بطل الرواية طالبٌ نجيب يعدّ لرسالة الدكتوراه عن تاريخ «حكم بوسوييه»، فيرشده أستاذه في الجامعة إلى زميل له يدعى السيد فلوش، ويقيم في قرية نائية في ضواحي «بون ليفيك»، وفي قصر كبير، ليتولّى مَدّه بوثائق هامة لأطروحته.
خيبة الأمل
يذهب البطل ليقيم عند السيّد فلوش بضعة أيام للدراسة، حيث يقيم الأخير مع زوجته وأختها وزوج أختها، ويعقد صداقة مع حفيده واسمه كازيمير، ولكنّ المَلل يداهمه بين العجائز هناك، ومن دون أيّ سلوى أو ترفيه، فيصاب بخيبة الأمل، ويقرّر أن يعود إلى العاصمة متذرّعاً بطارئ بَاغته، ولكنه يعدل عن رأيه في اللحظة الأخيرة عندما تقع عيناه على صورة والدة كازيمير التي كان يعتقد أنها ماتت.
يكتشف أنّ الأم، واسمها ايزابيل، قد نُبِذَت من الأسرة لأنها وقعت في غرام رجل فقير وكادت تفرّ معه بعيداً، ولكنّ موته حال بينها وبين تنفيذ مبتغاها بعد أن يقتله حارس القصر ببندقيته، فتطرد من القصر وهي حامل بطفله، وتسلّمه لاحقاً لأهلها للاعتناء به ورعايته لقصر ذات اليد.
يتعاطَف البطل مع ايزابيل، ويبقى ساهراً طوال الليل ليبصرها في زياراتها الليلية لترى أمها وخالتها والمقيمين في القصر من دون أن يراها والدها الحاقد عليها.
يبني لها وهماً يكرّسه في خياله صورة لازوردية تحكي رحلة امرأة عاشت في وجع لامتناهٍ، ولم تلقَ العدلَ أو السلام من حولها، وحرمت من طفلها وأهلها.
خدمات الجسد
يتأوّه البطل غراماً بإيزابيل ويرسم آماله على حدود مملكتها، إلى أن يأتي اليوم وبعد عودته بشهور إلى المدينة وقلبه حافلٌ بمراسم العشق اللامحدود، فيعلم من خلال رسالة من الطفل كازيمير بوفاة والديّ أمه وبأنّ القصر سيُباع في المزاد العلني، فيهرع إلى القرية التي أمسكت فيها تلابيب الحب بشغاف قلبه، ليفاجأ بخيبات عنيفة، فقد أقرّت له إيزابيل التي لم تتعرّف إليه لأنها لم تلمحه سابقاً خلال إقامته في القصر وكانت تتستّر بحجاب الظلمة بأنها من أوعزَت لحارس القصر بقتل عشيقها ووالد طفلها لأنها بَدّلت رأيها في الفرار معه وشاءت أن تتخلّص منه، وأنها امرأة هشّة، تعرض خدمات جسدها لمَن تجد في صحبته مأرباً تحققه أو أطماعاً تنشدها. وقد كانت في تلك الأيام في صحبة مدير القصر، وما لبثت لاحقاً أن فرّت مع حوذي القصر ناسية بأنّها أم وبأنّ طفلها يحتاج إليها. يقوم البطل بشراء القصر، والإبقاء على الخدم لرعاية الطفل كازمير وخالة أمه العجوز.
حبكة خيالية
الحبكة خيالية تكاد تقارب الجنون عندما يسلّط الكاتب المجهر على حبّ نشأ من مجرّد صورة، مؤطّرة بالشغف والحنان والبراءة، صنع منها البطل تمثالاً بذل من أجله القداسة الصوفية العشقية، ثم انكسرت تلك الصورة إلى أشلاء متناثرة بالخيبة والجنون ودفعه التسامي الميلودرامي الى أن يرتقي الى العطاء اللامتناهي.
الحوار الكلاسيكي يطغى على السرد الذي يتهدّل تارة وينتعش تارة أخرى، في تسلسلٍ لامنطقي في خلوات من التأمل الماورائي، في الطبيعة والإنسان والجمال.
الإنسدادات التي تتصدّى للنهاية تقابلها مفاجأة بإشراقات من نوع آخر، كتَقبّل البطل لحقيقة الوهم الذي نسجه خياله، وانجلاء الحقيقة وتَقبّله لها بشراء القصر والعناية بطفل محبوبته إيزابيل ومن ثمّ اقترانه بامرأة أخرى بعد أن نسي ذلك الشغف المُضني.
أندريه جيد حائز جائزة نوبل، وقد تميّز بالنزعة الثورية في كتاباته، ولكنه فاجأنا برواية من طراز جديد على مخيلته لقّبها «إيزابيل»، وأطلق عليها سهام الخيبات التي تصطدم بالآمال الواعدة لتفرّقها ثم تجمع شتاتها في رحلة أخرى مع أمل جديد لغدٍ قادم.