نقلَ بعض الذين التقوا الحريري عنه «استياءه الشديد مما آلت اليه شؤون التأليف، بعدما ظنّ أنّ إجازته الاخيرة، معطوفةً على إجازة مجموعة من السياسيين، ستساعد على تهدئة النفوس لينطلق مجدداً بعد عودته الى مشاورات جدّية تؤدي الى ولادة الحكومة بعد التوصّل الى تسويات مع الأفرقاء المعنيين الى حلّ للعقد. لكنّه تفاجأ بارتفاع منسوب الشحن وازدياد التوتّر، ما اعتبره إضاعةً للوقت، لأنه بدلاً من أن يدخل مباشرةً في حلّ هذه العقد سيستنفذ وقتاً إضافياً لتهدئة الأجواء».
بعبدا
في غضون ذلك ما زالت دوائر القصر الجمهوري تنتظر نهاية جولة المشاورات الجديدة التي يجريها الحريري وسيناقش نتائجَها مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وإذ تردَّد أنّ الحريري سيزور عون اليوم قالت دوائر بعبدا لـ«الجمهورية» أن «لا موعد محدّداً بعد، واللقاء يمكن ان ينعقد في أيّ وقت».
الحريري ـ جنبلاط
وكان الرئيس المكلّف قد كثّف مشاوراته في محاولةٍ لتذليل العقدتين الدرزية والمسيحية، ولهذه الغاية التقى مساء امس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط يرافقه النائب وائل أبو فاعور وفي حضور الوزير غطاس خوري والنائب السابق باسم السبع.
وأوضح جنبلاط أنه تحدّث والحريري عن حقّ الحزب السياسي والشعبي في التمثيل. واعتبَر انّ الحريري يقوم بكلّ جهد للتوصل الى الصيغة المناسبة في ما يتعلق بتشكيل الحكومة، ولفت الى أنّ رئيس الجمهورية طلب إمكانية تغيير الموازين في ما يتعلق بالحصة الدرزية «ومع الأسف فإنّ القانون السيّئ جعلني أتحدّث فقط درزياً، فقلتُ له إسمح لي فخامة الرئيس، هذه المرة لا أستطيع، في الماضي كانت هناك تسويات، الآن لا أستطيع أن أقيمَ تسويات».
ورأى جنبلاط أن «ليس هناك بلد في العالم يتنطّح فيه مسؤول ويقول إنّه معرّض للانهيار الاقتصادي، نتيجة وجود اللاجئين على أراضيه، وهذا أمر خطير أن نتلاعب بعواطف الناس والتبشير بأنّ الاقتصاد على باب الخطر». ونصَح جنبلاط وزيرَ الخارجية جبران باسيل بأن «يكتفي بالخارجية ولا يتعاطى بالاقتصاد ولا يدمّر الاقتصاد بطريقته، يكون ذلك أفضل».
الحريري ـ جعجع
كذلك التقى الحريري رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والوزير ملحم رياشي، في حضور خوري والسبع. واعتبر جعجع انّ لدى عون والحريري «النية الكلّية لتأليف حكومة سريعاً، لكنّ بعض الفرقاء السياسيين أو قِسماً منهم لا يساعد ولا يكون متعاونا». وقال: «إذا كان البعض يراهن على أن يعتذر الرئيس المكلف في وقتٍ من الأوقات يكون رهانه خاسراً سلفاً». وأضاف: «إذا كان البعض يراهن أن يؤلف الرئيس المكلف حكومة غير مقتنع بها، فإنّ هذا الاحتمال غير موجود أيضاً. وبالتالي كلّ العمل يجب أن يكون بين هذين الاحتمالين: بالتأكيد لا إعتذار، ولا إمكانية لتأليف حكومة لا يكون الرئيس المكلف مقتنعاً بها شخصياً». وتمنّى على الجميع «أن يتعاونوا مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لكي نؤلّف حكومة في أسرع وقت ممكن». وأكّد «أنّ «القوات» تنازلت من ضِمن حدود إمكانياتها، بهدف تشكيل الحكومة». واعتبر «أنّ اتّفاق معراب لم يسقط»، مؤكداً العملَ على «توسيع مروحة التفاهمات».
«القوات»
وكانت مصادر «القوات» قد قالت لـ«الجمهورية» إنّ الحريري «يضع كلّ جهده من أجل تأليف الحكومة العتيدة، وهو ليس مسؤولاً عن العقد الموجودة، بل يعمل على معالجتها وفكفكتِها، وكان قد بادرَ الى الطلب من المعنيين التزامَ التهدئة السياسية تمهيداً لحوار على وقعِ أجواء مساعِدةٍ ومؤاتية». واستغرَبت «الكلام عن سحبِ الثقة من الرئيس المكلف، فعدا عن انّ أصحاب هذا الكلام لا يفقهون في الدستور ونصوصه، فإنّ كلامهم يُدخل البلد في أزمة وطنية وليس أزمة تأليف فقط، ويهدّد بفتنة مذهبية»، ورأت «أنّ كلامهم لا أصداء له في الداخل، لأنّ القوى الأساسية مع الاستقرار السياسي لا المغامرات السياسية».
ودعت المصادر «إلى سحب كلّ الكلام عن الصلاحيات وغيره، لأنّ النصوص واضحة، والأزمة ليست أزمة صلاحيات أيضاً، والرئيس المكلف يقوم بدوره على أكمل وجه، ويَحظى بإجماع داخلي وغطاء عربي وغربي». كذلك دعت القوى السياسية إلى التعاون مع الحريري «في اعتبارها معنيةً أيضاً بتسريع التأليف لكي تتفرغ الحكومة الجديدة لمواجهة التحدّيات على أكثر من مستوى وصعيد».
برّي
في هذا الوقت، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة لانتخاب اللجان النيابية الثلثاء المقبل، وقال خلال «لقاء الاربعاء النيابي» أمس إنه إذا لم يحصل تطوّر إيجابي في شأن تأليف الحكومة فإنه سيدعو ايضاً المجلسَ الى جلسة عامة للتشاور في الوضع العام في البلاد. وكرّر دعوته الى وجوب «الإسراع في التأليف وعدمِ الاستمرار في المراوحة والجمود».
تجدر الاشارة الى أنّ «لقاء الاربعاء النيابي» استؤنف أمس للمرّة الاولى بعد انتخاب المجلس النيابي الجديد. وفيما كان الغياب العوني عنه لافتاً، لوحِظت المشاركة «القواتيّة» فيه عبر النائب زياد الحواط. وأوضَحت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انّ الهدف من هذه المشاركة «هو تأكيد متانة العلاقة الشخصية مع الرئيس بري، ورسالة تقدير من «القوات» لدوره، وأنّ عدم انتخاب نواب «القوات» له، لم ولن يفسد في الودّ قضية، وهذا ما كانت قد أعلنته «القوات» وشدّدت عليه»، وكشفَت انّ مشاركة الحواط أمس في «لقاء الاربعاء» النيابي «لن يكون استثناءً بل قاعدة مستمرّة للتشاور والتواصل مع الرئيس بري».
«التيار» ـ «القوات»
إلى ذلك، وفيما تراجعت حدّة الاشتباك السياسي بين «التيار الوطني الحر» و«القوات»، يستضيف البطريرك الماروني الكاردينال ما بشارة بطرس الراعي في الديمان اليوم عرّابَي «تفاهم معراب»، أمين سر تكتّل «لبنان القوي» النائب ابراهيم كنعان والوزير رياشي، وذلك في لقاء ينعقد على وقع التراشقِ بسهام الاتهام بين «التيار» و«القوات».
وأوضَحت مصادر «التيار» لـ«الجمهورية»: «أنّ لقاء الديمان اليوم يُتوقّع أن يَبعث رسالةً واضحة إلى مَن يعنيه الأمر، مفادُها أنّ المصالحة المسيحية خطٌ أحمر، مهما كانت التبايناتُ السياسية، وأن لا عودة الى الوراء في ما تمّ تحقيقه حتى الآن، خصوصاً بعدما اصبح الحضور المسيحي في النظام وازناً، والمطلوب أن يتحوّل فاعلاً ومؤثّراً من خلال آلية تعاون تأخذ في الاعتبار مصلحة الطرفين».
مجموعة الدعم
من جهة ثانية، أملت «المجموعة الدولية لدعم لبنان» في أن يتمّ قريباً تأليف «حكومة وحدة وطنية شاملة ومتوازنة لتُمكّن لبنان من متابعة الاصلاحات المطلوبة». وشجّعت على أن تؤخَذ المبادئ الدولية غير الرسمية التي حدّدتها المذكّرة التي كانت قدّمتها الى رئيس الجمهورية الشهر الفائت، والى الرئيس المكلف امس، تماشياً مع البيان الصادر عن اجتماعها الوزاري في 8 كانون الاوّل 2017 ومع الوثائق الختامية لمؤتمرات روما وباريس وبروكسل وقرارات مجلس الامن الدولي، في الاعتبار عندما تُعِدّ الحكومة المقبلة بيانَها الوزاري.
إحتجاج يمني
إقليمياً، وفي أوّل تحرّكٍ يمني مفاجئ ضدّ «حزب الله»، بعث وزير الخارجية اليمني خالد اليماني رسالة احتجاج شديدة اللهجة إلى نظيره اللبناني جبران باسيل على خلفية «تورّطِ» الحزب المتزايد في دعمِ الحوثيين، داعياً الحكومة اللبنانية «إلى كبحِ جماح الميليشيات الموالية لإيران وسلوكها العدواني، تماشياً مع سياسة النأي بالنفس». وشدّد على «حقّ بلاده في طرح هذه المسألة في المحافل العربية والدولية»، مبدياً استياءَه من تصريحات الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، واعتبَر «أنّ تحريضه على قتال قوات الشرعية تدخّل سافر في شؤون اليمن».
توازياً، أعلنَ السفير اليمني لدى الأمم المتحدة أحمد عوض بن مبارك أمس أنّ حكومة بلاده أحاطت مجلس الأمن برسالة الخارجية اليمنية الموجّهة إلى باسيل، وقال في حديث متلفز: «لدينا منذ فترة مبكرة كثير من الأدلّة، وكنّا نتحدّث دائماً حول أنشطة «حزب الله» في اليمن، حتى قبل احتلال الحوثيين للعاصمة، كانت هناك عناصر من «حزب الله» محتجَزة في اليمن لقيامها بالإخلال بالأمن الداخلي وبالعمل على فرض أجندة «حزب الله» وإيران داخل اليمن. وبمجرّد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء تمّ إطلاق سراحهم»، وتحدّث عن «حزمة من الأنشطة والأدلّة المتواترة التي أصبحت في يدِ الحكومة اليمنية وآخرُها الخطاب المستفز الذي ألقاه حسن نصرالله منذ أيام، وتحدّث خلاله علناً عن نشاط «حزب الله» في اليمن ودعمِه للانقلاب الحوثي».
واعتبَر «أنّ تورّط الحزب في اليمن يتعارض مع أحد أهمّ مبادئ السياسة الداخلية اللبنانية، وهو مبدأ «النأي بالنفس»، الذي أعتقد أنّه يشكّل أساساً للتوافق الداخلي في لبنان، لذلك كانت الرسالة الموجّهة من وزير الخارجية تؤكّد هذه المسألة». وأوضَح «أنّ الرسالة تمّ توثيقها في أروقة مجلس الأمن وتمّ تسليمها رسمياً لكلّ أعضاء مجلس الأمن».