48 يوماً بالتمام والكمال، انقضت على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف أوّل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية..
لا حاجة لاستعراض المحطات التي قضتها رحلة التأليف حتى الآن.. إلا ان البارز، هو انه بعد «الهبات الساخنة» والباردة، تعصف بعملية التأليف عواصف الخلافات، وربما انهيار التسويات، وربما انعكاسات التجاذب بالحديد والنار في دول جوار لبنان الملتهبة، وسط تحولات في المشهد الإقليمي، وعواصف «الحرب الاقتصادية والجمركية» بين الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب والصين العظمى، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي في عهد فلاديمير بوتين..
وتلاحظ مصادر مطلعة على المجريات الراهنة، ان الوضع الاقتصادي، ليس مجرّد ورقة للتخويف أو التهويل، أو حتى الضغط على مسرح توليد الحكومة، بل هو ينطوي على وقائع قوية، ذات صدقية، من خجل النشاط الاقتصادي إلى أزمة القروض السكنية إلى رفع الفوائد على الليرة اللبنانية..
ولا تخفي مصادر سياسية مطلعة على التأليف تخوفها من الاجراءات التي تقوم بها بعض المصارف الكبرى من خلال رفع الفوائد على الليرة اللبنانية، ودعت هذه المصادر مصرف لبنان وحاكمه ووزير المال والمعنيين لالاطلاع بدقة على ما يجري على صعيد المصارف لاتخاذ القرارات المطلوبة، لانه لا يجوز القيام بمثل هكذا خطوات التي من شأنها هز الوضع المالي في البلد، وشددت على ضرورة عدم السكوت على مثل هكذا تصرفات.
على جبهة الرئاسات، لا يبدو الموقف موحداً، فالرئيس ميشال عون، متفائل بالحكومة المقبلة، فهو أبلغ وزيرة التجارة الخارجية والتعاون التنموي في هولندا سغريد كاغ ان الحكومة المقبلة ستولي عناية خاصة للشأن الاقتصادي واستكمال عملية مكافحة الفساد.
والرئيس نبيه برّي العائد من إجازة استجمام، يتجه إلى دعوة المجلس النيابي لانتخاب اللجان النيابية، وبعدها سيدعو إلى جلسة ثانية ستشكل سابقة في تاريخ الحياة السياسية في لبنان.
الرئيس المكلف سعد الحريري، يعتقد ان المشكلة عند سواه، وليس عنده، وهو متفائل بإيجاد الحل، والاخوة (في إشارة الي تفاهم معراب) يتشاجرون ثم يتصالحون، ويؤكد وزير الداخلية نهاد المشنوق من دار الفتوى ان الرئيس المكلف مصر على تشكيل حكومة تتمثل فيها كل القوى من دون مبالغات.
«التوربو» يتحرك
الى ذلك، ينتظر ان يعيد الرئيس المكلف تشغيل محركات «التوربو» التي وعد بها، وعلى جدول اعماله اكثر من موضوع، اولها حسب مصادرمتابعة رأب الصدع بين «التيار الوطني الحر» وبين «القوات اللبنانية»، باعتبار عقدة التمثيل المسيحي هي «امّ العقد»، وامامها تهون العقد الاخرى، برغم تمسك مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي بتمثيل الحزب التقدمي الاشتراكي بالوزراء الدروز الثلاثة، وتمسك النواب السنة المستقلين بتمثيلهم الى جانب تمثيل احد المسيحيين من التكتل الوطني المستقل بالتمثيل ايضا. 
 وعليه، توقعت المصادر ان يبادرالحريري خلال الساعات المقبلة الى تجديد اتصالاته – إن لم يكن قدباشر بها فورا، واولها مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري كما توقع احد نواب كتلة المستقبل- مضيفا ان ما اعلنه رئيس القوات سميرجعجع قبل يومين من «انه مصر على استمرار التفاهم مع «تيار المستقبل» ومع «التيار الحر» وانه لمس بعض المؤشرات الإيجابية من الوزير جبران باسيل وان شاء الله تترجم عمليًا»، هو مؤشر الى ان الامور ذاهبة نحو الحلحلة. وتوقعت مصادر المعلومات ان يزور الحريري الرئيسين عون وبري بين ساعة وساعة. 
ولم يشأ الرئيس الحريري، في أوّل ظهور له امام الصحافيين بعد عودته من اجازته العائلية، الحديث عن موضوع تأليف الحكومة، باستثناء التأكيد على استمرار تفاؤله.
الا ان زوّار الحريري نقلوا عنه تأكيده على ان الحكومة ستبصر النور من دون تحديد أي موعد لذلك، وشدّد هؤلاء على «أهمية ان تتشكل الحكومة بشكل جيد»، معتبرين ان الرئيس المكلف «يملك الكثير من الصبر وطول البال، وباستطاعته إيجاد الحلول للعقد الموجودة والعراقيل الموضوعة، من خلال حنكته السياسية وهدوئه الذي يتمتع به والرؤية التي يتبعها في هذه المرحلة رغم دقتها وحساسيتها».
اما أوساط «بيت الوسط» فأوضحت ان المشكلة باتت معروفة وهي عند الآخرين، وعلى رئيس الجمهورية إعادة تحريك خطوط التهدئة، لأن البلد بحاجة إلى حكومة، وهم (أي الآخرون) مسؤولون عن إيجاد مخرج وإعادة الأمور إلى نصاب الحوار السياسي الذي يصب في خانة التشكيل ويوفر الظروف الهادئة لاستئناف مفاوضات التأليف.
ودعت مصادر أخرى متابعة لمسار تشكيل الحكومة، الجميع إلى التنبه لما يتعرّض له البلد من صعوبات ومشاكل على الأصعدة كافة، إذ انه على «كف عفريت» بحسب تعبير المصادر التي اشارت إلى ان ما يصدر عن البعض من مواقف سياسية سلبية تجاه تشكيل الحكومة أمر غير بريء، وربما هو لإحراج الرئيس المكلف من أجل اخراجه.
لكن المصادر تؤكد ان الرئيس الحريري ليس في وارد الاستسلام للعقبات التي تعترض طريقه للتأليف، وتنصحه في حال استمر الوضع السياسي على ما عليه من سلبيات ولاءات ان يعمد إلى تشكيل حكومة مصغرة لا يتجاوز عددها الـ14 وزيراً، ومن غير الضروري ان تكون حكومة سياسية بالكامل.
بعبدا توضح
ويبدو ان كلام أوساط «بيت الوسط» لم يلق أصداء إيجابية لدى أوساط قصر بعبدا، التي سارعت إلى التأكيد بأن الرئيس عون حريص جدا على تسهيل مهمة الرئيس المكلف، وان اللقاءات التي عقدها، سواء مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، كانت بهدف خلق مناخ هادئ للمباشرة بمعالجة العقد في تأليف الحكومة، لكن ما حصل في أعقاب ذلك لا يتحمل هو مسؤوليته، وبالتالي فإن استهداف جهود رئيس الجمهورية ليس صائباً، خصوصا وان لا علاقة للعهد بما يجري على صعيد التشنج الحاصل بين «التيار» و«القوات»، لافتة إلى ان ما يهم الرئيس عون هو المصالحة المسيحية التي عبّر عنها في ورقة «اعلان النوايا» في الرابية.
وتوضح مصادر مطلعة لـ «اللواء» في هذا السياق أن الرئيس عون جاهز للبحث في ملف الحكومة في أي لحظة يكون فيها الرئيس المكلف على استعداد لذلك، وهو أي الرئيس عون حريص على الإسراع بتشكيل الحكومة. وتنفي أن يكون وضع سقفا زمنيا لها، مشيرة إلى أن المهلة الحالية لا تزال ضمن المعقول قياسا لعملية تشكيل الحكومات في لبنان مع العلم أنه تخللها عطلة عيد الفطر واجازات للمسؤولين. وترى انه لا بد من الإسراع في إدارة محركات الحكومة وبقوة وهذا ما سيكون موضع بحث بين الرئيسين عون والحريري. 
وتشير المصادر إلى ما من شيء في الأفق يوحي بوجود حلحلة عملية للعقد الثلاث. وتتحدث المصادر نفسها عن وجود جهات ربما تملك مصلحة في أن تروج أن الأمور غير قابلة للحل في الشأن الحكومي كما أن هناك جهات ربما غير راغبة في قيام الحكومة اصلا.
وبالنسبة لما تردّد عن اللجوء إلى حكومة مصغرة، أكدت المصادر ان هذا الأمر، مستبعد لأنه بعد الانتخابات يجب أن تأتي حكومة لتعكس التمثيل الذي افرزته هذه الانتخابات وبالتالي فإن الحكومة موسعة وسياسية وليست تكنوقراط بدليل أن كل كتلة تنادي بحصتها، كما تستبعد هذه المصادر أن يكون أي فريق باستثناء اللقاء الديمقراطي قد اتخذ قرارا بتسمية وزرائه في الحكومة العتيدة، بمن فيهم تسمية الرئيس عون لوزرائه ولاسيما نائب رئيس الحكومة والذي لم يحسم بعد.
برّي: نحو سابقة تاريخية
في المقابل، نقل زوار رئيس المجلس نبيه بري عنه انه يفكر جدّيا بدعوة هيئة المجلس لعقد جلسة الاسبوع المقبل لانتخاب مطبخ المجلس من اللجان النيابية، ما يشير الى انه يعتقد ان تشكيل الحكومة دونه بعض التأخير، وانه لن ينتظر مزيداً من التلكؤ اكثر مما انتظر ولا بد من اطلاق عمل المجلس النيابي عبر انتخاب المطبخ التشريعي. 
واشار زوار بري امس، الى انه منزعج جداً من تأخير تشكيل الحكومة لانه لا يجد له مبررا كافيا ومقنعا، خاصة مع تردي الوضع الاقتصادي للدولة وللمواطن، ومع اتساع التوتر الاقليمي في المنطقة.
وأفادت قناة «المنار» نقلا عن مصادر عين التينة ان الرئيس برّي سينتظر 48 ساعة قبل الدعوة إلى جلسة لمجلس النواب لانتخاب اللجان النيابية، وبعدها سيدعو برّي إلى جلسة ثانية ستشكل سابقة في تاريخ الحياة السياسية في لبنان لمناقشة الوضع العام في البلاد.
واعتبرت المصادر ان إعلان برّي عن الخطوتين هو لحث الجميع للإسراع في تشكيل الحكومة وبقصد الاسهام في تخفيف التوتر على الساحة الحكومية، والحد من مقولة غياب عمل السلطة التشريعية، وليس قصده صب الزيت على نار التأليف، من خلال ما يُمكن ان يشاع من ان عقد جلسة عامة لمناقشة الوضع، قد ينسحب إلى احتمال سحب التكليف من الرئيس المكلف، بحسب ما سبق للنائب جميل السيّد ان لوح بعريضة نيابية يوقعها 64 نائباً يُمكن ان تؤدي لهذا الغرض، مع العلم ان المجلس اليوم، وبفعل استقالة الحكومة هو في عقد استثنائي حكمي ويستطيع الانعقاد ساعة يشاء.
وكان الرئيس برّي التقى أمس، في أوّل نشاط له في عين التينة بعد عودته من اجازته الإيطالية، وفدا من تكتل نواب بعلبك- الهرمل غاب عنه النائب السيّد رغم انه عضو في التكتل، ونقل عنه الوفد انه قلق من تأخير تشكيل الحكومة.
ولفت الوزير حسين الحاج حسن، إلى ان حركة «امل» وحزب الله، هما أكثر فريق سهل ويسهّل تشكيل الحكومة، واقل فريق لديه مطالب.
وقال: «نحن نساعد ونحن لسنا في موقف المتفرج، ونساعد دائما ما نستطيع عليه ،وأملنا كبير بأن تشكل الحكومة في أسرع وقت».
وحول ما يقال ان تأليف الحكومة مرتبط بأمور اقليمية وان هناك بعض المطالب من ايران وحزب الله قال :«من يقول ذلك ربما حضر فيلما من إخراج سيىء».
جنبلاط يرد على باسيل
والتقى برّي أيضاً النائب السابق غازي العريضي موفدا من جنبلاط، من دون ان يدلي بأي تصريح، لكن كان لافتا للانتباه، ردّ جنبلاط على الكلام الذي قاله رئيس التيار العوني الوزير جبران باسيل، بعد اجتماعه بوزيرة التجارة الخارجية والتعاون الهولندية سيغرد كاغ التي جالت ايضا على الرؤساء الثلاثة، حيث حذر باسيل من ان الوضع الاقتصادي على وشك الانهيار، بفعل وجود اعداد كبيرة من النازحين السوريين، فقال جنبلاط، على موقع «تويتر» «كفى الاستهتار بعقول الناس بأن الاقتصاد اللبناني قد ينهار نتيجة وجود المشردين السوريين، اوقفوا تلك المتاجرة ​العنصرية​ الرخيصة، وكأن الانهيار مطلوب لاضعاف لبنان وافقاره وجعله لقمة سائغة بلا اية مناعة بعد تسليم درعا للنظام»، اضاف قائلا «اوقفوا البوارج التركية السبب المركزي للعجز في ​الموازنة​».
«القوات» و«التيار»
وعلى صعيد العلاقة بين «التيار الوطني» والقوات»، لم تحمل الساعات التي أعقبت عودة الوزير باسيل إلى بيروت أي جديد على هذا المستوى، باستثناء تأكيد رئيس «القوات» انه ما زال متمسكاً بأخر الحبال التي تمنع سقوط «تفاهم معراب»، مؤكدا انه يزال أقصى الممكن لإعادة تركيب الأمور، متحدثا عن إشارات إيجابية تلقاها من باسيل، وربما ان يعقد المعلومات التي ترددت بأن باسيل طلب من أمين سر «تكتل لبنان القوي» النائب إبراهيم كنعان التواصل مع وزير الإعلام ملحم رياشي لإعادة تحريك خطوط الحوار مع «القوات».
الا ان كنعان أبلغ L.B.C انه كان ولا يزال مكلفاً بالتواصل مع «القوات» وهذا الأمر لم ينقطع اصلاً.
وتحدثت مصادر متابعة عن ان المستوى الذي بلغه التأزم بين الطرفين بات يتطلب الكثير من الجهد، حتى لجمع جعجع - باسيل كما تمنى الرئيس عون اثر زيارة رئيس «القوات» إلى بعبدا، ذلك ان مكان عقد اللقاء يُشكّل في حدّ ذاته إشكالية، الا ان أفق المصالحة المأمولة لا يبدو مقفلاً بالكامل، خصوصاً مع عودة التهدئة إلى نبرة اعلام الحزبين، علماً ان الوكالة نفسها اشارت إلى ان باسيل سيغادر بيروت مجدداً خلال الساعات المقبلة، ما يُؤكّد معلومات محطة «الجديد»، من ان باسيل سيكون اليوم في روسيا لمتابعة مباريات كأس العالم في كرة القدم، ولا سيما المباراة النهائية التي ستقام الأحد المقبل.
واليوم يلتقي النائب كنعان والوزير رياشي ثم يتوجهان معاً إلى بكركي.
على صعيد متصل، أكد نائب رئيس ​مجلس النواب​ ​ايلي الفرزلي​ أن «مجلس النواب يستطيع سحب الثقة من الرئيس المكلف لتشكيل ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ في حال بقي الباب مسدوداً أمام التأليف»، موضحا انه «حتى لو سحبت الثقة من الرئيس المكلف ​تشكيل الحكومة​ سيتم اعادة تسميته»، معتبرا ان «بعض الطروحات حول تشكيل الحكومة تؤدي إلى إلغاء دور مجلس النواب»، مشيرا الى ان «تأليف حكومة اكثرية هو أحد الحلول للخروج من تأخر الحريري في التأليف»، مشددا على انه «يجب أن تكون الطوائف في ​لبنان​ ممثلة في الحكومة بصورة عادلة وبنسبية في داخلها».