منذ أيام يضج لبنان بفضيحة الكترونية جديدة. لم تعد تفاصيل القضايا في لبنان ذات أهمية. في هذه التفاصيل، تكمن شياطين كثيرة. أصبح في الامكان الاستناد إلى عناوين معّينة، لقراءة المضمون. لا تتفجر فضيحة ولا تظهر إلى العلن إلا بعد خلاف بين القوى السياسية. من ملف البواخر التركية والكهرباء، إلى ملف اللاجئين السوريين، وملفات الاتصالات الكثيرة. الفضيحة الالكترونية الأخيرة، التي تشير المعلومات إلى أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أوقف فيها عدداً من الأشخاص بتهمة قرصة مواقع وحسابات لشركات كبرى ومصارف، ليست وليدة لحظتها. هي نتاج صراع على أوجيرو وفيها، وعلى وزارة الاتصالات وما حولها، وما يمكن أن يتحول في شركات الاتصالات في لبنان.
لا يمكن الدخول إلى ملفات القرصنة والاحتيال الالكتروني، بدون الرجوع إلى اللحظة الأولى. لحظة التسوية الرئاسية، ومضامينها التي التقت على عنوان واحد وهو وجوب إقالة عبد المنعم يوسف من منصبه. اتهامات كثيرة وجهت إلى يوسف بدون أدنى دليل. أثبت القضاء فيما بعد براءة الرجل ومنع المحاكمة عنه، ليتبين أن عملية إقصاء يوسف كانت نتاج مؤامرة بعد محاولات عديدة لتطويعه ودفعه إلى السير في مشروع لم يوافق عليه. بعض الذين هاجموا يوسف في فترة ما قبل التسوية عادوا وندموا لما فعلوه نتيجة ما حصل في قطاع الاتصالات في لبنان. قضية الفبركات التي حصلت من قبل مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، التي طاولت الممثل زياد عيتاني، لم تكن بريئة أو منفصلة. عيتاني كان تفصيلاً، وسط حجم الفبكرات والقرصنات التي تعرّض لها كثيرون من المواقع وحساباتمؤسسات رسمية ووزارات وشركات كبرى، بغية الابتزاز.
القصة أبعد من ذلك، تعود إلى فترة فضيحة الإنترنت غير الشرعي وغوغل كاش، وفيها أيضاً اتهم عبد المنعم يوسف بأنه أحد أبرز الضالعين بهذا المجال الخارج عن القانون، ليتبين بعد أن مواجهة يوسف انطلقت من معارضته المشاركة في هذه الشبكات غير الشرعية، والتي تطورت بها مؤسسات أمنية وعسكرية. رفض يوسف الإنخراط فيها، فأجمعت التقارير السياسية والأمنية على إقالته. في تلك الفترة، ذهبت مؤسسات رسمية عديدة إلى الاشتراك بهذه الخدمات غير الشرعية، فيما يوسف حجب ذلك عن مؤسساته ومن هو محسوب عليهم سياسياً في تلك الفترة، إذ نصح بعدم اشتراك السراي الحكومي حينها بهذه الشبكات.
كلها حلقات من سلسلة طويلة، راحت تتكشف فيما بعد، وفي محاولات خصخصة القطاع، أو نقله من مؤسسة إلى أخرى. وتشير بعض المعلومات إلى أن ما يجري في وزارة الاتصالات والقطاع ككل، هو عبارة عن اتفاقات على عقد صفقات بين طرفين سياسيين بارزين، لأجل الاستحواذ على القطاع. وهذا يتم من خلال الضغط على أوجيرو وتطويعها، بالإضافة إلى الضغط وعمليات التطويق التي تحصل لمسؤولين وأصحاب شركتي الاتصالات الخلوية. الضالعون في هذه العمليات هم من المحسوبين على التسوية الرئاسية.
بعد إقالة المقدم سوزان الحاج من منصبها رئيسة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، لجأت الحاج إلى التعامل مع مقرصنين، لاختراق مواقع وحسابات لمؤسسات رسمية ووزارات وشركات كبرى، كانت تريد الايحاء بأن الأمن الإلكتروني في البلد اهتز بعد كف يدها عن هذا "الصرح". واليوم، من يريد القضاء على أوجيرو والاستحواذ على قطاع الاتصالات الرسمي والخاص، الثابت والخلوي، ربما يلجأ إلى إعداد كثير من التقارير حول حجم الاخترقات، وضعف الخدمات، بهدف التصويب على الشركات، ليس من باب مكافحة الفساد، بل إمعاناً في الفساد، لتبرير تغيير الإدارات والهيكليات في المؤسسات. وهذا يشير إلى الفضيحة الالكترونية التي تستمر الأجهزة الأمنية التدقيق بها وبتفاصيلها، إذ ألقي القبض على عدد من الأشخاص المتهمين بالقرصنة. لكن حتى الآن لم يتبين السبب الحقيق لخلفية هذه القرصنة، سوى أن يكون هناك نوايا نفعية لبعض الجهات. بمعنى أن لا نية جرمية لهذه الاختراقات، ولا خلفية أمنية أو سياسية عدائية لها. المسألة تتعلق بالمصلحة المالية فحسب.
وتؤكد المصادر أنه لولا وجود الخلافات بين بعض القوى المتوافقة والمتنازعة في آن على إدارة القطاع وكيفية تسيير تلك الإدارة، لما تحققت الثغرات الأمنية التي سمحت للأجهزة الإيقاع بالمقرصنين وتوقيفهم. كيفية معالجة الموضوع في مرحلة لاحقة، تبرز أن القضية تذهب في اتجاه التسوية السياسية، بحيث أطلق سراح أحد الموقوفين وهو قريب ونسيب لشخصية نافذة. وهذا أرفق ببيان لوزير العدل سليم جريصاتي ينفي فيه كل ما حكي عن هذا الموضوع من لفلفة وضبضبة. فيما رد وزير الداخلية نهاد المشنوق معتبراً أن إطلاق سراح الموقوف حصلت بناء على تدخلات سياسية، على الرغم من إيجاد مسوغات قانونية لعدم الاستمرار بتوقيفه.