ما طبيعة العقد التي تحيط بملف تأليف الحكومة؟ هل هي مسيحية تتصل «بتفاهم معراب» ومآله الوخيم، وبسرعة قياسية انتهت مفاعيله بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، أم بالعقدة الدرزية، أم بعقدة تمثيل سنة 8 آذار، أم تكتل النائب السابق سليمان فرنجية الذي يطالب بوزيرين؟
المعلومات تتحدث عن ان المشكلة خارجية أكثر منها داخلية، وهي تتصل اساساً بموقع لبنان ودوره في مرحلة إعادة بناء مواقع النفوذ الإقليمي والدولي، على بعد مسافة أسبوع على قمّة هلسيكي بين الجبارين الأميركي والروسي..
الأوساط القريبة من الرئيس سعد الحريري، استبقت عودته بوصف عقد تأليف الحكومة بالسياسية وبالاحجام، والجنوح التمثيلي للقوى المتصارعة على نقاط ومسائل تتعدّى الشأن الوزاري بحدّ ذاته..
ولم تخف هذه الأوساط اعتقادها بأن المهمة الملحة للرئيس المكلف غداة عودته هي الاجتماع مع الرئيس ميشال عون والبحث في كيفية تبريد الأجواء، والانصراف من ثم إلى مقاربة جديدة، وفقاً لمعايير معتمدة لوضع مسودة جديدة للتأليف الحكومي.
ولدى الرئيس المكلف في السراي الكبير سلسلة مواعيد اليوم على ان تشمل لقاءاته الملف الحكومي، لا سيما بعد عودة الوزير باسيل من اجازته أيضاً.
ولئن كان من المتوقع ان يلتئم شمل المعنيين بالتأليف، بالعودة إلى البلاد، من اجازات الاستجمام واللقاءات العائلية، البعيدة عن الصخب السياسي وهموم السياسة اللبنانية القاتلة، فإن مصدراً نيابياً في 8 آذار لا يتوقع، رداً على سؤال «اللواء»، حدوث اختراق يذكر على الصعيد الحكومي.
«جرعة أوكسجين»
إلى ذلك، يفترض ان تعطي عودة الرئيس برّي إلى مزاولة نشاطه اليوم، بعد عودته من اجازته العائلية، جرعة من الاوكسجين في الجسد السياسي اللبناني المثخن بالجراح، نتيجة الصراعات والخلافات على الاحجام والحصص والتمثيل في الحكومة، فيما مشاورات أو بالاصح «مفاوضات» تأليف الحكومة من غير المنتظر ان تتحرك قبل عودة الرئيس الحريري من اجازته العائلية خلال الساعات المقبلة، إضافة إلى رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، والذي كشفت معلومات أمس انه لن يعود إلى بيروت قبل انتهاء مباريات نهائي «المونديال» يوم الأحد المقبل، إذ انه بحسب ما كشفت محطة «الجديد»، سينتقل غداً الثلاثاء من إيطاليا إلى روسيا لمتابعة مباريات «المونديال»، بدعوة من أحد رجال الأعمال.
وأوضحت مصادر على صلة بعملية تشكيل الحكومة، انه مع عودة الرئيس الحريري من اجازته سيجدد اتصالات تأليف الحكومة، وتبريد الأجواء كما فعل سابقاً.
وقالت ان الحريري سيعمل مع رئيس الجمهورية على حلحلة العقد التي باتت سياسية بإمتياز ولا علاقة لها بعملية تشكيل الحكومة، بل هي بين قوى متصارعة على عدد من الأمور، في إشارة إلى النزاع القائم بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية».
ولم تستبعد المصادر ان يُطلق الحريري حركة ناشطة باتجاه كل الأطراف، وقد يتقدّم بصيغة جديدة لتشكيل الحكومة، تحدثت بعض المصادر المتابعة، عن انها قد تكون عشرينية لتخفيف مطالب القوى السياسية، إذا وافقت الأطراف السياسية المعنية عليها، والا يعود الحديث عن صيغة ثلاثينية يريدها الجميع، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية، رغم ان هذه الصيغة تعني بقاء عقد التمثيل المسيحي والدرزي والسني من خارج «تيار المستقبل» على حالها.
وقالت مصادر قريبة من «بيت الوسط» ان الرئيس الحريري مصر على تشكيل الحكومة في أقرب وقت وانها ترى ان الأمور ما تزال في وقتها الطبيعي، لكن ذلك لا يعني الاستمرار في المراوحة، وبالتالي فإن الرئيس المكلف الذي لا يمكن ان يتنازل عن صلاحياته سيتخذ الموقف المناسب ويعلن عن الحكومة في الوقت المناسب، استناداً إلى ما يقوله الدستور بعيداً عن كل الأعراف التي يحاولون فرضها عليه.
لقاء برّي - الحريري
وتوقعت المصادر إياها، ان يعقد اجتماع على مستوى من الأهمية، خلال اليومين المقبلين بين الرئيسين برّي والحريري في عين التينة، يكون عنوانه التشاور في ما حصل ويحصل من تطورات سواء على صعيد عملية تأليف الحكومة، أو على صعيد الصراعات التي انفجرت بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، والتي كان من أبرز تداعياتها سقوط «تفاهم معراب» بالضربة القاضية، وبالتالي البحث عن تأثيرات سقوط الاتفاق على العهد والواقع المسيحي برمته وعلى عملية تشكيل الحكومة.
وقالت ان الرئيس الحريري سيضع برّي في طبيعة الجهود التي قام بها في غيابه لتبريد الأجواء السياسية تمهيداً لتأليف الحكومة في أجواء هادئة، وانه لهذه الغاية طلب من الرئيس ميشال عون ان يُصار إلى «غسل قلوب» بينه وبين كل من رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، الا ان اللقاءين اللذين بادر الرئيس عون إلى تحقيقهما لم يؤديا الغاية المنشودة، على الرغم من انهما كانا ايجابيين، وبدلاً من ان تحقق خارطة الطريق التي اتفق عليها عون وجعجع إلى «كسر الجليد» بين الأخير والوزير باسيل، انفجر الخلاف بينهما على نطاق واسع، كان من ضحاياه سقوط «تفاهم معراب»، عبر تسريبه إلى الإعلام من قبل الطرفين معاً.
اتفاق محاصصة
والسؤال الذي يفترض ان يكون الطرفان مسؤولين عن إيجاد الجواب عليه، هو: هل يُمكن إعادة الحياة إلى اتفاق معراب؟ وكيف؟ ومن هي الجهة أو الطرف الثالث الذي يُمكن ان يدخل على خط رأب الصدع بينهما؟ وبالتالي ما هو تأثير سقوط التفاهم على مشاركة «القوات» في الحكومة؟
مبدئياً، لا يوجد طرف ثالث له مصلحة في تفاهم المسيحيين، غير البطريركية المارونية التي طالما لعبت دورا في تقريب المسافات وتوحيد الصف المسيحي، علما ان الكشف عن «تفاهم معراب» ترك ردود فعل سلبية لدى القوى المسيحية الأخرى وتحديدا حزب الكتائب وتيار «المردة» والتي رأت في اتفاق «القوات» و«التيار» إلغاء لهذه القوى وضربا للتنوع الذي يُشكّل ميزة هذا البلد، بحسب ما رأى عضو «التكتل الوطني» النائب طوني فرنجية، بعد اجتماع لهذا التكتل في بنشعي، كما انه يكرّس بشكل فادح مبدأ المحاصصة من دون مراعاة للكفاءة، وبحسب فرنجية نفسه الذي اعرب عن اسفه لما قرأه في اتفاق معراب، قائلاً: «هناك مثل يقول: (كلما جن خصمك افرح له)».
وفي المعلومات ان البطريرك الماروني بشارة الراعي سيبادر فور عودته من روما ظهر اليوم إلى دعوة ممثلين (نواب أو وزراء) من طرفي التفاهم إلى الاجتماع في بكركي لترطيب الأجواء، ومحاولة معالجة ما حصل، مشيرة إلى ان بكركي لن ترضى عودة الأمور إلى مربعها الأوّل، وبالتالي عودة التشنج والاحتقان بين المسيحيين، مشددة على ان التنافس على خدمة الوطن والتعاون شيء ورفض الآخرين شيء آخر».
واللافت في هذا السياق، هو ما طرحته مصادر مسيحية قريبة من أجواء بعبدا لـ «اللواء» بالنسبة لمعالجة العلاقة المتشنجة بين «التيار» و«القوات» والتي قالت انها لا تملك تصورا في شأنها، لكنها لاحظت ان هناك مسألتين تحكمان مفهوم العلاقة بين الطرفين، وهما: «ورقة النوايا» التي أعلنت في الرابية والتي تُعزّز المصالحة المسيحية- المسيحية ولا خلاف حولها لأنها مسألة وطنية، و«تفاهم معراب» الذي يخضع لتجاذبات سياسية حينا ومن أجل التفاهم احيانا».
وأشارت إلى ان المصالحة المسيحية شيء وقد نتجت عن «ورقة النوايا» و«تفاهم معراب» وهو الشق السياسي من العلاقة، ومن الممكن ان نختلف في السياسة أو نتفق، لكن ذلك لا يؤثر على المصالحة التي لا عودة إلى الوراء فيها.
«هاشتاغ التخوين»
غير ان هذه المقاربة الرسمية لم تستطع ان تخفي ان انفجار الأزمة بين «التيار» و«القوات» يتمدد بسرعة باتجاه الشارع المسيحي، حيث اندلعت على منصات مواقع التواصل الاجتماعي حرب بلغت سقفا عاليا من التصعيد، واستخدمت فيها اقذع المصطلحات (على حدّ تعبير المؤسسة اللبنانية للارسال) بلغت حدّ التخوين، إذ نشط على «تويتر» «هاشتاغ»: «معراب- خانت لبنان» ليقابلها بسرعة «هاشتاغ»: «معراب- صانت لبنان»، الا ان هذه الحرب بقيت على مواقع التواصل، من دون ان تصل الى محطات التلفزة العائدة للطرفين، في إشارة شبه خجولة إلى إمكان عودة التوصّل بعد عودة باسيل من الخارج، بحسب ما توقعت مصادر قواتية لمحطة O.T.V التي لاحظت ان التيار اعتمد إزاء ما جرى صفة المتفرج فيما عدا بعض التعليقات العابرة أو غير المباشرة، عبر وسائل الإعلام وردود الفعل الشعبية عبر مواقع التواصل، فيما غاب أي موقف رسمي من التيار ومن العهد إزاء ما قامت به «القوات» من تسريب للتفاهم.
اما مصادر «حزب الله»، فقد كانت بدورها أكثر تشاؤماً، إذ توقعت ان لا يختلف الأسبوع الطالع عن سلفه بالنسبة إلى تأليف الحكومة، «فلا انفراجات متوقعة، بل توقعات بمزيد من التأزم مع إصرار بعض الاحجام على الانتفاخ والمقامرة، وسط غياب التصورات الواضحة للحل على خط الرئيس المكلف، وفق ما جاء في مقدمة النشرة المسائية لمحطة «المنار» التي شددت على ان الإجماع الوطني على سرعة التأليف أصبح حاجة ملحة، منعاً للاقتراب من ثقوب سوداء قد تبتلع البلد نحو مجهول اقتصادي واجتماعي لا عودة عنه، في ظل ترنح كل مسارات الإدارة اللبنانية عن مواكبة حاجات المواطنين وضرورات معيشتهم والتي كان أبرز معالمها وقف قبول طلبات القروض السكنية حتى اشعار آخر.
وأوضح المكتب الإعلامي للمؤسسة العامة للاسكان ان هذا الاجراء الذي اتخذه مجلس إدارة المؤسسة «جاء منعاً للاحراج والتدخلات والوساطات، بعدما لاقت بعض المصارف صعوبة في الموافقة على جميع طلبات القروض السكنية المستوفاة كامل شروط بروتوكول التعاون الموقع بين المؤسسة وجمعية المصارف، ولجوء أخرى إلى الاستنسابية في التعاطي مع المقترضين».