هوأبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النض ر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأمه فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
ولد عام \ 540 ميلادية في مدينة مكة المكرمة وبعد ان شب واكتمل خلف اباه عبد المطلب الذي كان من سادات قريش في المكانة والوجاهة واشتغل في التجارة ولضيق حالته المالية وكثرة عياله أ وكل إلى أخيه العباس امر سقاية الحاج وأعباءها الذي كان غنيا وصاحب مال وجاه.
أبو طالب الأخ الشقيق الوحيد لعبد الله والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم اعوام . ولما اراد ابو طالب ان يتاجر الى الشام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثانية عشرة من عمره وقيل اكثر بقليل قد رغب في الذهاب معه فاخذه الى الشام .حتى اذا وصلت القافلة الى ( بصرى ) وهي مدينة اثرية تقع على مشارف بلاد الشام خرج لهم الراهب ( بحيرا ) واخذ النبي صلى الله عليه وسلم في يده وقال:
( هذا سيد العالمين .هذا رسول الله هذا يبعثه الله رحمة للعالمين)
فتعجب من بالقافلة من قوله فقال لهم:
-( انكم حين اشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر الا خر ساجدا ولا يسجدان الا لنبي واني لأ عرفه بخاتم النبوة في اسفل غضروف كتفه مثل التفاحة وانا نجده مكتوبا في كتبنا)
وأ لتفت الى عمه ابو طالب ورجاه ان يرده ولا يقدم به الى الشام خوفا عليه من اليهود . فأرجعه عمه الى مكة.
أبو طالب الأخ الشقيق الوحيد لعبد الله والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان ابو طالب له القدح المعلى في تربية ابن اخيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاة امه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب فكفله ابو طالب وعمره ثمان سنوات . اخذه الى داره ليعيش واحدا مع اولاده سواءا بسواء فهو ايضا واحد منهم فقد قال الواقدي:
( قام ابو طالب من سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السنة العاشرة من النبوة ثلاث واربعين – يحوطه ويقوم بامره ويذب عنه ويلطف به وكان يقر بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ) وقد انشد ابو طالب في ذلك شعرا:
الا ابلغا عني على ذات بيننا
لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
بأنا وجدنا في الكتاب محمدا
نبيا كموسى خط في اول الكتب
ولما بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم و رأت قريش أن أمره ويقوى ويتزايد ورأوا ما يصنع أبو طالب اليه من رعاية وحماية عليه وكان ابو طالب ذا كلام مسموع سيدا مطاعا مكرما معظما في قريش وقبائل العرب وكان من ذروة بني هاشم وبني عبد مناف . تهابه الناس وتعرف له قدره الجليل وكان قد حماه وحفظه وأحاطه برعايته فاضطر المشركون ان يتلمسوا من عمه منعه من دعوته الى الاسلام وتسفيه الهتهم واوثانهم . فسار رجال من اشراف قريش الى ابي طالب يخبرونه بان ابن اخيه قد سفه دينهم وعيبه وسب آلهتهم التي يعبدونها ورجوه ان يكفه عنهم وعن هذه الامور او يخلي بينهم وبينه فتلقاهم ا بو طالب بالقول الرصين المهذب وردهم ردا جميلا فانصرفوا بينما مضى النبي محمد صلى الله عليه وسلم يظهر دين الله ويدعو لاظهاره الا ا ن قريشا لم تصبر طويلا على هذا الامر فعادوا الى ابي طالب وطلبوا منه ان يكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسفيه آلهتهم وشتم اوثانهم والا سيحاربونه حتى هلاك احد الفريقين فعز ذلك على ابي طالب ودعا النبي صلى الله عليه وسلم ورجاه ان يحفظ عمه ومكانته في قريش ويحفظ نفسه ويترك هذا الدين.
فلما راى النبي صلى الله عليه وسلم عمه بهذا الموقف قال له قولته الشهيرة:
- ( ياعم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله او اهلك دونه)
ثم استعبر وبكى اما م عمه فهب عمه متحمسا قائلا:
- ( اذهب ياابن اخي فقل ما احببت والله لا اسلمك لشيئ ابدا) .
وفي احد الايام جاء رجال من قريش الى ابي طالب يعرضون عليه امرا ومعهم شاب وسيم هو سيد شباب قريش واجملهم وانهدهم – عمارة بن الوليد – فقالوا:
- يا ابا طالب خذ هذا الفتى واتخذه ولدا وسلّم لنا ابن اخيك الذي خالفك في دينك ودين آبائك وفرق قومك وسفه احلامهم فنقتله - فطردهم ابو طالب قائلا:
- اتعطوني ابنكم أربيه لكم واعطيكم ابني لتقتلونه اما والله لايكون هذا ابدا ما حييت.
فرجعوا ناكسوا رؤسهم وقد اضمروا لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حقدهم.
وقال أشراف مكة لأبي طالب:
- إما أن تخلي بيننا وبينه فنكفيكه. فإنك على مثل ما نحن عليه أو أجمع لحربنا. فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك على هذا، حتى نهلكه أو يكف عنا، فقد طلبنا التخلص من حربك بكل ما نظن أنه يخلص. فبعث أبو طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:
- يا ابن أخي، إن قومك جاءوني، وقالوا كذا وكذا، فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني ما لا أطيق أنا ولا أنت. فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك.
- فأجابه رسول الله: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه.
وفي ذلك قال أبو طالب:
والله لـن يصلـوا إليك بجمع
حتى أوسد في التراب دفينـا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وأبشر وقُر بذاك منك عيونـا
ودعوتني، وعرفتُ أنك نـاصحي
ولقد صدقت، وكنت ثم أمينـا
وعرضت ديـنا قد عرفت بـأنه
من خير أديان البرية دينـا
لولا الملامـة أو حذار مسبـة
لوجدتـني سمحا بذاك مبينـا
اجتمع القرشيون في خيف بني كنانة – لما علموا باجتماع بني عبد المطلب وبني هاشم وقرارهم بحماية النبي محمد صلى الله عليه وسلم - لدراسة الموقف واخذ التحوطات له بعد ان زادت حيرتهم ونفدت حيلهم وتصميم بني عبد المطلب وبني هاشم على حمايته والقيام دونه مهما كانت الامور وتوصلوا الى امر خطير وحل غاشم ظالم وتحالفوا عليه وهذا الحلف او اقرار كتبوه في صحيفة وعلقوها في داخل الكعبة - كتبها لهم بغيض بن عامر بن هاشم . وقد دعى عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فشلت يده . وينص هذا الحلف على ان ( لا يجالسون بني عبد المطلب وبني هاشم و لا يكلمونهم ولا يد خلون بيوتهم ولا يخالطونهم ولا يناكحونهم أي لا يزوجونهم ولا يتزوجون منهم ولا يقبلون منهم صلحا ولا تاخذهم بهم رأفة حتى يسلموا اليهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم اليهم لقتله). .
وفي هذا يقول ابو طالب:
جزى الله رهطا بالحجون تتابعوا
على ملأ يهدي بحزم ويرشد
اعان عليها كل صقر كانه
اذا ما مشى في رفرف الدرع اجرد
قعودا لدى جنب الحجون كانهم
مقاولة بل هم اعز وامجد
فامر ابو طالب بني عبد المطلب وبني هاشم ان يدخلوا شعبه فدخلوه ولبثوا فيه ثلاث سنين حتى اشتد عليهم الخطب وخاصة ان قريش قطعوا عليهم كل معونة او تجارة حيث ان اية مواد تاتي الى مكة فيشتريها تجار قريش باغلى الاسعار ويحرمون بني عبد المطلب وبني هاشم منها فلا يتركون طعاما يدخل مكة الا واشتروه ومنعوه عنهم حتى قتلهم الجوع وحتى قيل ان نساءهم واطفالهم كانوا يضاغون جوعا في الشعب لذا عظمت الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدا وكان ابو طالب اذا اوى الناس لفراشهم للنوم ليلا امر رسول الله ان يضطجع في فراشه حتى يرى من اراد اغتياله فاذا نام الناس وخلدوا للنوم امر احد ابنائه او بني عمومته حمايته او المنام في فر اشه وينام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكانه.
انجب ابو طالب من الاولاد اربعة اولاد طالب وعقيل وجعفر وعلي وابتين فاخته وجمانة. وقيل ان كل واحد منهم أكبر من الذي يليه بعشر سنين. وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوها أمي لأنها ربته مع اولادها . وكانت من السابقات إلى الإسلام فلما توفيت صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ودخل قبرها وترحم عليها.
توفي أبو طالب نتيجة مرض اصابه وقيل سببه من معاناته في الحصار الذي ضربته قريش عليه وعلى ال عبد المطلب في شعبه مدافعا ومحاميا عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات اي في عام \619 ميلادية فحزن لفقده حزنا شديدا حيث فقد بفقده الحامي المخلص والعم الناصح الودود فجعل عام وفاته عام حداد وحزن فسمي عام وفاته عام الحزن وأمر ابنه علي بن أبي طالب بتجهيزه ودفن بالحجون بمكة المكرمة.
. ولما مات رثاه ولده علي كرم الله وجهه بهذه الابيات:
ابا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى
جوادا اذا ما اصدر الامر اوردا
فامست قريش يفرحون بموته
ولست ارى حيا يكون مخلدا
يرجون تكذيب النبي وقتله
وان يفترى قدما عليه ويجحدا
كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم
صدورالعوالي والحسام المهندا
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه:
- ( ما نالت مني قريش شيئا اكرهه حتى مات ابو طالب) .
وقال العباس بن عبد المطلب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم
لما حضر وفاة عمه ابي طالب قال له:
- ما اغنيت عن عمك ؟؟ فانه كان يحوطك ويغضب لك.
وقد كان كما قال اخوه العباس اليد العليا في ثبيت الدعوة الاسلامية وحماية النبي محمد صلى الله عليه وسلم من جور قريش
فاجابه النبي صلى الله عليه وسلم:
- ( هو في ضحضاح من النار ولو لا انا لكان في الدرك الاسفل من النار)
وضحضاح النار هو اقلها لهبا وتمثل كشاطئ البحر الذي فيه الماء الى كعب الارجل او اكثر بقليل وشتان بين من يكون حصب جهنم وفي دركها الاسفل ومن يكون في ضحضاحها.
راجع كتابي ( شذرات من السيرة النبوية المعطرة)
ومن شعر ابي طالب لاميته:
خَلِيلَيَّ ما أُذْنِي لأَِوَّلِ عاذِلِ
بِصَغْواءَ في حَقٍّ ولا عندَ باطِلِ
ولمّا رأيتُ القَومَ لا ودَّ فيهُمُ
وقد قَطَّعُوا كُلَّ العُرَى والوَسائلِ
وقد صارَحُونا بالعَداوَةِ والأَذَى
وقد طاوَعُوا أَمْرَ العَدُوِّ المُزايِلِ
وَقَدْ حالَفُوا قَوماً عَلينا أَظِنَّةً
يَعَضُّونَ غَيظاً خَلْفَنا بالأَناملِ
صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسي بِسَمراءَ سَمْحةٍ
وأبيضَ ماضٍ مِن تُراثِ المَقاولِ
وأَحْضَرتُ عندَ البيتِ رَهْطي وإخْوَتي
وأَمْسَكْتُ من أثوابِهِ بالوصَائلِ
قياماً معاً مُستَقْبِلينَ رِتاجَهُ
لدَى حيثُ يقضِي نُسْكَهُ كُلُّ نافِلِ
* * *
أَعُوذُ بِرَبِّ الناسِ مِن كُلِّ طاعِنٍ
علينا بِشَرٍّ أو مُلِحٍّ بِباطِلِ
ومِن كاشِحٍ يَسعَى لنا بِمَعِيبةٍ
ومِن مُفْتَرٍ في الدِّينِ ما لم نُحاوِلِ
وَثَورٍ ومَن أرسَى ثَبِيراً مَكانَهُ
وعَيْرٍ، وراقٍ في حِراءَ ونازِلِ
وبالبيتِ رُكْنِ البيتِ مِن بَطنِ مَكَّةٍ
وباللهِ إنَّ اللهَ ليسَ بغافِلِ
وبالحَجَرِ المُسوَدِّ إذ يَمسَحُونَهُ
إذا اكتَنَفُوهُ بالضُّحَى والأصائِلِ
وموطِئ إبراهيم في الصَّخرِ وَطأَةً
على قَدَميهِ حافياً غيرَ ناعِلِ
وأشواطِ بينَ المَروَتَينِ إلى الصَّفا
وما فيهما من صُورةٍ وتماثِلِ
َمَن حَجَّ بيتَ اللهِ مِن كُلِّ راكِبٍ
ومِن كُلّ ذِي نَذرٍ ومِن كُلّ راجِلِ
وبالمَشعَرِ الأَقصَى إذا عَمَدُوا لَهُ
أَلالاً إلى مُفضَى الشِّراجِ القَوابِلِ
وتَوقَافِهم فوقَ الجِبالِ عَشِيّةً
يُقيمونَ بالأَيدِي صُدورَ الرواحِلِ
وليلةِ جَمْعٍ والمَنازلِ مِن مِنى
وما فَوقَها مِن حُرمَةٍ وَمَنازِلِ
جَمْعٍ إذا ما المُقرَبات أجَزْنَهُ
سِراعاً كما يَفزَعنَ من وَقعِ وابلِ
وبالجَمرةِ الكُبرى إذا صَمَدوا لها
يَؤُمّونَ قَذفاً رأسَها بالجَنادِلِ
وكِندةَ إذ تَرمي الجِمارَ عَشيّةً
تُجيز بها حُجَّاجَ بكرِ بنِ وائلِ
حَليفانِ شدَّا عَقْدَ ما احْتَلَفا لَهُ
وردَّا عليه عاطِفاتِ الذلائلِ
وحَطْمِهمُ سُمْرَ الرِماحِ مَعَ الظُّبا
وإنقاذِهِم ما يَنتقي كُلّ نابلِ
وَمَشْيهُمُ حَولَ البَسالِ وسَرْحِهِ
وسَلميّةٍ وَخْدَ النَعامِ الجوافِلِ
وحَطْمِهم سُمْرَ الصِّفاح وسَرْحِهِ
وشِبْرِقَةٍ وَخْدَ النَّعامِ الجَوافِلِ
فَهلْ فوقَ هذا من مَعادٍ لعائذٍ ؟!
وهَل من مُعيذٍ يَتَّقِي اللهَ عادلِ ؟!
* * *
يُطاع بنا الأعداء ودّوا لو انَّنا
تُسَدُّ بنا أبوابُ تُركٍ وكابُلِ
كَذَبتُم وبيتِ اللهِ نَترُكُ مَكّةً
ونَظْعَنُ إلاَّ أَمرُكُم في بلابِلِ
كَذَبتُم وبيتِ اللهِ نُبزَى محمّداً
ولَمَّا نُطاعِنْ دونَهُ ونُناصِلِ
ونُسْلِمهُ حتّى نُصَرَّعَ حَولَهُ
وَنَذهَلَ عن أبنائِنا والحَلائِلِ
وَينهضَ قومٌ في الحَديدِ إليكُمُ
نُهوضَ الرَّوايا تحتَ ذاتِ الصَّلاصِلِ
حتَّى يُرى ذو البَغي يَركَبُ رَدعَهُ
مِن الضِّغْنِ فِعلَ الأَنكَبِ المُتَحامِلِ
وإنّا لَعَمْرُ اللهِ إنْ جَدَّ ما أرى
لَتَلتَبِسَنْ أسيافُنا بالأماثِلِ
بكفِّ فَتىً مثلِ الشِهابِ سَمَيْدَعٍ
أَخي ثِقَةٍ حامي الحَقيقةِ باسِلِ
شُهوراً وأيّاماً وحَوْلاً مُجَرَّماً
علَينا وتأتي حِجَّةٌ بعدَ قابِلِ
وما تَرْكُ قَومٍ ـ لا أباً لكَ ـ سَيِّداً
يَحُوطُ الذِّمارَ غير ذَرْبِ مُواكِلِ
وأبيضَ يُستَسْقَى الغَمَامُ بوَجهِهِ
رَبيعُ اليتامَى عِصمَةٌ للأرامِلِ
يَلوذُ بهِ الهُلاَّكُ مِن آلِ هاشِمٍ
فهُم عندَهُ في نِعمةٍ وفَواضِلِ
لَعَمْري لقد أَجرى أَسيدٌ وَرَهطُهُ
إلى بُغضِنا وَجْزاً بأكلَةِ آكِلِ
جَزَتْ رَحِمٌ عنّا أَسيداً وخالِداً
جَزاءَ مُسيءٍ لا يُؤَخَّرُ عاجِلِ
عثمان لم يَرْبَعُ علينا وقُنفُذٌ
ولكنْ أطاعا أمرَ تلكَ القَبائلِ
أَطاعا بِنا الغَاوِين في كُلِّ وجهَةٍ
ولم يَرْقُبا فينا مَقالَةَ قائِلِ
كما قَد لَقِينا مِن سُبَيْعٍ ونَوفَلٍ
وكُلٌّ تولّى مُعرِضاً لم يُجامِل
فإنْ يلُقَيَا أو يُمكِنِ اللهُ مِنهُما
نَكِلْ لَهُما صاعاً بكَيلِ المُكايِلِ
وذاكَ أبو عَمرٍو أبى غيرَ مُغضَبٍ
لِيُظعِنَنَا في أَهلِ شاءٍ وجامِلِ
يُناجي بنا في كُلّ مُمْسىً ومُصْبَحٍ
فناجِ أَبا عمرِو بنا ثُمّ خاتِلِ
ويُقْسِمُنا باللهِ ما إنْ يَغُشّنا
بلَى قد نراهُ جَهْرَةً غيرَ حائلِ
أضاق عليه بُغضُنا كُلَّ تَلْعةٍ
مِن الأَرضِ بينَ أَخْشَبٍ فالأجادِلِ
وسائلْ أبا الوليدِ ماذا حبَوْتَنا
بِسَعْيِكَ فينا مُعرِضاً كالمُخاتِلِ
كنتَ امرَءاً ممّن يُعاشُ برأيهِ
ورَحمتهُ فينا ولستَ بجاهلِ
فعُتبةُ لا تَسمَعْ بنا قولَ كاشِحٍ
حَسُودٍ كَذوبٍ مُبغِضٍ ذي دَغاولِ
وقد خِفت إنْ لم تَزدَجِرْهُم وَتَرعَوُوا
تُلاقي ونَلقى منك إحدى البَلابلِ
ومَرَّ أبو سُفيانَ عَنِّيَ مُعرِضاً
كأنَّكَ قَيلٌ في كِبارِ المَجادِلِ
يَفِرُّ إلى نَجدٍ وبَردِ مِياهِهِ
ويَزعُمُ أَنِّي لستُ عَنهُم بغافِلِ
وأعلَمُ أنْ لا غافلٌ عن مَساءةٍ
كذاكَ العَدُوُّ عندَ حَقٍّ وباطِل
فمِيلُوا علينا كُلُّكُم إنَّ مَيلَكُم
سَواءٌ علَينا والرياحُ بِهاطِل
يُخَبِّرنا فِعلَ المُناصِحِ أَنَّهُ
شَفِيقٌ ويَبْغي عارقاتِ الدَّواخِلِ
أَمُطْعِمُ لم أَخذُلْكَ في يومِ نَجدَةٍ
ولا عندَ تلكَ المُعْظماتِ الجَلاجلِ
ولا يَومَ قَصْمٍ إذ أتَوك ألِدَّةً
أُولي جَدَلٍ مِثلِ الخُصوم المَساجلِ
أَمُطْعِمُ إنَّ القومَ سامُوكَ خُطَّةً
وإنّي متَى أُوْكَل فلستُ بوائلِ
جَزى اللهُ عنّي عَبدَ شمسٍ ونَوفَلاً
عُقوبةَ شَرٍّ عاجلاً غيرَ آجِلِ
بميزانِ قِسطٍ لاَ يَخِيسُ شَعِيرةً
له شاهدٌ من نفسِهِ حَقّ عادلِ
لقد سَفِهَتْ أخلاقُ قَوم تَبدَّلوا
بَني خَلَفٍ قَيضاً بنا والغَياطِلِ
نَحنُ الصَّميمُ مِن ذُؤابَةِ هاشمٍ
وآل قُصَيٍّ في الخُطوبِ الأوائلِ
وكانَ لنا حَوضُ السِّقايةِ فيهمُ
ونحن الذُرَى منهم وفوقَ الكَواهلِ
فما أدركوا ذَحْلاً ولا سَفكوا دماً
وما حالفوا إلاَّ شِرارَ القبائلِ
بَني أَمَةٍ مَجنونةٍ هِنْدِكِيَّةٍ
بَني جُمَحٍ عَبِيدَ قَيسِ بنِ عاقلِ
وسَهْمٌ ومَخْزُومٌ تَمالَوا وألَّبُوا
علينا العِدى من كُلِّ طِمْلٍ وخامِلِ
وشائظُ كانت في لُؤيِّ بنِ غالبٍ
نَفاهُم إلينا كُلُّ صَقْرٍ حُلاحِلِ
ورَهطُ نُفَيلٍ شَرَّ مَن وَطِئ الحَصا
وأَلأَمَ حافٍ مِن مَعَدٍّ وناعِلِ
فَعَبدُ مُنافٍ أنتُمُ خَيرُ قومِكُم
فلا تُشرِكوا في أَمرِكُم كُلَّ واغِلِ
فقد خِفتُ إن لَم يُصلِحِ اللهُ أَمرَكُم
تكونُوا كما كانَت أَحاديثُ وائِلِ
لَعَمْرِي لَقَد وَهَنْتُمُ وَعَجَزتُمُ
وجِئتُمْ بأَمرٍ مُخطِئٍ للمَفاصِلِ
وكنتُم قديماً حَطْبَ قِدْرٍ فأنتُمُ
الآنَ حِطابُ أَقْدُرٍ ومَراجِلِ
يَهْنئ بني عبد المُنافِ عُقوقُها
وخِذْلانُها أو تَرْكُها في المَعاقِلِ
فإن يَكُ قومٌ سَرَّهُم ما صَنَعتُمو
سَيَحتَلِبُوها لاقِحاً غيرَ باهِلِ
فأبلِغ قُصِيّاً أنْ سيُنشَرُ أمرُنا
وبشّر قُصَيّاً بعدَنا بالتَّخاذُلِ
ولو طَرَقَت لَيلاً قُصِيّاً عَظيمةٌ
إذَن ما لَجأنا دونَهُم في المَداخِلِ
ولَو صَدَقوا ضَرباً خِلالَ بُيوتِهِم
لكنَّا أُسىً عندَ النِّساءِ المَعاطِلِ
فإنْ تَكُ كَعبٌ مِن لُؤيٍّ تَجَمّعتْ
فلابُدَّ يوماً مَرّةً مِن تَزايُلِ
وإن تَكُ كَعبٌ من كُعوبٍ كبيرةٍ
فلابُدَّ يوماً أنَّها في مَجاهِلِ
وكنّا بخيرٍ قبلَ تسويدِ مَعشَرٍ
هُمُ ذَبَحونا بالمُدَى والمَقاوِلِ
فَكُلُّ صَديقٍ وابنِ أُختٍ نَعُدُّهُ
لَعَمْري وَجَدنا عَيشَهُ غيرَ زائلِ
سِوَى أنَّ رَهطاً مِن كِلابِ بنِ مُرّةٍ
بَراءٌ إلَينا مِن مَعقَّةِ خاذِلِ
بني أَسَدٍ لا تَطْرِفُنَّ على القَذَى
إذا لم يَقُلْ بالحَقّ مِقوَلُ قائلِ
لَعَمْري لَقد كُلِّفتُ وَجداً بأحمَدٍ
وإِخوَتِهِ دأبَ المُحِبِّ المُواصِلِ
فلا زالَ في الدُنيا جَمالاً لأَهلِها
وزَيناً على رَغمِ العَدُوّ المُخابِلِ
فمَن مِثلُهُ في الناس أو مَن مُؤمَّلٌ
إذا قايسَ الحُكّامُ أهلَ التفاضُلِ
حليمٌ، رَشيدٌ، عادِلٌ، غيرُ طائِشٍ
يوالي إلهاً ليسَ عنهُ بذاهِلِ
فأَيَّدَهُ رَبُّ العِبادِ بنَصرِهِ
وأظهرَ دِيناً حَقُّهُ غيرُ ناصِلِ
لقد علموا أنَّ ابنَنَا لا مُكَذَّبٌ
لَدَيهِم، ولا يُعنَى بقولِ الأباطِلِ
رِجالٌ كِرامٌ غيرُ مِيلٍ نَماهُمُ
إلى العِزِّ آباءٌ كرامُ المَخاصِلِ
وَقفنا لَهُمْ حتّى تَبَدَّدَ جَمعُهُم
ويَحسُرَ عنّا كُلّ باغٍ وجاهلِ
شبابٌ مِن المُطَّلبينَ وهاشِمٍ
كبِيضِ السيوفِ بين أيدي الصَّياقِلِ
بضَرب ترى الفِتيان عنه كأَنَّهُم
ضَوارِي أُسودٍ فوقَ لَحمٍ خَرادلِ
ولكِنَنا نَسلٌ كِرامٌ لِسادَةٍ
بِهم يَعتلي الأقوامُ عندِ التَّطاوُلِ
سَيَعلِمُ أهلُ الضِّغْنِ أَيّي وأَيُّهُم
يَفوزُ ويَعلو في لَيالٍ قَلائلِ
وأيّهُمُ مِنّي ومِنهُم بسيفِهِ
يُلاقي إذا ما حانَ وقتُ التنازُلِ
ومَن ذا يَمَلّ الحَربَ مِنّي ومِنهُم
ويُحمَدُ في الآفاق في قولِ قائلِ
فأصبح منّا أحمدٌ في أُرُومَةٍ
تُقَصِّرُ مِنها سَورةُ المُتطاولِ
كأنّي بهِ فوقَ الجِيادِ يَقودُها
إلى مَعشَرٍ زاغُوا إلى كُلِّ باطلِ
وجُدْتُ بنفسِي دُونَه وَحَمَيتُهُ
ودافَعتُ عنهُ بالطُّلى والكلاكِلِ
ولا شَكَّ أنَّ اللهَ رافِعُ أَمرِه
ومُعْليهِ في الدنيا ويومَ التَّجادُلِ
كما قد أُري في اليوم والأَمسِ جَدُّهُ
ووالِدُه رؤياهُما خيرُ آفلِ
فالح نصيف الحجية
العراق- ديالى - بلدروز