لم تكن معركة خُسرت، بل هي حرب خُتمت . الزعم أن الثورة في سوريا مستمرة، وهي لن تنتهي قبل زوال النظام ، لم يعد يثير غير الشفقة. حسمت روسيا الصراع ، بعدما دخلت في الاسابيع الثلاثة الماضية في سباق محموم مع الزمن، حتى فرضت إرادتها وشروطها بالقوة العسكرية المدمرة، وباتت جاهزة لاستثمار هذا النصر النهائي وجني الغنائم.
طوال سبع سنوات، كانت الجبهة الجنوبية، هي المعيار الاهم للثورة السورية. هناك بدأت الثورة، وهناك أُخمدت. لم يبق منها الان سوى جيوب معزولة، ونفوس ضالة او مضللة، وأفكار ضائعة..وشتات يتوزع على مسافات بعيدة عن "حضن الوطن" ونبضه، ولا يمكن أن يفتح أي أفق لأي حل سياسي، بمعزل عن الانتداب الروسي الذي حاز في الايام القليلة الماضية على شرعية دولية (وعربية طبعا) لم يسبق لها مثيل.
منذ ان وضع الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما سوريا في عهدة الروس قبل ثلاثة أعوام، كان واضحاً ان الأزمة دخلت في طورها الختامي. كانت الفرصة لكي تسترد روسيا مكانتها الدولية ، ولكي تستعرض آلتها العسكرية، التي شملت إستخدام الصواريخ العابرة للقارات، ولكي تسد فراغاً أميركياً فرضته خسارة حرب العراق. لم تكن الوديعة السورية مغرية أصلاً. ولا كان العرب في وارد التمرد على القرار الاميركي والتنفيذ الروسي.
من الآن فصاعدا من حق روسيا ان تفاخر بإنجازها السوري الهائل، والسهل نسبياً، والذي لم يكلفها الكثير من الدماء والاموال، ولن يثقل كاهلها بعبء أخلاقي إضافي، نتيجة المذابح التي أرتكبتها بحق المدنيين السوريين، والتي لا تزال أعداد ضحاياها أدنى من عدد الضحايا الشيشانيين مثلاً .. كما لا تزال ردود الفعل العالمية على ما فعله الجيش الروسي في الشيشان في تسعينات القرن الماضي ، أقوى بكثير مما صدر في مختلف أنحاء العالم رداً على حرق حلب او تدمير الغوطة او تحطيم درعا.
كانت درعا المثال الاخير على أن سوريا قُدمت كهدية على طبق من فضة، الى الروس، الذين إنهوا عصيانها بسرعة قياسية، ومن دون الحاجة الى الكثير من الغارات الجوية والصاروخية. فقد جاءهم الضوء الأخضر ، وقبل ان تتحرك وحداتهم صوب الجنوب السوري، من مختلف الدول والعواصم والمؤسسات التي ناشدتهم هذه المرة الرأفة بالمدنيين، لكي لا يتحولوا الى تهديد للأردن أو إسرائيل.
أسدل الروس الستار على الحرب السورية. وشرعوا على الفور في توسيع عمليات التنقيب عن النفط والغاز والفوسفات وفي تحديد عقود التسليح المطلوبة للجيش السوري وفي توزيع بقية الصفقات التجارية، لكي يتمكن الرئيس فلاديمير بوتين من أن يعلن في خطاب النصر المرتقب خلال فترة وجيزة، أنه خاض حرباً رابحة على جميع المستويات.. بخلاف نظرائه الاميركيين الذين خرجوا من حرب العراق بخسائر بشرية ومادية وسياسية ضخمة.
ولعل هذا هو مدخل الحديث الذي سيجريه بوتين مع نظيره الاميركي دونالد ترامب لدى إجتماعهما في هلسنكي الاسبوع المقبل. المرجح أن ترامب لن يتردد في تهنئة نظيره الروسي على براعته وقدرته على تحقيق هذا المكسب السوري شبه المجاني، وسيوصيه خيراً بإسرائيل، وسيسأله عما هو فاعل مع إيران، وما إذا كان قادراً على إدارة الصراع اللاحق بين هذه الحليفين الوثيقين لموسكو. أما خاتمة الحديث، فهي، حسب المعلومات الموثوقة المتداولة في واشنطن، أن ترامب سيبلغ بوتين بأنه عازم على المضي قدماً في تنفيذ قراره بسحب القوات الاميركية من سوريا قبل نهاية العام الحالي.
عندها يمكن ان يتباهى بوتين مجدداً أن حقق لروسيا نصراً شيشانياً جديداً، لا يختلف في شكله وفي جوهره، الا في بعض التفاصيل الصغيرة ، مثل كبح إيران ومليشياتها، وضبط إسرائيل ومغامراتها ، وتطمين تركيا وتطلعاتها.. وإقناع الرئيس بشار الاسد أن يسمح لمعارضيه ان يطيحوا به في صناديق الاقتراع الرئاسية بعد ثلاثة أعوام!