دخلت الترتيبات المجلسية في سباق مع التأليف الحكومي، وبالتزامن يترأس الرئيس نبيه برّي الاثنين مكتب المجلس، لوضع جدول أعمال جلسة الثلاثاء 17 الجاري والمخصصة لانتخاب رؤساء اللجان واللجان النيابية، مع الأخذ في نظر الاعتبار، الشخصيات النيابية أو غير النيابية المرشحة للاستيزار، أو لدخول الوزارة برضى كتلها واحزابها..
على ان الأهم، عشية توجه الرئيس المكلف إلى بعبدا اليوم، لمراجعة حصيلة مشاورات الأيام الثلاثة الماضية، الاجتماعين اللذين عقدهما الرئيس المكلف مع كل من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وما أعلن على لسان كل منهما في ما خص التيار الوطني الحر، ورئيسه، الذي اتهمه جنبلاط بالسعي إلى تدمير الاقتصاد، رافضاً التصريحات العشوائية والهجوم على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط، واصفاً ما يحصل بـ«الحملات الثأرية ضد المؤسسات الناجحة».. في حين أكّد جعجع ان لا حكومة بلا «قوات» وأن الرئيس المكلف لن يعتذر «وهذا رهان خاسر»، مشيراً إلى أن العمل اليوم «هو كيفية العمل لإنشاء حكومة بأسرع وقت ممكن»، مؤكداً انهم مستعدون للتنازل لأجل تشكيلها ضمن حدود إمكاناتهم.
وعلمت «اللواء» ان الاتجاه لدى «القوات» للتنازل عن عدد الوزراء الذين تطالب بتمثيلها بهم في الحكومة..
العقدة المسيحية
واكدت معطيات المتابعين لمساعي واتصالات تشكيل الحكومة ان العقدة الابرز وربما الاصعب وقدتكون الوحيدة فعليا امام تشكيل الحكومة هي عقدة التمثيل المسيحي في ظل الخلاف المستحكم بين «التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية» حول حجم تمثيل كل منهما، وبخاصة ما تردد عن ان مطلب «التيار» بحصة من سبعة وزراء عدا حصة رئيس الجمهورية، ومطلب «القوات» بحصة من خمسة وزراء بمن فيهم نائب رئيس الحكومة، فيما يسعى البطريرك الماروني بشارة الراعي لجمع الطرفين في الديمان لمعالجة الخلافات القائمة بينهما. 
وقد ألمح الرئيس بري امس امام نواب «لقاء الاربعاء» الى ان العقدة المسيحية هي التي تؤخر التشكيل ولم يأتِ على ذكر العقدتين السنية والدرزية، وحث الرئيس المكلف على بذل المزيد من الجهد في هذا الاطار. 
 وقالت مصادر مطلعة على تحرك الرئيس المكلف انه لن يقدم اي صيغة جديدة لتشكيل الحكومة قبل انهاء مساعيه لمعالجة الخلاف بين «التيارالحر والقوات اللبنانية»، وسيتفرغ لاحقا لمعالجة مسألتي التمثيل الدرزي، وتمثيل السنة من خارج «تيار المستقبل»، لكن عبر اعطاء سني من حصة رئيس الجمهورية، مقابل اعطاء الرئيس الحريري وزيراً مسيحياً، وان كان ليس بالضرورة ان يمنح الرئيس عون حصته السنية لطرف سياسي أخر ولوكان من تجمع النواب السنّة المستقلين، كما ان اي طرف اخر لن يتنازل عن مقعد وزاري لمصلحة الاخرين، فيما مسألة تمثيل الدروز لازالت قيد المعالجة مع تأييد الرئيس الحريري لأن تكون حصة الدروزمن تكتل اللقاء الديموقراطي والحزب التقدمي.
جنبلاط
وأكد هذا المنحى رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط بعد زيارته الرئيس الحريري في «بيت الوسط» في إطار المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف لإخراج ملف تشكيل الحكومة من عنق الزجاجة، إذ أكّد ان أحداً لم يطلب منه تنازلات في ما يتعلق بالحصة الدرزية، لكنه كشف ان الرئيس ميشال عون طلب منه حينما زاره في بعبدا قبل أسبوع، إمكانية تغيير الموازين بهذه الحصة، وانه أجابه بأنه لا يستطيع، مضيفاً بأنه «كانت في الماضي تسويات لكن الآن لا استطيع ان أقيم تسويات».
ونفى جنبلاط ان يكون في وارد إقامة خنادق في الوقت الحاضر، من خلال حلف يجمعه مع الرئيسين برّي والحريري و«القوات اللبنانية»، في مواجهة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، وقال ان «الهدف الأساسي للرؤساء الثلاثة هو تشكيل الحكومة، ونحن جاهزون للمساعدة».
على ان اللافت في التصريحات التي أدلى بها جنبلاط من «بيت الوسط» هو هجومه على الوزير باسيل عشية افتتاحه اليوم اللجنة المركزية للمهجرين في مركز التيار في سن الفيل، لا سيما عندما قال: «حبذا لو ان الوزير باسيل يكتفي بالخارجية ولا يتعاطى بالاقتصاد حتى لا يدمره بطريقته، يكون ذلك أفضل».
وكان رئيس الحزب الاشتراكي استهل تصريحاته هازئاً من كلام باسيل بأن الاقتصاد اللبناني معرض للانهيار بسبب اللاجئين، واصفاً ذلك بأنه «مرض خطير ان يتلاعب المرء بعواطف النّاس، وان تقام حلقات تلفزيونية أو اذاعية للتهجم على الاقتصاد اللبناني والتبشير بأنه على باب الانهيار، الا انه استدرك بأن هذا لا يعني ان الحكومة والمجلس النيابي معفيان من القيام بالخطوات الضرورية من أجل تحسين الاقتصاد وخلق فرص عمل، لكنه لاحظ وجود حملات ثأرية ضد المؤسسات الناجحة مثل البنك المركزي وشركة طيران الشرق الأوسط، متهماً بعض الجهات في الحكم بأنها تريد تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
 
والأمر نفسه يسري على رئيس طيران الشرق الأوسط محمّد الحوت.
وجعجع في «بيت الوسط»
وتوقعت المصادر المتابعة الا يتقدّم الرئيس الحريري الآن بصيغة جديدة أو معالجة أي عقدة أخرى، قبل معرفة اتجاهات «القوات والتيار الحر» للتلاقي ومعالجة خلافاتهما، ولو برعاية بكركي من دون إغفال جهده الخاص في هذا المجال.
غير ان رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، غمز بعد زيارته لبيت الوسط في إطار مشاورات الرئيس المكلف، من قناة التيار العوني عندما قال ان بعض الفرقاء السياسيين أو قسماً منهم «لا يُساعد ولا يتعاون في مسألة تشكيل الحكومة، على الرغم من ان كلا من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لديهما كل النية لتشكيل حكومة بأسرع وقت».
وزاد جعجع على هذا الغمز واللمز، لافتا النظر إلى انه «اذا كان هذا البعض يراهن على اعتذار الرئيس المكلف، فإن رهانه خاسر، وهو احتمال غير موجود ومثله ان يُشكّل الرئيس المكلف حكومة غير مقتنع بها، فهو احتمال غير موجود ايضا، وخلص من هاتين الفرضيتين إلى التمني على كل الفرقاء السياسيين التعاون مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لكي تشكّل حكومة بأسرع وقت». لكنه استدرك قائلاً: «بأن هذا لا يعني ان تكون حكومة عوجاء أو غير متوازنة أو لا تعطي الصورة المطلوبة عن لبنان، في إشارة واضحة إلى وجوب تمثيل «القوات» فيها، رافضا الكشف عن هذا السياق عن محصلة النقاش حول الحصص، مكتفيا بأن «كل شيء لدى الرئيس المكلف» الا انه ألمح إلى استعداده لتقديم تنازلات «ضمن حدود الامكانيات».
وبالنسبة لتفاهم معراب، أصرّ جعجع على القول بأن هذا الاتفاق لم يسقط، وان كان قد كشف، معتبرا ان لا شيء يخلصنا في الوقت الحاضر الا إيجاد أرض مشتركة لكي نتمكن من التفاهم مع بعضنا على التفاهم، لكنه لاحظ انه إذا كان كل فريق سيتمترس مكانه فلن نصل إلى مكان»، نافيا ان يكون موقع رئاسة الجمهورية من ضمن مفاعيل هذا التفاهم، لأنه خارج هذا التصور وكل هذا البحث، مشيرا إلى ان البحث يتركز فقط على كيفية العمل لتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن.
إلى نقطة الصفر
إلى ذلك، لاحظت مصادر وزارية التقت الرئيس الحريري أمس ان المشاورات العلنية وغير العلنية التي يجريها الرئيس المكملف، أظهرت ان ملف تشكيل الحكومة عاد إلى المربع الأوّل، لتبدأ المشاورات بالتالي من نقطة الصفر، متوقعة ان لا تكون الولادة الحكومية قريبة جدا، لأنها بحسب تعبير هذه المصادر تحتاج إلى وقت، إذ يجب ان تعم التهدئة السياسية اولا بين كافة الأطراف، وبعد ذلك تتركز المشاورات حول الحصص الوزارية لكل فريق، ومن ثم يتم البحث في موضوع توزيع الحقائب الذي لا يعتبر من الأمور السهلة ايضا، وبعدها توضع الأسماء، وكل هذه الخطوات تحتاج إلى وقت، خصوصا وان لا تقدّم حصل على أي من هذه النقاط، باستثناء ما لوحظ مؤخرا من وقف بعض السجالات، وان كانت عادت ليلا، من خلال ردّ وزراء «التيار الوطني الحر» على تصريحات جنبلاط في «بيت الوسط»، على غرار ما حصل قبل يومين، إذ غرد وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل عبر حسابه على موقع «تويتر» قائلاً: «من يعرقل تشكيل الحكومة هو من يطالب بما ليس من حقه، لم يمض شهران على الانتخابات فوقوا وتذكروا احجامكم»، فيما سأل وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري في تغريدة على موقع «تويتر» جنبلاط قائلا: «ما عم افهم يا بيك ليش مصر على مليون ونصف مليون نازح سوري يغرقوا اقتصادنا؟ أي بلد في العالم 44 في المائة من سكانه نازحين وواقف على رجليه؟ ارجع للبنانيتك يا بيك».
ويتوقع ان يرد باسيل شخصيا على جنبلاط في احتفال إطلاق لجنة المهجرين.
الأربعاء النيابي
وسط هذه الأجواء، عاود الرئيس برّي عقد لقاءاته مع النواب في إطار «لقاء الاربعاء» للمرة الأولى بعد الانتخابات، غاب عنه نواب تكتل لبنان القوي، فيما حضره للمرة الأولى عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب زياد حواط، بصفته ممثلا عن القوات اللبنانية.
وأكّد الرئيس برّي خلال اللقاء، بحسب ما نقل عنه النواب، على وجوب الإسراع في تشكيل الحكومة وعدم الاستمرار بالمراوحة والجمود في ظل هذه الأوضاع الدقيقة التي تمر بها البلاد.
وقال انه اذا لم يحصل تطوّر إيجابي في شأن تشكيل الحكومة فإنه سيدعو ايضا المجلس إلى جلسة عامة للتشاور في الوضع العام في البلاد، مشدداً مرّة أخرى على ضرورة التصدّي للأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وانه يعول على المجلس الحالي لتنشيط وتعزيز عمله ودوره التشريعي والرقابي.
وفي هذا السياق وجه الرئيس برّي دعوة للمجلس لعقد جلسة تعقد قبل ظهر الثلاثاء المقبل لانتخاب أعضاء اللجان والرؤساء والمقررين.
وقالت مصادر نيابية مقربة من الرئيس بري « انه كان يفضل أن يتم  تحديد الجلسة بعد تشكيل الحكومة. أما وقد طال التأليف، فإنه إضطر إلى تحديد الجلسة، والاجدى ان يقوم المجلس بدوره وعلى هذا الأساس بدأت الإتصالات واللقاءات النيابية لجوجلة التوزيعات النيابية  والتي يسعى الرئيس بري والقوى السياسية الى الإبقاء على تركيبة مشابهة بالحد الاقصى للتركيبة  السابقة للإحزاب والطوائف، حفاظا على الإستمرارية في التشريع، والتي ستتبلور في اجتماع هيئة مكتب المجلس ظهر الاثنين في عين التينة، علما ان لقاءات نيابية ستعقد اليوم وغدا على اكثر من محطة، بهدف تقديم الصيغة النهائية الى الهيئة العامة بالنسبة للترشيحات للعضوية، اما الرؤساء والمقررين فهي تخضع لتوازنات محسومة سلفا.