تفاعلت أزمة جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، جرّاء العجز المالي الذي تمرّ به المؤسسة، واضطرارها إلى عدم الوفاء بالتزاماتها، مثل تأخّر تسديد رواتب أساتذة التعليم في مدارس المؤسسة ومعاهدها التعليمية، واستدعى ذلك تدخلاً على أعلى المستويات، وخصوصاً رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، ومفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان، والفعاليات البيروتية التي استنفرت طاقاتها بحثاً عن حلول ومخارج تجنّب هذه المؤسسة العريقة الانهيار.
ونفّذ المعلمون في مدارس المقاصد اعتصامات خلال الأسبوع الماضي، احتجاجاً على صرف عدد منهم من العمل وخفض رواتب البعض الآخر، وإقفال مدارس بسبب العجز عن تأمين تمويلها ومصاريفها.
ودخل رئيس الحكومة سعد الحريري على خطّ المعالجة، طالباً من وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، المسارعة إلى صرف مساهمات الوزارة لهذه المؤسسة للتخفيف من أزمتها، فيما وضع مفتي الجمهورية هذا الموضوع في أولويات اهتمامه، باعتبار أن «المقاصد» تمثّل وقفاً إسلامياً استثنائياً، وكونها مؤسسة تاريخية يجب حمايتها ودعم استمراريتها.
وعزا مصدر في جمعية المقاصد أسباب الأزمة إلى عوامل عدّة، أبرزها «وقف المساعدات والتبرعات التي كانت تردها من متمولين في الداخل والخارج، ووقف مساهمة الدولة ضمن سياسة خفض الإنفاق ومخصصات الجمعيات الخيرية والاجتماعية». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «ثمة أسباباً داخلية عمّقت الأزمة، عبر الهدر في نفقات المؤسسة بفعل رواتب ومكافآت مرتفعة وغير متوازنة»، مبدياً أسفه للواقع الذي بلغته المؤسسات التربوية، ولفت إلى أن الأزمة «أدت إلى إقفال عدد من مدارس المقاصد في جبل لبنان والشمال، وحرمت آلاف الطلاب من التعليم المجاني الذي كانت تقدمه هذه المدارس، بمناهج مهمة جداً، وهي مرشحة للذهاب نحو الأسوأ ما لم يتم اجتراح حلول دائمة، واعتماد سياسة شفافة في الإدارة».
وبقيت هذه القضية موضوع متابعة لدى المرجعيات السياسية والدينية السنيّة، وتصدرت أزمة المقاصد بنود جدول أعمال المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في اجتماعه الأخير، الذي دعا إلى إنقاذ المؤسسة حفاظاً على تاريخها وتراثها وثقافتها، وأكد عضو المجلس الشرعي المحامي محمد المراد لـ«الشرق الأوسط»، أن «المقاصد تمثّل وقفاً إسلامياً استثنائياً، لا سلطة إدارية أو وظيفية للمجلس الشرعي عليها، لكن من الناحية المعنوية، واجبنا الديني والأخلاقي والإنساني كطائفة سنيّة، وكمرجعيات دينية أن نقف إلى جانبها».
وشدد على أن المقاصد «تبقى المؤسسة التاريخية الأهم والأعرق، وواجب الجميع أن يساعدها للنهوض من هذه الأزمة». وقال المراد: «نطالب الدول العربية الشقيقة، وخصوصاً دول الخليج بالوقوف مع (المقاصد) في هذه الأزمة».
وعزت جمعية المقاصد أزمتها إلى «تعرضها لمصاعب مالية في الآونة الأخيرة، لأن الدولة لم تؤمن المساهمات المتوجبة عليها، كون معظم مدارسها هي مجانية منذ سنوات عديدة، والسبب الأهم الزيادات التي طرأت على رواتب المعلمين بموجب سلسلة الرتب والرواتب التي فرضتها الدولة على المؤسسات التربوية في لبنان التي أثقلت كاهلها». وقالت الجمعية في بيان صدر بعد الاجتماع الأخير لمجلس الأمناء برئاسة الدكتور فيصل سنو: «رغم سعي هذه المؤسسات إلى التعاون مع الدولة لإيجاد الحلول المناسبة لحل هذه المشكلة، ومؤازرة وزير التربية (مروان حمادة) شخصياً لهذا الأمر، فهي لم تتوصل إلى أي نتيجة، مما جعلها غير قادرة على الاستمرار بتحمل هذه الأعباء الكبيرة واصطدمت بهذا الواقع المرير».
وأكدت أن «التدابير التي اتخذتها الجمعية لمعالجة هذه الحالة الطارئة والمشاكل المتراكمة كان الغرض منها، من جهة، تهدف إلى حماية أفراد الهيئة التعليمية والتلاميذ والأهالي والدفاع عن حقهم المقدس في التعلم». ودعت الدولة إلى «تحسس المخاطر التي تتعرض لها المؤسسات التربوية والتعليمية، والقيام بواجباتها وتحمل مسؤولياتها، كونها أول المعنيين برسالة التعليم في لبنان».