ما نظنه عارا على صاحبه وأنه سيعجّل بنهاية ظلمه وفجوره وجنونه، هو نفسه ما يتعمّد النظام الإيراني نشر أخباره والترويج له، لأنه هو الذي يكسب به قوته. والأوروبيون الذين كثيرا ما انتظرنا ديمقراطيتهم وسلامهم وعدالتهم لتعاقب القاتل وتنصف المقتول تبيّن لنا أن ضمائرهم، حين يجدّ الجد، مع الظالم وضد المظلوم، ومع السارق وضد المسروق، والشرف لديهم لا قياس له إلا بما يدخل في جيوبهم من مال.
مناسبة هذا الحديث أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، وهو في طريقه لإقناع أوروبا بوقوفها إلى جانب نظام وليه الفقيه في مواجهة أميركا، هدّد بمنع شحنات النفط من الدول المجاورة إذا استجابت دول العالم، وفي مقدمتها أوروبا، لطلب الولايات المتحدة بعدم شراء النفط الإيراني.
في نفس اليوم، سارع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ليبارك تهديدات روحاني. ثم انضم قائد آخر في الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة المهددين بمنع مرور شحنات النفط في مضيق هرمز بالخليج العربي. فقد أعلن العميد إسماعيل كوثري نائب قائد قاعدة (ثار الله) التابعة للحرس الثوري، في مقابلة مع وكالة نادي المراسلين الشباب أن “إيران لن تسمح بمرور أي شحنة نفط في مضيق هرمز، إذا كانوا يريدون وقف صادرات النفط الإيراني”.
ولأن مواقف روسيا والصين معروفة مسبقا، باعتبار أنهما تبحثان عن أي فرصة لتعكير مزاج الأميركان، فقد توهمتا بأن هذا التهديد سيكون كافيا لجعل القادة الأوروبيين، بشكل خاص، يغلقون في وجه النظام الإيراني الباب ويرفضون الحديث معه، لأنه لا يستحق الثقة ولا الاحترام.
منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق النووي وعزمه إطلاق سلسة عقوبات جديدة على إيران، لم يوفر الأوروبيون جهدا من أجل الخروج من بين مطرقة ترامب وسندان علي خامنئي، بالعثور على حل وسط يمكن أن يرضي الطرفين، وهو أضعف الإيمان.
لكن، جاءهم حسن روحاني ليهددهم وهو في عقر دارهم. في خضم ذلك، فجّرت حكومة النمسا فضيحة جديدة من فضائح النظام الإيراني، عندما كشفت عن عملية إرهابية خطط لها وأشرف على تنفيذها الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي الذي كان ينوي تفجير اجتماع المعارضة الإيرانية في باريس.
ولكن يبدو أن الكرامة والعدالة والإنسانية لا تهم أحدا من قادة أوروبا، وأن المصالح والمنافع والمكاسب وحساب الربح والخسارة، فوق كل اعتبار، وأشرف من كل شرف، وأكرم من كل عدل وقانون. فقد وضعوا، أخيرا، أيديهم في أيدي الروس والصينيين، وأعلنوا أنهم مع النظام الإيراني في نزاعه مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، برغم كل ما كانوا يعرفونه سابقا، وما عرفوه لاحقا، عن سلوكه الإرهابي الذي كانوا هم من ضحاياه الأولين.
من بين 11 هدفا أعلن وزراء خارجية (روسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) عزمهم على تحقيقها، “استمرار صادرات الغاز والنفط الإيرانيين”، رغم أن إدارة ترامب طلبت من جميع الدول إيقاف وارداتها من النفط الإيراني، بحلول 4 نوفمبر المقبل، وهددت جميع الشركات التي ستتعامل مع إيران، بعد ذلك التاريخ، بشمولها بتلك العقوبات.
معنى هذا أن أي حكومة تستطيع أن تقتل، بالجملة وبالمفرق، وأن تغتصب، وتحرق وتفجر، وتنهب، ثم تجد لها من يقف معها ضد العدالة والحق والقانون، ويقتل معها أهل بيتها، وأهل بيوت جيرانها، مادامت شركاته ومصانعه ومؤسساته وخزائنه تريد ذلك، وإن كره الكارهون.
وكأن كل التاريخ الإرهابي الطويل ضد الأوروبيين والأميركيين، بشكل خاص، وضد الشعب الإيراني، وضد العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والفلسطينيين، ليس بذي قيمة لدى قادة الدول الكبرى، وإن جعجعوا كثيرا عن السلام والحرية والعدالة والمساواة.
دشن نظام الخميني مسيرته باقتحام السفارة الأميركية في العام 1979 واحتجاز موظفيها لمدة 444 يوما، بقيادة واحد أصبح في ما بعد رئيسا لجمهورية إيران، هو أحمدي نجاد.
في العام 1982 قامت مجموعة من حزب الله اللبناني (الإيراني) بخطف 96 مواطنا أجنبيا في لبنان، بينهم 25 أميركيا في ما يعرف بأزمة الرهائن التي استمرت عشر سنوات.
في العام 1983 تم تفجير السفارة الأميركية في بيروت من قبل حزب الله، وقتل في الحادث 63 شخصا في السفارة.
في العام 1983 أيضا قام الإيراني إسماعيل عسكري الذي ينتمي للحرس الثوري بتنفيذ عملية انتحارية في بيروت استهدفت مقر مشاة البحرية الأميركية، نجم عنها مقتل 241 شخصا، وجرح أكثر من 100 من أفراد البحرية والمدنيين الأميركيين.
في العام 1983 تم تفجير مقر القوات الفرنسية في بيروت من قبل حزب الله، بالتزامن مع تفجير مقر القوات الأميركية الذي نجم عنه مقتل 64 فرنسيا مدنيا وعسكريا.
في نفس العام أي 1983 قامت عناصر من حزب الله وحزب الدعوة بمجموعة هجمات طالت السفارة الأميركية والسفارة الفرنسية في الكويت ومصفاة للنفط إضافة إلى حي سكني نجم عنها مقتل 5 وجرح 8.
في 1983 تمكنت شاحنة محملة بـ45 أسطوانة كبيرة من الغاز متصلة بمتفجرات بلاستيكية من اقتحام البوابات الأمامية للسفارة الأميركية في مدينة الكويت، وهدمت نصف المبنى.
في العام 1988 تم اختطاف طائرة الجابرية من قبل مجندين من حزب الله اللبناني وحزب الدعوة العراقي، بأوامر من إيران، وكانت تقوم برحلة إلى الكويت قادمة من مطار بانكوك في تايلاند. واقتاد الخاطفون الطائرة إلى مطار مشهد في إيران وطالبوا بإطلاق سراح سجناء جنّدتهم إيران في الكويت، وتم اعتقالهم إثر تفجيرات استهدفت البنية التحتية لدولة الكويت إضافة إلى سفارتي فرنسا والولايات المتحدة.
في العام 1994 تورطت إيران في تفجيرات بوينس آيرس التي نجم عنها مقتل أكثر من 85 شخصا، وإصابة نحو 300 آخرين.
في العام 1996 تم تفجير أبراج سكنية في الخُبر من قبل (حزب الله الحجاز) التابع للنظام الإيراني، ونجم عنه مقتل 120 شخصا، من بينهم 19 من الجنسية الأميركية. وقد اعترف المواطن السعودي أحمد المغسل الذي تم القبض عليه في عام 2015 وفي حوزته جواز سفر إيراني بأن الذي أشرف على العملية الإرهابية هو الملحق العسكري الإيراني لدى البحرين آنذاك.
في العام 2003 اعتقلت الشرطة البريطانية هادي بور السفير الإيراني السابق في الأرجنتين بتهمة التآمر لتنفيذ هذا الهجوم.
في العام 2003 تورط النظام الإيراني بتفجيرات الرياض بأوامر من أحد زعامات القاعدة في إيران، وقد قتل فيها العديد من المواطنين السعوديين والمقيمين الأجانب، ومن بينهم أميركيون.
في العام 2011 أحبطت الولايات المتحدة الأميركية محاولة اغتيال السفير السعودي، وثبت تورط النظام الإيراني في تلك المحاولة، وكشفت المحكمة الاتحادية في نيويورك عن اسمي الشخصين الضالعين في المؤامرة، وهما منصور أرباب سيار، (وقد تم القبض عليه وسجن 25 عاما)، وغلام شكوري وهو ضابط في الحرس الثوري الإيراني متواجد في إيران، ومطلوب من القضاء الأميركي.
وهنا نتساءل، ألا يحق للعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والبحرينيين والفلسطينيين الذين أحرق خامنئي وأعوانه ومستشاروه قلوبهم وأراوحهم وأجسادهم، وخربوا بيوتهم ونهبوا أموالهم وجففوا أنهارهم وسمموا هواءهم وعطلوا حياتهم، أن يقولوا لزعماء أوروبا إن النظام الذي تعاونوه وتؤيدوه وتخوضون معه حروبه ضد شعبه وضدنا، ألم يأتكم رئيسه (المعتدل) (الإصلاحي) شحاذا وخنجره في حزامه؟ فمتى تعقلون؟