يبدو حزب الله الصامت الأكبر في ملف تشكيل الحكومة. يعتني الحزب بملفات أكثر أهمية، طالما أن التشكيلة لم تدخل بعد المفاوضات الجدية، وطالما أنه ثبّت ما يريده، وهو الثلث الضامن له ولحلفائه بمعزل عن التيار الوطني الحر. وحين يأتي وقت النقاش بالتفاصيل، يدخل على خطّ التفاوض. عدا عن ذلك، يهتم الحزب بملف اللاجئين وإعادتهم، وبمسألة ترسيم الحدود الجنوبية وضبط الحدود الشرقية مع سوريا. يقرأ الحزب مرحلة معقّدة في الإقليم، في ضوء العقوبات الأميركية على إيران والتي ستشمله بشكل أو بآخر.
حتى الآن، لم تتضح الرؤية الأميركية للتعاطي مع الملف اللبناني، لكن التوقعات تفيد بتشدد أميركي في المرحلة الآتية. تستند المعطيات إلى أن هناك فريقاً أميركياً جديداً بدأ التشكل لمتابعة الأمور في لبنان. لا تزال الأمور اللبنانية تدار أميركياً من فريق الرئيس السابق باراك أوباما. لكن المرحلة المقبلة ستحمل كثيراً من المتغيرات، بعد بلورة الموقف الأميركي في المنطقة تجاه إيران في لبنان. إذ لم يترجم هذا الموقف في لبنان بشكل مغاير لما كان سابقاً. هذا التأخر يحصل بسبب تعدد الأولويات وعدم تحديد الاهداف بعد. ولكن المعلومات تؤكد أن التغييرات ستحصل في المرحلة المقبلة، وهناك دبلوماسيون يستعدون للمجيء إلى لبنان والالتحاق بالسفارة. ويصل الحديث إلى حدّ الكلام عن تغيير السفيرة اليزابيت ريتشارد التي قد شارفت ولايتها في لبنان على الانتهاء.
هذه التغييرات ستنعكس بشكل أو بآخر على الوضع اللبناني. سيكون هناك تشدد أميركي مع الملف اللبناني باعتباره ساحة إيرانية متقدمة. وسيكون لذلك انعكاسات على القرارات والإجراءات والعقوبات، بالإضافة إلى موضوع ضبط الحدود. التحول السياسي والمنطق التشددي سيترجمان عبر هذه الإجراءات وليس غيرها أو العودة إلى مراحل سابقة من الإنقسام بين فريقين لبنانيين لم تجد نفعاً.
يقرأ حزب الله هذه التحولات، ولذلك هو يحاول استباق أي محاولة من هذا النوع، عبر تحصين نفسه بين لبنان وسوريا، والإمساك بأكثر من ملف، ليس أولها ملف اللاجئين السوريين ولن يكون آخرها، إلى جانب إصراره على التدخل أكثر في الشؤون التفصيلية اليومية.
قبل نحو شهر، وعلى إثر الضربة الإسرائيلية التي استهدفت أكثر من عشرة مواقع إيرانية في سوريا، والتي لم يردّ عليها الإيرانيون، حصلت مفاوضات غير مباشرة إسرائيلية إيرانية وبرعاية أردنية. وهناك من يشير إلى أن هذه اللقاءات أرست نوعاً من التفاهم بين الطرفين. وبعدها يبدو واضحاً أن الضربات الإسرائيلية توقفت على المواقع الإيرانية في سوريا. ولم يظهر الإسرائيليون شراسة كما في السابق في مواجهة الإيرانيين، خصوصاً في ظل مشاركتهم في معركة الجنوب السوري، علماً أن ذلك تزامن مع موقف افيغدور ليبرمان اللافت عن عدم وجود قواعد عسكرية إيرانية في جنوب سوريا.
عليه، يبقى الأمر معلّقاً على ما تستطيع طهران تحقيقه في المفاوضات غير المباشرة، وفي الجولات المكوكية لمسؤوليها بين أصقاع العالم. كل هذه المساعي تصبّ في خانة تعزيز الأوراق وحماية الدور الإيراني وحلفاء طهران في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله. هذا ما يقرأه الحزب جيداً، ويعمل على بلورته في طروحات متعددة، سياسية وغير سياسية، تبقيه اللاعب الأقوى والأكثر حظوة في الملفات والقرارات اللبنانية.