ولا تزال القلوب الملآنة في «التيار» و«القوات» تفيض بما خفي في مرحلة التعايش القسري، بالتزامن مع مساعي التهدئة التي تتقدّم حيناً وتتراجع حيناً آخر، في استعادة لاتفاقات وقف اطلاق النار والخروق المتكرّرة لها، خلال حقبة الحرب اللبنانية. وقد طغت أولوية التبريد تحت وطأة التصعيد على الحاجة الى مقاربة عميقة لأسباب الخلل الفادح الذي أصاب «تفاهم معراب».
ولئن كانت تجربة الشراكة في الحكم قد أخفقت بين الجانبين، إلّا أنّ مصدراً قيادياً في «التيار الوطني الحر» يؤكّد أنّ المصالحة المسيحية «ثابتة وصامدة» وأنّ المسيحيين لن يعودوا الى ماضي النزاعات الأليمة، «أما الاتفاق السياسي فهو يرتبط بالظروف والوقائع، وسقوطه او تعديله او استمراره لا يجب أن يؤثر على أصل المصالحة».
ويشير المصدر الى انه «كانت لدينا النّية للذهاب بعيداً في التعاون مع «القوات»، حتى ولو تطلّب منا الامر تضحية سياسية، ليس فقط على مستوى الحكومة وانما ايضاً على مستوى التعيينات الادارية، لكن سرعان ما اكتشفنا انه كلما أعطيناهم شيئاً كانوا يحاربوننا به، من مجلس الوزراء الى الادارة، ما دفعنا الى مراجعة حساباتنا».
ويعتبر المصدر الواسع الاطّلاع في «التيار» انّ «القوات» أطلقت النار على نفسها من خلال تسريب نصّ «اتفاق معراب»، لأنه تبيّن أنها لم تدعم وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية انطلاقاً من إقتناع مبدئي، وانما في مقابل مكاسب ومصالح سلطوية، بحيث بدت المقايضة فجّة ونافرة. ويضيف: «نحن كنا نعرف أنّ مندرجات التفاهم تقدّم «القوات» في مظهر مَن يريد أن يقبض ثمن دعم انتخاب الرئيس، ولكن ما حصل الآن هو أنّ الرأي العام المسيحي بات يعرف ايضاً هذه الحقيقة بفضل التسريب «القواتي» الذي أعطى مفاعيل عكسية وقلب السحر على الساحر».
ويؤكد «انّ «التيار» غيرُ محرج من انكشاف مضمون ورقة «تفاهم معراب»، وليس صحيحاً أنّ هذا التفاهم يلغي الآخرين على الساحة المسيحية، إذ إنه يلحظ أنّ كلاً من «التيار» و«القوات» يأخذ على عاتقه تمثيل حلفائه من ضمن حصته، علماً أنّ سمير جعجع لم يكن موافقاً على هذا الطرح وحاول الدفع في اتّجاه حصر التمثيل الوزاري بالجانبين فقط، لكن نحن الذين أصررنا على ضرورة مراعاة الجهات الاخرى».
ويلفت المصدر القيادي الى «أنّ «التيار» كان حريصاً على التطبيق الدقيق لاتّفاق معراب لأنه صاحب مصلحة اساسية في إنجاح العهد ودعمه، بناءً على ما تضمّنه الجوهر السياسي للاتّفاق، بينما ذهبت «القوات» في الاتّجاه المعاكس وتآمرت مع الخارج على العهد خصوصاً بعد استقالة الرئيس سعد الحريري وتورّط معراب في محاولة استبداله ببهاء الحريري، وهنا يكمن اصل المشكلة التي يسعون الى التهرّب منها من خلال التركيز على التعثر في تطبيق آلية تنفيذية تتعلق بطريقة توزيع المقاعد الوزارية أو التعيينات الإدارية».
ويكشف المصدر عن أنّ عون و«التيار» حاولا حتى آخر جلسة حكومية، على سبيل المثال، تقديم كل التسهيلات الممكنة لتعيين رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان ومديرة الوكالة الوطنية للاعلام في إطار مرونة متبادلة بين «التيار» و«القوات»، إلّا أنه عندما حان أوان التنفيذ، «عطّل جعجع مشروع الاتفاق الذي تمّ مع وزير الاعلام ملحم رياشي، وطلب في مقابل الوكالة الوطنية منحَه موقعاً أدسم بكثير وهو المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان»، مشيراً الى «أن لدى جعجع شهية مفتوحة يصعب التجاوب معها».
ويعتبر المصدر أن «ليست لدى «القوات» نيّة صادقة وحقيقية للالتزام بالأساس السياسي لتفاهم معراب والمتعلق بالتعاون لإنجاح العهد ومشروع بناء الدولة، ما يعني أنّ التفاهم فقد وظيفته وقيمته وهذه ليست آخر الدنيا»، لافتاً الى «أنّ تمثيل «القوات» في الحكومة الجديدة لم يعد يخضع، اقله في الوقت الحاضر، لمعايير «اتفاق معراب» بل هو بات يرتبط بمشاورات الرئيس المكلف ونحن لا علاقة لنا بالامر علماً أننا لن نعارض حصول معراب على أكثر من ثلاثة وزراء، «شرط ما يقربوا صوبنا، لأننا لن نعطي «القوات» ايَّ مقعد من كيسنا».
ويرى المصدر «انّ «القوات» تحوّلت في الواقع معارضة من داخل السلطة، «ولو لم تكن هناك حاجة الى حكومة وحدة وطنية في هذه المرحلة لكان من الافضل أن تبقى خارج السلطة انسجاماً مع سياساتها، وبالتالي أن تتموضع في صف المعارضة الصريحة حيث موقعها الطبيعي قياساً الى سلوكها حيال العهد حتى الآن، بدلاً من أن تعتمد مناورة الدخول الى الحكم باسم مساندة العهد ثمّ تصبح من أشرس المصوِّبين عليه وعلى تياره».