عاد رئيس مجلس النواب نبيه بري من زيارته الايطالية، وكانت أجواؤه تعكس انتظاراً لِما سيستجِدّ على خط التأليف، ليبني على الشيء مقتضاه كما يقول، ذلك انّ فترة الايام العشرة التي غابها عن لبنان، لم تبدّل في الواقع السلبي للتأليف، الذي تركه بري على هذه الصورة وعاد فوجد الصورة السلبية ذاتها.

مسودة جديدة؟
وينتظر ان تكتمل عودة المسافرين الاسبوع الحالي، بعودة الرئيس المكلّف سعد الحريري ايضاً في الساعات المقبلة، ربما اليوم او غداً. وسبقت عودته تأكيد لقاءين سيعقدهما مع كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب، كذلك سبقته إشارات لم تتأكد بأنه سيقدّم لرئيس الجمهورية مسودة جديدة لحكومته الثلاثينية، ووفق معايير تمثيلية يمكن ان تحظى بتوافق الاطراف حولها.


مصادر رئاسية اكدت لـ«الجمهورية» انّ إمكانية اللقاء بين الرئيسين عون والحريري طبيعية وواردة في اي وقت، لكن في ما خصّ اللقاء المقبل بينهما، وبصرف النظر عن موعد حصوله، لا معطيات في القصر الجمهوري حول ما يمكن ان يطرحه الرئيس المكلّف. والصورة نفسها في عين التينة، حيث ينتظر الرئيس بري عودة الحريري وما سيطرحه عليه ليبني على الشيء مقتضاه.


ولفتت المصادر الى أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه لن يطول، ولا بد من خطوة ما ستتخذ في وقت قريب بانتظار ان يكتمل حضور المسؤولين وبدء الاتصالات التي سيستأنفها رئيس الجمهورية في الوقت المناسب، من دون الكشف عن ماهية هذه الإتصالات ومضمونها.

بري: جلسة مناقشة
وقال بري أمام زواره: وضع البلد ليس على ما يرام، وسبق ان حذّرت من الوضع الاقتصادي الصعب والسيئ، واقول مجدداً انه لا يجوز ان يستمر هذا الوضع على ما هو عليه، وعلى هذا السوء الذي وصلنا اليه.


اضاف: ماذا نستفيد ويستفيد البلد والناس من انهيار الوضع الاقتصادي، الوضع سيئ واكثر من سيئ، ولا بد من مواجهته بما يتطلّب، لا يجوز ابداً الهروب من المسؤولية. اقول ذلك للجميع من دون استثناء، واؤكد انه لا بد من العمل على تشكيل الحكومة بشكل سريع.


وذكّر بري «اننا من البداية قدّمنا كل تسهيل لتشكيل الحكومة، واعتقدنا في لحظة معينة انّ الجو كان لتأليف سريع للحكومة، لذلك بادرتُ الى تأجيل انتخابات اللجان النيابية الى ما بعد تشكيل الحكومة الذي افترضنا انه لن يكون بعيداً. ولكن الآن وكما يبدو، الأمور في مكانها. وأمام هذا الوضع أجدني اؤكد انه اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فسأبادر اولاً الى دعوة مجلس النواب الى عقد جلسة انتخابية عامة لانتخاب اللجان النيابية بما يكمل هيكلية المجلس الذي لا يجوز ابداً ان يبقى مشلولاً، واذا اقتضى الامر أدعو الى جلسة مناقشة عامة لكل هذا الوضع، الذي يطال بسلبياته كل شرائح المجتمع اللبناني، هذا الوضع برسم الجميع حكومة ومجلساً وكل القوى السياسية.


وحول المعايير التي يفترض أن تتّبَع في تأليف الحكومة، قال بري: لا اريد ان ادخل في التفاصيل، ولكن يجب ان تكون المقاييس واحدة على الجميع. وعمّا يتردد عن دور ما للخارج في تعطيل تأليف الحكومة، قال بري: لا علم لي، ولا اريد ان اتكلم بشيء لا أملك ما يؤكده.

ما دون الصفر
على انّ هذه الاشارات غير المؤكدة حول إمكان تقديم الحريري لمسودة حكومية جديدة، تسقط على واقع حكومي مقفل بالكامل، والاجواء الطاغية على مطبخ التأليف تؤكد انّ الامور عادت الى ما قبل المربّع الاول.


وعلى ما يقول احد المشاركين الاساسيين في حركة الاتصالات على الخطوط السياسية كلّها: «انّ ما ورد على لسان مراجع رئاسية وسياسية عن نيّات جديّة لكسر حلقة العقد، وبالتالي التعجيل بتوليد الحكومة خلال فترة القصيرة التي تلي عودة الرئيسين بري والحريري من الخارج، هو كلام مجاف للواقع، وعبارة عن شيك بلا رصيد، خصوصاً ان الامور، وعلى الرغم من الصخب السياسي والاعلامي الذي رافقها منذ تكليف الحريري وحتى اليوم، لم تشهد تقدماً ولو قيد أنملة، بل بالعكس تراجعت الى ما دون نقطة الصفر».

أزمة خماسية
هذه الصورة السلبية تفتح الباب على مزيد من الوقت الضائع والتأخير، لا بل هي مرشحة الى مزيد من التعقيد، خصوصا مع تزايد حلقات مسلسل الازمات التي تتوالد على خط التأليف.

وبحسب الاجواء التي استخلصتها «الجمهورية» من مطبخ التأليف، فإنّ الأزمة الخماسية، وفق ما يلي:

الصلاحيات
أزمة الصلاحيات التي أطلّت برأسها من بعبدا وبيت الوسط، واثارت في اجواء الطرفين علامات استفهام حول من هو صاحب الصلاحية في تشكيل الحكومة.


اللافت في هذا الامر انّ الرئاستين الاولى والثالثة تحرصان على نفي وجود هذه الازمة، لكنّ مطّلعين عن كثب على أجواء الرئاستين يؤكدون انّ خط العلاقة بين عون والحريري ساخن، بالتوازي مع سخونة متزايدة في العلاقة بين الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، بحيث انتفَت الحميمية التي كانت عليها في السابق، بل على ما يقول عارفون انها اصبحت من الماضي.


وزاد من سخونة العلاقة بين عون الحريري، الكلام الاخير لرئيس الجمهورية حول انّ له رأياً في الحكومة ولا يكتفي فقط بتوقيع مرسوم تشكيلها. هذا الكلام سقط ثقيلاً على الوسط السني بشكل عام. وسبقته السخونة الاكبر التي سبّبها البيان الرئاسي الاخير، والذي تتمسّك به رئاسة الجمهورية، برغم انه أثار امتعاض الحريري، وحرّك اجتماع رؤساء الحكومات السابقين في وجه الرئاسة الاولى من باب الصلاحيات. وهو الامر الذي أثار بدوره امتعاض الرئاسة الاولى، التي اعتبر مقرّبون انّ الاجتماع موجّه ضد رئيس الجمهورية.

أزمة أحجام
ثانياً، أزمة الاحجام، والتي تجلّت بأقسى تعبيراتها في المعركة السياسية القاسية الدائرة بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية». ويبدو انّ هذه الأزمة مفتوحة لهذه الناحية، وخصوصاً بعدما دلّ نشر مضمون «تفاهم معراب» لجهة المناصفة وما الى ذلك. وبحسب أجواء الطرفين، فإنّ الامور بينهما بلغت نقطة اللّاعودة وانتهت الى خواتيم سلبية، مع تفاعل مضطرد لعناصر الازمة التي انطلقت مع رفض التيار التقيّد بمضمون «تفاهم معراب» لجهة المناصفة، والإصرار على تمثيل متواضع لـ«القوات» في الحكومة، وهو الأمر الذي ترفضه القوات وتواجهه بضرورة ترجمة نتائج الانتخابات، ويماشيها بذلك الرئيس الحريري.

«التيّار الحر»
وقال مصدر رفيع في «التيار الوطني الحر»: «إتفاق معراب اصبح من الماضي ولا عودة إليه. يمكننا التفاعل مع القوات داخل حكومة واحدة ووفق معايير واضحة، وربما فتح الابواب امام صياغة اتفاق جديد اكثر وضوحاً والتزاماً».


واضاف المصدر: «إننا من حيث المبدأ لا ننكر على احد حق التمثيل في الحكومة، لكن ما يجب ان يحصل هو ان يتم احترام قواعد التأليف، وخصوصاً احترام الأحجام، وهناك نتائج انتخابات نيابية يجب ان تحترم».

«القوات»
بدورها، قالت مصادر القوات لـ«الجمهورية»: «نحن بانتظار عودة الرئيس المكلّف لإعادة إطلاق عملية التأليف، نحن كنّا اول من تجاوَب مع مبادرة الرئيس المكلّف للتهدئة السياسية من اجل ان تكون المفاوضات دائرة في مناخ هادىء، وايضاً تجاوَبنا مع مبادرة رئيس الجمهورية بالذهاب الى مفاوضات سياسية مع الوزير جبران باسيل لحَلحلة التباين القائم حول موضوع الحكومة».


اضافت المصادر: «نأمل ان يشهد هذا الاسبوع تحريكاً لهذه المفاوضات بزَخم من قبل الرئيس المكلّف بدعم من قبل رئيس الجمهورية، ونحن من جهتنا منفتحون على اي حوار سياسي من ضمن ثوابتنا. الردود التي قمنا بها على الحملات التي شُنّت علينا كانت في سبيل تأكيد ان هناك حملة تضليلية على موقفنا، أكان على مستوى اتهامنا بأننا ضد العهد، والقصد من هذا الامر هو تشويه الموقف السياسي الحقيقي، وهدفه المباشر التنَصّل من «تفاهم معراب». نحن مع العهد ولم نكن ابداً في اي لحظة ضده، وإلّا لكنّا تَموضعنا في موقع سياسي مختلف».


واذ اكدت المصادر تأييد «القوات» للعهد، لفتت الى انه اذا ما استمر هذا التضليل فسنكون مضطرّين الى مواصلة مواجهته، نحن على مواقفنا السياسية، كنّا وما زلنا داعمين اساسيين لهذه المرحلة السياسية باستقرارها وتوازناتها، ونأمل ان يصار الى تشكيل حكومة في اقرب وقت ممكن لمواجهة التحديات على اكثر من مستوى. والأهم في التشكيل ان ياخذ في الاعتبار التوازنات التي افرزتها الانتخابات النيابية. نحن لا توجد لدينا اي مشكلة اذا ما قرروا عدم الالتزام بالتفاهم، فليُجروا الحسابات على قاعدة عدم الالتزام، وفي حال ارادوا الالتزام بالتفاهم فليُجروا الحسابات على اساس ما تم الاتفاق عليه في التفاهم».

«الثنائي الشيعي»
ثالثاً، أزمة المعايير المتناقضة. ولقد كشفت مصادر الثنائي الشيعي لـ«الجمهورية» انّ هذه المسألة تكاد تقترب من أن تكون «أم العقد» على خط التأليف، إذ يبدو هناك من يَستسهِل الدخول في لعبة فاشلة وخاسرة سلفاً. منذ فترة حاولنا ان نلفت انتباه من «يخَبّص» في الصحن الحكومي، ويقارب ملف التأليف بطريقة تعكس «فَجع» فئة معيّنة واندفاعها لأن تستحوذ على كل شيء تقريباً ونَفخ أحجامها الوزارية على غير حقيقتها الشعبية والنيابية، وفي الوقت نفسه تنطلق في حراك التأليف بما يمكن تسميتها «معايير بسمنة ومعايير بزيت»، وكأنّ هناك طرفاً إبن ست وطرفاً إبن جارية، فهنا يعتمدون معيار وزير لكل 4 نواب، وهناك وبلا اي سبب يعتمدون معيار وزير لكل 3 نواب، وفي مكان آخر يعتمدون وزيراً لكل نائبين، إضافة الى فتح باب التمثيل في الحكومة لفئات معينة وإغلاقه امام فئات أخرى ومن دون سبب، رغم انّ لها وجوداً تمثيلياً وازِناً في مجلس النواب.


وقالت المصادر: هذا الامر غير مقبول، ويجب ان يتوقف «التخبيص» الذي اذا ما استمر سيدفعنا الى كلام آخر وتصرّف آخر. لقد سبق وأطلق الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إشارة تحذيرية بضرورة اعتماد المعيار الموحّد، ثم استكمل هذا التحذير بشكل اكثر صراحة ووضوحاً وحدّة على لسان المعاون السياسي للرئيس بري الوزير علي حسن خليل. الذي قال: نحن لنا أكثر بكثير ممّا قبلنا به في الحكومة، لم نرفع الأسقف لأننا ظننّا انّ المعنيين بالتأليف لديهم الحس الوطني لمواجهة التحديات، لكن العقلية التي يُدار بها ملف تشكيل الحكومة لا توحي بالثقة، ونكرر ما قاله الرئيس بري: «لقد قدّمنا ما علينا، ولا تجعلونا نعيد الحسابات ونطرح الموضوع على أساس القواعد التي وضعتموها».

خليل
ورداً على سؤال، قال خليل لـ«الجمهورية»: قلنا هذا الكلام ونؤكد عليه، لا نستطيع ان نبقى مكتوفي الايدي حيال ما يحصل. وبالتالي، يجب ان يتم تصويب الامور وتحريكها في الاتجاه الصحيح الذي يولد الحكومة الجديدة في أقرب وقت ممكن، ووفق معايير واضحة وواحدة على الجميع.

سنّة المعارضة
رابعاً، أزمة تمثيل سنّة المعارضة، خصوصاً انها عالقة بين رفض الرئيس المكلّف توزير ايّ من هؤلاء، وحصر التمثيل السني في الحكومة بمَن يسمّيهم الحريري، وبين إصرار في المقابل على تمثيل سنّة المعارضة، ولا سيما من قبل «حزب الله»، الذي أبلغ مطبخ التأليف، طلباً مُلحّاً بهذا المعنى.


هذه الأزمة، هي واحدة من العقد المُستعصية حتى الآن، ولا مؤشرات حول مخارج أو حلول وسطى حيالها. وبحسب مقرّبين من الحريري فإنّ الرئيس المكلّف حسم موقفه في البداية بأن لا تمثيل لهؤلاء، ولن يسير بأيّ مطلب من هذا النوع، خصوصاً انّ هؤلاء النواب، الذين لا يدخل ضمنهم الرئيس نجيب ميقاتي ولا النائبان اسامة سعد وفؤاد مخزومي، ليسوا تكتلاً نيابياً مستقلاً، بل لقاء سياسي لا اكثر ولا اقل، وبعضهم ينتمي الى كتل نيابية ستتمثّل في الحكومة، مثل عضو كتلة الرئيس نبيه بري النائب قاسم هاشم، وعضو كتلة «حزب الله» النائب الوليد سكرية.

«حزب الله» يصرّ
وفيما أكد النائب جهاد الصمد لـ«الجمهورية» حق النواب السنّة بالتمثيل في الحكومة، تِبعاً لحيثياتهم التي أكدتها الانتخابات النيابية، قالت مصادر قريبة من «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «انّ الحزب أبلغ موقفه من وجوب تمثيل سنّة المعارضة في الحكومة الى كل من المعنيين المباشرين في تأليف الحكومة. فهذا الامر يصرّ عليه الحزب، وقد طرحه لا ليتراجع عنه. وهذا ما ينبغي أن يحصل». واعتبرت «انّ القول إنّ هؤلاء ليسوا ضمن كتلة نيابية موحدة، هو كلام غير مقنع، خصوصاً انّ مثل التمثيل المطلوب لهؤلاء يعتمد مع كتل اخرى. وذكّرت المصادر بما قاله السيد حسن نصرالله حول انّ تشكيل حكومة وحدة وطنية يوجِب تمثيل الجميع، وكان حريصاً على ان يأتي على ذِكر تمثيل العلويين والسريان، الّا انه تَقصّد تَرك موضوع سنة المعارضة لوقته، علماً انّ نصرالله هو اكثر تشدداً بعنوان تمثيل سنة المعارضة من اي عنوان آخر».

الأزمة الدرزية
خامساً، أزمة التمثيل الدرزي، لم تحسم بعد، وهي من شقّين: الأول يتصل بحجم تمثيل الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يملك كتلة من 9 نواب، إذ ما زال التجاذب قائماً حول ما اذا كانت حصة الاشتراكي وزيرين او 3. وامّا الشق الثاني فيتعلّق بحصر التمثيل الدرزي بالاشتراكي، المقبول من قبل الرئيس المكلّف والمرفوض من قبل التيار. وبحسب المعلومات فإنّ الأمر لم يحسم بعد، الّا انّ مصادر في الحزب الاشتراكي اكدت لـ«الجمهورية» انّ الحزب يعتبر انّ هذه المسألة قد انتهت وتجاوَزناها، ويستحيل ان يخرج التمثيل الدرزي في الحكومة عن دائرة وليد جنبلاط. فما يَسري عليهم يَسري على الجميع، ولا يوجد هناك طرف إبن ست وطرف إبن جارية، كل الناس مِتل بعضها.

المشنوق: طعنَني المستقبل
في سياق آخر، وبعد صمت طويل عن الكلام أعقب الانتخابات النيابية، كشف وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ«الجمهورية» أنه تلقى «طعنة من ماكينة «تيار المستقبل» في الانتخابات، مُعترفاً أنه كاد أن يخسر مقعده النيابي.


وعلى خط علاقته التي شابَها التوتر مع الرئيس سعد الحريري في الآونة الاخيرة، أوضَح: «الخلاف الشخصي انتهى مع الحريري، والخلاف السياسي انتهى بمعظمه».


وقال انه بعدما قرّر أن يأخذ إجازة طويلة، سيتخذ قراره بالبقاء تحت سقف «تيار المستقبل» أو الإنفصال، ليُكمل مساره السياسي كشخصية حريرية مستقلة، مؤكداً: «سأتّخذ قراري بكل رويّة وهدوء. لن أستعجل، الأهمّ أنه تمّ سَحب فتيل الخلاف الشخصي مع الرئيس الحريري». مشدداً على أنه «لن يخرج من «الحريرية السياسية» إلّا اذا استُبعِدت». وأكد أنه «لن يتّخذ قراراً في أي اتجاه من دون التشاور مع الحريري»