عمد رئيس الجمهورية الى فتح ابواب مكتبه على التوالي امام رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والزعيم الدرزي وليد جنبلاط بهدف تثبيت هدنة سياسية تؤدي الى ترسيخ مناخ ايجابي يتيح لمفاوضات مثمرة، لكن بعد ساعات انهار كل شيء واشتعلت المواجهات على حريق اوراق اتفاق معراب.
وانطلاقاً من المواجهات السياسية الضارية التي حصلت يرجح العديد من القوى السياسية أن تطول مرحلة تشكيل الحكومة. ذلك أنّ المطلوب الآن هو العمل على اعادة تثبيت الهدنة السياسية والتي سيعمل عليها الرئيس سعد الحريري بعد عودته من اجازته العائلية والانطلاق بعد ذلك لفتح ابواب المفاوضات.
لكنّ فريقاً آخر محسوباً على رئاسة الجمهورية لا يبدو متشائماً الى هذا الحدّ، لا بل يعتقد أنّ النزاع الحاصل أدّى الى اتّضاح الرؤيا والحدود السياسية لكل الاطراف ما يجعل المفاوضات اوضح واسرع واكثر قابلية للخروج بنتائج عملية.
وفي الاطار عينه يقول مصدر رفيع في «التيار الوطني الحر»: «اتّفاق معراب اصبح من الماضي ولا عودة اليه. يمكننا التفاعل مع القوات داخل حكومة واحدة ووفق معايير واضحة، وربما فتح الابواب امام صياغة اتّفاق جديد اكثر وضوحاً والتزاماً».
والفريق المتفائل لا يبني حساباته على التمنيات فقط بل على معطيات تسمح له بذلك ولو جزئياً. فالعقدة الحكومية المسيحية كانت قد حُلّت بنسبة كبيرة، وعلى قاعدة اربعة وزراء لـ»القوات» لا تلحظ أيّ حقيبة سيادية ولا نيابة رئاسة الحكومة، بل حقيبة اساسية هي العدل ووزارة دولة اضافة الى حقيبتين عاديّتين.
لكنّ «القوات» وعلى رغم أنها أوحت بعدم اعتراضها على هذا السقف في نهاية الامر حاولت تحسين حصتها لناحيتين:
الاولى، حصولها على حقيبة اساسية ثانية الى جانب العدل عملاً بمبدأ التعويض عليها لخسارتها حقيبة سيادية، وهذا ما يرفضه «التيار الوطني الحر» على اساس أنّ حصة الفريق المسيحي ثلاث حقائب اساسية من اصل ستة وهو ما يعني عدم جواز منح القوات حقيبتين اساسيتين.
الثانية، حصولها على حقيبة رابعة بدل وزارة الدولة، وهو ما يرفضه الوزير جبران باسيل على اساس انه في هذه الحالة سيكون نصيب «التيار» ثلاث وزارات دولة نظراً لأنّ تيار «المردة» والممثل بمقعد وزاري واحد سيحظى بحقيبة.
وفي هذا الاطار قال باسيل للحريري إنه اذا اراد معادلة وزارة الدولة لـ»القوات» بحقيبة من حصة «المستقبل» فلا مانع لديه.
في كل الاحوال يبدو أنّ ما تبقى من العقدة المسيحية بين «التيار» و»القوات» قابل لأن يشكّل مشكلةً مستعصية، لكنّ المشكلة الفعلية هي في جوّ الحرب السياسية الدائرة.
وعلى المستوى الدرزي ثمّة حلول مطروحة للوزير الدرزي الثالث، كمثل أن يقترح جنبلاط ثلاثة اسماء وينتقي ارسلان واحداً منها.
أما العقدة السنّية فمن المخارج المطروحة أن يتولّى رئيس الجمهورية اختيار الوزير السنّي بما يلائم الوضع في مقابل منح الحريري مقعداً مسيحياً من حصة عون، ذلك أنّ الحريري متمسّكٌ بحصة الستة وزراء أيّاً يكن الوضع.
لكنّ معادلة تشكيل الحكومة لا تقف هنا، فهنالك حسابات مخفيّة وأكثر حساسية. هنالك حسابات الثلث المعطل وتقسيم الحكومة الى ثلاثة أثلاث وهو الذي يتحكّم عملياً وفعلياً في موضوع الحصص والأحجام.
ثلث أوّل لـ«التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية، وثلث ثانٍ للشيعة والدروز والمردة، وثلث أخير لـ«المستقبل» و«القوات».
واستطراداً منح «التيار الوطني الحر» الارجحية المطلقة من خلال تحالفه مع «حزب الله» لدى طرح الملفات الكبرى، أو حتى من خلال تفاهمه مع تيار «المستقبل» لدى طرح ملفات من طبيعة اقتصادية.
لكنّ الجديد أنّ الحريري سيكون مختلفاً بنسخته الجديدة. يقال إنّ تباعداً جدّياً وحساسية واضحة بدأت تصيب علاقة الحريري بباسيل، وإنّ الحريري سيفاجئ وزراء «التيار الوطني الحر» في مقاربته الجديدة للكثير من الملفات ومنها مثلاً ملف الكهرباء، وإنه حتى سيترأس الكثير من الجلسات الحكومية في السراي الحكومي، ولو أنه سيحرص على عدم استفزاز رئيس الجمهورية والحرص على علاقة جيدة معه.
وفي الحسابات وربما الرهانات أنّ الوقت يعمل لغير صالح رئيس الجمهورية، وأنّ هذا العامل يوظفه أخصام «التيار الوطني الحر» لصالحهم. فالحريري هو رئيس حكومة تصريف اعمال ورئيس مكلف بتشكيل الحكومة من دون لحظ مهلة زمنية لتكليفه، ما يعني أنه قادر على الانتظار طويلاً في موقعه الحالي.
وجنبلاط وجعجع على السواء يستندان الى تمسّك الحريري بعدم تشكيل الحكومة من دونهما انسجاماً مع التمنّي السعودي على الحريري بأن لا حكومة امر واقع. وحده عون يحسب للوقت المهدور من عهده وللتآكل الذي يولده الانتظار والمراوحة وتصريف الأعمال عوض اتّخاذ القرارات.
وخلال الايام الماضية حاول البعض إقحامَ عواصم كبرى (واشنطن وباريس) في المساعدة لإنجاز ولادة الحكومة. وجاءت هذه المحاولة استناداً للمهام المطلوبة من الحكومة والتي لحظتها التفاهمات غير المعلنة لمؤتمر «سيدر»، لناحية توصيات البنك الدولي بإجراء إصلاحات جذرية وسريعة وتطهير الفساد والفاسدين، واتّخاذ قرارات تؤمّن رفع مدخول الدولة من خلال رفع الرسوم على الكهرباء والمحروقات ورفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة.
لكن العواصم الغربية رفضت التجاوب لأنها أولاً تدرك أنّ هامش «الدلع» اللبناني محكوم بخطر الانهيار المالي وإعلان إفلاس الدولة اللبنانية وهو خطر اصبح داخل الدار اللبنانية، وثانياً لأنها لا تريد إلزامَ نفسها بـ»حمايات» للحكومة أو ضمانات من جانبها.
فالعواصم الغربية تدرك أنّ أمام هذه الحكومة ملفّين لهما حساسية عالية واحد يتعلق بإعادة النازحين السوريين وثانٍ يتعلق بتواصل وتنسيق حكومي مباشر لبناني – سوري وزيارات خصوصاً مع إمساك الجيش السوري للمعبر البري مع الأردن وهو الذي يعيد فتح باب التصدير البري للمنتوجات اللبنانية وبالتالي ينعش اقتصاداً «مترنّحاً»، ولكن مقابل ثمن سياسي تطلبه دمشق ولا يتوافق ربما مع التوقيت الإقليمي للساعة الاميركية.