توقفت قروض الإسكان مطلع الأسبوع الجاري، رسمياً، بعد تعثرٍ دام لأشهر. وقُرعت مع هذا التوقف المتوقّع طبول حربٍ اجتماعية عقارية، ليبدأ بعدها التهويل الإعلامي الذي هلّل لأزمةٍ تجاوزت تعليق عقود الزواج وانتهاء حلم الشاب اللبناني بتملُّك شقة في بلده، ووصلت حدّ المفاضلة بين القروض السكنية واستقرار الليرة.
لا، ليست الأمور كما رسمها الإعلام اللبناني، وكما أراد لها المسؤولون أن تكون، فلا مشكلة اقتصادية في القروض السكنية، بل أزمة مفتعلة لخلق خضة اجتماعية في البلد، هدفها ضرب المجتمع من الداخل وتفريغه من شبابه.
بالأرقام، يؤكد الخبير في اقتصاد البناء وصاحب شركة (Hayek Group) المهندس عبداللّه حايك في حديثه لـ"ليبانون ديبايت" نظرية الأزمة المفتعلة في قروض الإسكان.
في السنوات الأربع الأخيرة، بلغ معدل قروض الإسكان 5000 قرض تقريباً، وفي العام 2017، وصلت القروض إلى 6000 من خلال المؤسسة العامة للإسكان ومصرف الإسكان والمصارف.
لدى مصرف لبنان ودائع بـ117 مليار دولار، واحتياطي بالعملات الأجنبية يوازي 43 مليار دولار، عدا عن احتياطي الذهب 11 مليار دولار، والمصارف لديها ودائع بـ172 مليار دولار، أي ما يشكل كتلة نقدية كبيرة. علماً أن قيمة الدعم التي يتكبّدها مصرف لبنان على القروض السكنية سنوياً لا تتجاوز 33 مليون دولار، وهو المبلغ الذي تستطيع الدولة أو مصرف لبنان أو المصارف عامة تغطيته بسهولة كونها لديها إمكانيات الدعم المطلوبة بحسب الأرقام السابقة الذِكر.
ويؤكد حايك أن القروض السكنية هي من أكثر القروض ربحاً للدولة اللبنانية، لا سيما أن نسبة القروض المتعثرة منها هي أقل من 1 %، إذ إن 5000 شقة سنويا تقدم مردود للدولة (10% TVA) ما نسبته 70 مليون دولار، و45 مليون دولار رسوم جمركية.
وبعملية حسابية بسيطة، تستوفي الدولة 115 مليون دولار من قيمة بناء 5000 شقة سكنية، وإذا دعمت القروض السكنية بمبلغ قدره 33 مليون دولار يبقى ربحها الصافي 82 مليون دولار.
يبلغ معدل عقود الزواج في لبنان منذ آخر 10 سنوات حتى اليوم 39 ألف سنويا، ما يقارب 20 ألف من المتزوجين بحاجة لشقق سكنية، والدولة تدعم 5000 منها ما يعني أنها لا زالت مقصّرة بحق 15 ألف وحدة سكنية، وهو العدد الذي له أن يُدخل للدولة ربحاً يوازي 246 مليون دولار سنوياً.
والمستغرب أن الدولة تعمد اليوم، بدلاً من اعتماد سياسة إسكانية لاستقطاب 15 ألف وحدة سكنية محرومة من القروض السكنية، إلى حرمان 5000 شقة مستفيدة من القروض السكنية، وبالتالي حرمان الخزينة من ربح 246 مليون دولار سنويا.
يرفض حايك التهويل الإعلامي الذي تزامن مع أزمة القروض السكنية المفتعلة، ويطمئن اللبنانيين بأنه لا بدّ من عودة القروض السكنية للعمل، إذ سيقوم مصرف لبنان بتقديم رزمة مالية بـ500 مليون ليرة لبنانية في شباط 2019. وحتى ذلك الوقت يمكن للمقدمين على الزواج اعتماد حلول أخرى مؤقتة، منها الاستئجار، وهناك ما يسمى بقانون الإيجار التملكي الذي أقرّ العام 2006، والذي يسمح للبناني أن يستأجر على فترة معينة وإذا قرر الشراء لاحقاً يتم خصم الايجار الذي دفعه سابقاً، وهو حل يمكن اعتماده بين المستأجر والمؤجر ريثما تعود القروض السكنية للعمل.
يضع "ليبانون ديبايت" هذه الأرقام برسم المعنيين، ويطالبهم بإنهاء مسرحية أزمة القروض السكنية. وإلى حين استئناف دعم القروض السكنية يبقى السؤال الأهم من أوعز للمسؤولين وقف دعم القروض السكنية؟