الخطاب الذي يعلو، في أوساط سياسية ونخب أردنية، باتجاه إغلاق الحدود مع شمال سورية، ومنع اللاجئين من الدخول إلى المملكة، يعكس ضيقاً من أزمة اللاجئين السوريين في الأردن. هذا الضيق الذي يقدِّر أعدادَهم بمليون وثلاثمئة ألف نسمة، وأنهم يضغطون على موارد البلد الفقير أصلاً والمتخم بالمصائب. لكن التصريحات، تعكس، من جهة أخرى، نمواً لخطاب انغلاقي يتماثل مع خطاب ترامب وخطابات زعماء أوروبيين ذوي نزعات شوفينية، ويمثلون أحزاب اليمين، فيغلقون بلا رأفة الحدود أمام لاجئين ليس لهم إلا دخول تلك البلدان أو الموت.
ويلزم التذكير، كلَّ حين، أنّ المأساة السورية لم يصنعها هؤلاء اللاجئون الذين لا ذنب لهم سوى ابتلائهم بجزّار يُدعى بشار الأسد سام شعبه سوء العذاب، وتواطأ معه زعماء وجدوا في المحرقة السورية فرصة ذهبية لتقاسم النفوذ والسيطرة على موارد البلد، وجعل الحرب مناسبة لازدهار سوق السلاح في البلاد الصناعية الكبرى، التي نظرت إلى ما يجري في سورية بعين التاجر اللئيم، والسياسي البراغماتي الذي يتعامل مع الأخلاق بوصفها رقماً في حسابات الربح والخسارة!
الأردن واقع بين فكَّي كماشة. فقد فاقم لجوء السوريين إليه عبر سنوات الحرب، من أزمته الاقتصادية، (مع أنّ هناك خبراء مرموقين يعتقدون أنّ الوجود السوري في الأردن أثرى الاقتصاد ونشّطه)، وذهبت وعود البلدان المانحة، كما جرى في مؤتمر لندن للمانحين، أدراج الرياح، ولم تستفد المملكة من البلايين المنشودة، ولا من المنح والقروض الميسّرة، ما جعل استيعاب أعداد جديدة من اللاجئين العالقين في الجنوب السوري، وبخاصة في منطقة درعا على الحدود الأردنية، تعميقاً للابتلاء الأردني، وإثخاناً لجروح البلد النازفة.
أعداد اللاجئين على الحدود الشمالية للأردن تزايدت في أعقاب القصف المتوحش لقوات نظام الأسد بمعاونة الطائرات الروسية، ما خلق حالة ذعر غير مسبوقة في أوساط السكان الذين لجأوا هاربين بأرواحهم، طلباً للنجاة، بعد أن أدى القصف بالبراميل المتفجرة إلى قتل المئات، وتوقف أكثر من خمسة مستشفيات عن الخدمة منذ بداية التصعيد في الجنوب، بحيث أضحت سورية «المكان الأسوأ في التاريخ الحديث في ما يتعلق بالاعتداءات على القطاع الصحي»، وفق ما قالت الأمم المتحدة في أيار(مايو) الماضي، مشيرة إلى أنّ «المنشآت الطبية المستهدفة في الأشهر الأربعة الأولى فقط من العام 2018، أكثر مما شهده العام 2017 بالكامل».
السوريون العالقون في مواجهة الأقدار المجهولة التي تفوح منها رائحة الحرائق ودخان القنابل، أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فإما أن تنجح الأمم المتحدة، بمعاونة دول القرار الضاغطة، في كبح جماح عنف النظام، الذي استعاد فحولته بمعاونة روسية وإيرانية وميليشاوية متعدّدة المنابت والأصول، وتوفير مناطق آمنة لهؤلاء المنكوبين، أو أن يفتح الأردن حدوده، ويقيم مخيمات موقتة لهؤلاء تضمن لهم ولأطفالهم البقاء، ريثما ينجلي غبار المحرقة التي جعلت أجساد السوريين المعذبين في الأرض وقوداً لها.
الحق الأول هو للحياة. فلا حق يعلو على ذلك. ذلك هو مبدأ إنساني وأخلاقي لا يتعيّن على أحد تجاوزه أو إزدراءه، تحت أية ذريعة. فقلد قال المثل المتداول في أغلب اللغات الحية «أنقذني من الغرق ثم لُمني». وهذا هو حال السوريين الذين يفترشون الأرض المحروقة، ويلتحفون السماء المثقوبة بالبراميل المتفجرة. ومن حق هؤلاء أن يحظوا بلحظة أمان، حتى لو كانت لحظة مرهقة لإخوانهم في دول الجوار مما فاض كيلهم أو يكاد. وهذه مناسبة للأردن كي يؤكد وجهه الإنساني، ويكشف عن صدره المثخن بالسهام والحِراب، ويواصل دوره النبيل الذي صاغه عنف التاريخ ومأساة الجغرافيا!