على عكس ما يتخيّله البعض، فإنّ الإنتشار المسيحي جنوباً كثيف ومتنوّع، ويتواجد كل من الموارنة والكاثوليك والأرثوذكس وحتى الأقليات، لكنّ الواقع السياسي الذي أُرسي منذ ما بعد توقيع «إتفاق الطائف» جعل البعض يظن أنّ تلك المنطقة إسلامية بامتياز مع غلبة شيعية واضحة.
وإذا نظرنا الى الإنتشار المسيحي، يتضح أنه يبدأ من صيدا، بوابة الجنوب وعاصمته، وجزين مروراً بالزهراني وصولاً الى بنت جبيل وصور ومرجعيون وحاصبيا، وهذا الانتشار يتكيّف ويتعايش مع المحيط خصوصاً في قرى الشريط الحدودي، على رغم أنه لا يوجد نائب مسيحي في قضاء بنت جبيل.
وفي الموازاة، حاول كل من «التيار الوطني الحرّ» و«القوات اللبنانية» إختراق العمق الجنوبي في دائرة مرجعيون- حاصبيا- بنت جبيل- النبطية من دون أن يتمكّنا من النجاح، وفاز مرشحّ الحزب «السوري القومي الإجتماعي» عن المقعد الأرثوذكسي أسعد حردان بالنيابة مجدداً على لوائح الثنائي الشيعي.
من جهة ثانية، وبعدما نجحت «القوات» بـ«دوبلة سكورها» تقريباً من حيث عدد النواب والتواجد في كل من محافظات الشمال، جبل لبنان، البقاع وبيروت، إلّا أنها لم تستطع تحقيق أيّ خرق في محافظة الجنوب الذي يوجد فيه 5 نواب مسيحيين: 3 في جزين، واحد في الزهراني، وواحد في مرجعيون.
وقد شكلت عطلة نهاية الأسبوع نافذةً لإطلالة «القوات» على قرى الشريط الحدودي عبر افتتاح مركز في بلدة رميش، إحدى أكبر البلدات المسيحية هناك، وهذا الأمر يعطي مؤشراً الى سياسة الحزب ورغبته في تحقيق تواجد فعال في المحافظة الخامسة وخصوصاً محافظة الجنوب التي بقيت عصيّةً عليه نيابياً.
لم تكن معركة «القوات» في بعلبك- الهرمل سهلة، لكنها نجحت بإيصال النائب طوني حبشي، ويحاول البعض أن يدلّ على تلك التجربة ليقول إنّ ما تحقق في بعلبك- الهرمل يمكن أن يتحقق جنوباً في ظل القانون النسبي، واللافت للإنتباه أنّ رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع أوفد حبشي ممثلاً عنه الى افتتاح مركز «القوات» في رميش.
كانت «القوات» على وشك تحقيق خرق في جزين عبر مرشحها عجاج حداد لو تحالف مع أحد الأقوياء في صيدا، لكنّ خيار تيار «المستقبل» بخوض المعركة منفصلاً أضاع على قوى «14 آذار» مقعداً مسيحياً في جزين وذهب الى «التيار الوطني الحرّ»، علماً أنّ مرشح «القوات» حصد أكثر من 5 آلاف صوت تفضيلي على رغم أنّ حظوظ اللائحة بالوصول الى الحاصل الإنتخابي كانت منعدمة.
وتعمل «القوات» على تنظيم صفوفها جنوباً ومتابعة أدق التفاصيل، وتركّز إهتمامها على جزين والزهراني ومرجعيون وقرى الشريط الحدودي، وقد خاضت الإنتخابات في الدائرة التي تضمّ مرجعيون وحاصبيا بالمرشح فادي سلامة الذي حقق أرقاماً مقبولة.
قد يكون تواجد «القوات» نيابياَ في جزين في متناول اليد في الدورة المقبلة إذا صيغت تحالفات جيّدة، في حين أنّ العمل في بقية مناطق الجنوب يتطلب جهداً مضاعفاً، حيث لا تجوز مقارنة تلك المناطق ببعلبك- الهرمل حيث هناك وجود مسيحي مهم في دير الأحمر والجوار وبلدات القاع ورأس بعلبك، كما أنّ هناك تواجداً للسنّة، وعائلات شيعية غير راضية عن سياسة الثنائي الشيعي، بينما في الجنوب، وباستثناء جزين، فالوجود المسيحي ليس مركّزاً في دائرة واحدة، ويتنوّع بين «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» وبقية القوى السياسية، كما أنّ النموّ الديموغرافي الشيعي يصعّب أيَّ مهمّة لأيِّ قوة مسيحية بالتواجد الفاعل، علماً أنّ الحاصل الإنتخابي تخطّى في بعض الدوائر الجنوبية العشرين ألف صوت.
لا يمكن إنكار وجود تبريد سياسي بين «القوات» والثنائي الشيعي على رغم الإختلاف على العناوين الكبرى في البلاد، وهذا الأمر قد يعود في قسم منه الى سياسة رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل وصدامه مع الرئيس نبيه بري وتفضيل الأخير «القوات» على باسيل، وفي قسم آخر الى إدراك الجميع أنّ أحداً لا يمكنه إلغاء الآخر، ما يعطي فرصة لـ«القوات» للتحرّك بطريقة مريحة أكثر في الجنوب، لكن من دون معرفة متى ستحقق الخرق الذي تطمح إليه.