أولاً: معاوية وعمرو بن العاص...
لم يكن معاوية بن أبي سفيان في تنازعه على خلافة المسلمين مع الإمام عليّ بن أبي طالب يطلب غير المجد والشهرة والخلافة والإمرة، قال ذلك في أول خطبةٍ له بعد تنازل الإمام الحسن بن عليّ عن الخلافة له: "لم أُقاتلُكم لتُصلّوا، إنّكم لتفعلون، ولا لتصوموا، إنّكم لتفعلون، إنّما قاتلتُكم لأتأمّر عليكم..." أمّا عمرو بن العاص (شريك معاوية في الحرب والسّلم) فلم يكن ذا حسبٍ أو نسب، وغالباً ما كان يُرمى من ناحية أُمّه، قال المنذر بن الجارود العبدي له: "أيُّ رجُلٍ أنت لو لم تكن أُمُّك! ممّن هي؟ "قال عمرو: "لقد فكّرتُ فيها البارحة، فجعلتُ أنقلُها في قبائل العرب ، فما خطرت لي عبد القيس ببال." أمّا عبدالله بن عباس فقد أجابه عندما قال له : "مالك يا ابن عباس إذا رأيتني ولّيتني القصرة، وكان بين عينيك دبرة."قال: "لأنّك من اللّئام الفجرة! وقُريش البررة لا ينطقون بباطلٍ جهلوه، ولا يكتمون حقّاً علموه، وهم أعظم الناس أحلاماً، وأرفع الناس أعلاماً، دخلت في قريش ولست منها، فأنت السّاقطُ بين فراشين، لا في بني هاشم رحلُك، ولا في عبد شمس راحلتُك، فأنت الأثيم الزّنيم، الضالُّ المُضّل، حملك معاوية على رقاب الناس،فأنت تسطو بحلمه، وتسمو بكرمه."
وكان معاوية على علمٍ كما ذكر سفيان بن عُيينة، بأن لن يتمّ له أمر إن لم يبايعهُ عمرو بن العاص، فقال له: "يا عمرو، اتّبعني، قال: لماذا، للآخرة، فوالله ما معك آخرة؛ أم للدُّنيا؟ فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها! "قال معاوية: "فأنت شريكي فيها. "قال: "فاكتُب لي مصر وكورها،" فكتب له مصر وكورها، وكتب في آخر الكتاب: " وعلى عمرو السّمع والطاعة. "فقال عمرو: "إنّ السمع والطاعة لا ينقُصان من شرطه شيئاً. "قال معاوية: "لا ينظر الناس إلى هذا. "قال عمرو: "حتى تكتُب، فكتب."
إقرأ أيضا : على أبواب الليوجرغا اللبنانية
ثانيا: الرئيس ميشال عون والوزير باسيل...
لطالما كانت سيرة الرئيس ميشال عون شبيهة بسيرة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان (من أعظم وأشهر خلفاء الحقبتين الأموية والعباسية) ، فقد طلب الرئاسة مذ كان ظلاً ً للرئيس الراحل بشير الجميل، وعندما آلت إليه رئاسة حكومة انتقالية بتراء عسكرية بعد خُلو سُدّة الرئاسة الأولى عام 1989 خاض حروباً عبثية في سبيل تثبيت شرعيته، تارةً مع القوات اللبنانية، وطوراً مع قوات الوصاية السورية، حتى انتهى به المطاف منفياً في فرنسا، ليعود بعد خمسة عشر عاماً حاملاً لواء رفع الغبن عن المسيحيين، باعتباره أحد أبرز قادتهم "الأقوياء"، واستطاع خلال فترة زمنية قصيرة من بناء زعامة شعبية وتيار سياسي فاعل في الوسط المسيحي، ليلمع بجانبه صهره الوزير جبران باسيل، والذي تُشبه سيرته سيرة الصحابي عمرو بن العاص، في دهائه ومكره وألاعيبه السياسية، والتي يجزم البعض بأنّ الجنرال عون لم تكن لتطأ قدماه قصر بعبدا لولا تفاهمات باسيل واختراقاته للقوات اللبنانية أولاً ومن ثمّ لتيار المستقبل، كانت سيرة ابن العاص مع معاوية جني مكاسب الخلافة، وها هي سيرة باسيل مع عمّه فخامة الرئيس تتركّز على حصد المناصب والمواقع التي تُمطر ذهباً وجاهاً وسُلطة وزعامة، فلم يشغل باسيل منصباً وزارياً إلاّ وخلّف وراءه جُملةً من الارتكابات والتجاوزات، لعلّ أخطرها التّجييش الطائفي، ومنع أبناء الطوائف المغايرة لطائفته (مع اشتراكهم معه في المواطنة) من حقوقهم المكتسبة فيمنع توظيفهم بموجب المباراة والكفاءة بحجّة التوازن الطائفي المفقود، وذلك خلافاً للقانون والدستور والعُرف، مع أنّه لا يتورع (مع غيره من رجالات المحاصصة من سائر الطوائف) من حشو الأزلام والأتباع والمناصرين في دهاليز الإدارة والمؤسسات العامة بلا حسيبٍ أو رقيب.ومع ذلك إذا سأله سائل عن مسألة سياسية أو وطنية عابرة وظرفية، راح يُعدّد فضائله ومآثرهُ ومعاركه الحامية والنضالية بجانب عمّه الجنرال، لينتهي بإعطاء دروس في زُهده وعفافه ونيله وإقدامه.
قال عبدالملك بن مروان: "أفضل الرجال من تواضع عن رفعة، وزهد عن قُدرة، وأنصف عن قُوّة."