديا إضافيا على كانتي لضبط النسق الهجومي لبلجيكا.
لا يتوقع أن يشكل الضغط الهجومي المتزايد مشكلة لكانتي. الجميع يدرك قدرة أفضل لاعب في الدوري الإنكليزي 2017 على تغطية المساحات، ما أعاد التذكير بفرنسي آخر أدى هذا الدور بشكل مثالي: كلود ماكيليلي.
رفض ماكيليلي في تصريحات سابقة المقارنة بينه وبين كانتي، قائلا انه يرغب في أن يكون الأخير "أفضل مني".
لا تقتصر الاشادات به على الفرنسيين. النجم السابق لإنكلترا والمعلق التلفزيوني حاليا غاري لينيكر قال في تصريحات سابقة "71 بالمئة من الكرة الأرضية مغطاة بالمياه. الـ 29 بالمئة المتبقية يغطيها نغولو كانتي".
إلا أن التعليق الذي لا بد وان يعود إلى الأذهان يوم الثلاثاء، هو ما قاله هازار عنه في تصريحات للقناة التلفزيونية لناديهما تشلسي في 2016: كانتي "مثل الجرذ، يذهب إلى كل مكان".