رئيس الحكومة سعد الحريري، العائد من سفر، يربط أزمة التأليف بـ«صحوة ضمير» القوى السياسية التي تتمسك بشروطها، بحسب الخلاصات والانطباعات التي سادت في بعبدا، بعد اتصال الحريري بالرئيس ميشال عون أمس. لكنّ كثراً في الداخل، بات باعتقادهم أن كلمة السّر للتشكيل، ليست عند الحريري أصلاً، بل في السعودية، التي باتت تربط الملفّ اللبناني بملفّات المنطقة، على رغم الطمأنات التي يحصل عليها اللبنانيون، وآخرها من الإمارات.
وحتى لو كان مفتاح الحلّ عند الحريري، الذي بات مضطّراً إلى لعب دور الإطفائي والمحاور والمصالح بين القوى السياسية المتقابلة، إلّا أن المواجهة تتفاقم في الداخل، وفي الدائرة المحيطة مباشرةً بالحريري عبر حلفائه، من الخلاف المستفحل بين التيار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانية، إلى الصراع المتعاظم بين الحزب التقدمي الاشتراكي والعونيين من بوابة النازحين والحصّة الدرزية في الحكومة، إلى العقدة الثالثة، وهي تمثيل النّواب السّنة من خارج تيار المستقبل بحصة وزارية.
وممّا لا شكّ فيه، أن القوى السياسيّة باتت تتعامل الآن مع الملفّ الحكومي، وكأنه بحكم المؤجّل، ولا سيّما الرئيس نبيه برّي، الذي قرّر الشروع في دعوة مجلس النواب إلى جلسة عامة هي الأولى للمجلس الجديد، وعلى جدول أعمالها انتخاب اللّجان النيابية ورؤسائها ومقرريها، بعد أن كان يتريّث في اتخاذ القرار بانتظار أن تتّضح مآلات تشكيل الحكومة.
وبعد استقباله الحريري، أمس، في عين التينة، أشار بري أمام زواره أمس، إلى أنّ «الرئيس المكلّف أبلغني بأنه سيبدأ جولة اتصالات جديدة»، وأن «تركيزه سيكون على خطوط ثلاثة مع العونيين والقوات ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط». وفيما لفت بري إلى أن «كلام الحريري عن أننا على موجة واحدة، يعني أننا نحن الاثنين نصرّ على استعجال تأليف الحكومة»، أكّد المؤكّد بأنّ «العقبات لا تزال هي نفسها، وعالقة عند الفريقين المسيحيين، وأن لا شيء يبيّن حصول تقدم جدي». وأضاف بري أنه «تمهّل قبل رحلته السياحية الأخيرة في توجيه الدعوة إلى عقد جلسة لانتخاب اللجان، علّه يتحقق أي تقدّم في الملف الحكومي، لكن ذلك لم يحصل ولم أعد أستطيع الانتظار أكثر من ذلك»، وقد علمت «الأخبار» بأن رئيس المجلس النيابي يتجه في الساعات المقبلة إلى اتخاذ قرار بدعوة الهيئة العامة إلى جلسة لانتخاب اللجان في الأسبوع المقبل، علماً أنه قرر استئناف «لقاء الأربعاء النيابي»، اعتباراً من اليوم.
ولعلّ الحريري في حركته أمس، يزيد من مهلة الوقت المستقطع قبل إعداد مسوَّدة التشكيلة الحكومية، حيث أبلغ الرئيس عون أن لديه اتصالات ولقاءات سيجريها خلال الساعات المقبلة قبل صعوده إلى بعبدا مجدداً، وعلى أساسها يتضح له إن كان جاهزاً لحمل مسوَّدة تشكيلة حكومية إلى لقائه المرتقب مع عون، أو أنّ «الاجتماع سيكون مناسبة للتقييم».
ما يهمّ رئيس الجمهورية، «أنّ التأخير يزيد هواجس اللبنانيين ويوسّع دائرة الشكوك حول مستقبل الاوضاع في لبنان، لأن هناك محطات مهمة جداً تحتاج إلى قرارات من الحكومة»، على ما تقول مصادر معنيّة في قصر بعبدا لـ«الأخبار».
من المؤشرات التي تقرأ إيجاباً، في بعبدا، «زيارة السفير الإماراتي حمد الشامسي لبعبدا، والرسالة التي حملها من القيادة الإماراتية، والتي تحمل في طيّاتها دعماً إماراتياً للاستقرار، وهذا أيضاً يصبّ في خانة الإيجابية على الصعيد الحكومي»، تقول المصادر نفسها.
ولا يمكن المرور فوق الموقف الذي أطلقه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، من على منبر بعبدا، أمس، وأعلن فيه رفضه لـ«الثنائيات»، مذكِّراً باليوم الذي جمع فيه الأقطاب الموارنة الأربعة في عام 2011 في بكركي، وحينها أيضاً تعرض للانتقاد، مؤكّداً «رفض إقصاء أحد أو التفرد مع أحد ولا أحد فوق أحد».
وعُلم أنّ موضوع المصالحة المسيحية حضر بين عون والراعي، وبحسب المعلومات، فإن رئيس الجمهورية أبلغ سيد بكركي أنه «مع المصالحة المسيحية ولا رجوع عنها، أما الشق السياسي، فيحصل التفاهم حوله بين الاحزاب». يذكر أن الراعي سيستقبل غداً في بكركي وزير الإعلام ملحم رياشي والنائب إبراهيم كنعان للتشاور معهما في إمكان ترميم تفاهم معراب.
ويؤكد زوار بعبدا «حرص رئيس الجمهورية على إعادة إدارة محركات تشكيل الحكومة بقوة، وهذا سيكون موضوع درس في اللقاء القريب بين عون والحريري».
ولاحظ الزوار أنه «في الأسبوعين الأخيرين هناك من ركّز في مواقفه وحملاته على تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية عدم تأليف الحكومة، علماً أن عون فعل كل شيء من أجل تسهيل عملية التأليف، خصوصاً في لقاءاته المتلاحقة مع كل من سمير جعجع ووليد جنبلاط وشخصيات أخرى لها تمثيلها في مجلس النواب، وقد تمنى على الرئيس المكلَّف معالجة العقدة السُّنية المتمثلة بتمثيل النواب من خارج كتلة المستقبل، وهو مستمر بالقيام بواجباته الدستورية، وهو جاهز للبحث مع الحريري بالتشكيلة الحكومية عندما يكون الأخير جاهزاً لذلك».
وفيما ترى مصادر مواكبة أن «ليس بالأفق ما يوحي بحلحلة للعقد الظاهرة»، تشير إلى أنه «على الرغم من سوداوية الأجواء التي رافقت تشكيل الحكومة الحالية التي تصرِّف الأعمال راهناً، يذكر الجميع أنه فجأة انفرجت الأمور وشُكلت بعد ظهر يوم احد، وهذا الأمر وارد في عملية ولادة الحكومة الحالية التي قد تُبصر النور في أي لحظة، علماً أن هناك جهات لها مصلحة بالترويج لأجواء تقول إن الأمور غير قابلة للحل، وهناك جهات أخرى غير راغبة أصلاً بتأليف الحكومة».