الاختراق الإلكتروني الكبير الذي كشفته «الأخبار» في عددها، أمس، كان موضع اهتمام سياسي وأمني كبير في الساعات الماضية. لسان حال المراجع الأمنية هو التكتم أو النفي، لكن مرجعاً رسمياً واسع الإطلاع أكد لـ«الأخبار» أن وضع اليد على منفذي «الهجوم الإلكتروني» غير المسبوق، استوجب قراراً سياسياً كبيراً، وتحديداً الحصول على تغطية من رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري، الأمر الذي أتاح لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي التحرك بسرعة، خصوصاً أن أحد أبرز الموقوفين حتى الآن محسوب على رئيس مجلس إدارة أحد المصارف اللبنانية البارزة.

السؤال الأول أمام المحققين هل أن هذا المصرفي البارز هو الذي وظّف هؤلاء القراصنة من أجل جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الأمنية وغير الأمنية أم أن هؤلاء كانوا يعملون لمصلحة جهات أخرى، وإذا صح هذا الاحتمال أم ذاك، ما هي الغاية من جمع المعلومات ولمن كانت تصل، سواء في الداخل أم في الخارج؟
حتى الآن، ثمة مؤشرات على عدم خضوع فرع المعلومات للضغوط التي تمارس عليه من أجل إطلاق الموقوف الرئيسي المشتبه به ويدعى (خ. ص.)، خصوصاً أن رئيس الجمهورية لم يفتح الباب أمام من راجعوه في الأمر، الأمر الذي جعل أحد المسؤولين الأمنيين يتوقع بأن لا تتوقف العملية «بل ستكبر وعسى أن يتم توقيف رؤوس كبيرة».
وهذه العملية، وبحسب معطياتها الأولية، «تفوق بخطورتها ما كانت تقوم به المقدم سوزان الحاج في مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية، وهي تكشف مجدداً حجم الاختراق لا بل انكشاف مؤسسات الدولة الرسمية وأيضاً مؤسسات القطاع الخاص ومنها إحدى أكبر الشركات العاملة في قطاع الاتصالات» على حد تعبير المسؤول الأمني.
فقد كشفت التحقيقات الأمنية التي يُجريها فرع المعلومات أن رئيس مجلس إدارة أحد المصارف كان يُكلّف الموقوف (خ. ص.) الذي يدير شركة متخصصة بأمن المعلومات، بقرصنة عدد من مواقع الإدارات الرسمية والأجهزة الأمنية والشركات الخاصة. وكان الأخير يقوم بتزويده بالمعلومات المقرصنة، لكن لم يحدد لغاية الآن، الهدف من قرصنة هذه المعلومات ولمصلحة من سواء في الداخل أو في الخارج.


وكشفت التحقيقات أن (خ. ص.) الذي أوقف قبل ثلاثة أو أربعة أيام لم يعترف بعد، إلا أن موقوفاً ثانياً أقرّ أنه كان يقوم بعمليات القرصنة بناء لطلبه. وتردد أن رئيس مجلس إدارة المصرف المذكور قد دفع مبالغ ناهزت الخمسين ألف دولار للموقوف (خ. ص.) للقيام بعمليات قرصنة. وعلمت «الأخبار» أن الموقع الإلكتروني لقوى الأمن الداخلي كان من بين المواقع التي تعرضت للهجوم، حيث جرت قرصنة معلومات تتعلق بضباط وبمعطيات أمنية، ليتبين، بعد التحقيق، أن هذه المعلومات ما كان ينبغي أن تكون موجودة ضمن داتا الموقع المذكور. وأشارت مصادر معنية بالتحقيق إلى أن الفضيحة تتمثل في كون جميع مؤسسات الدولة الرسمية تفتقر إلى نُظم حماية تحول دون سرقة الداتا. وتنقل المصادر أن إحدى شركتي الهاتف الخلوي في لبنان تعرضت لاختراق كبير ما تسبب بقرصنة كبيرة للداتا الموجودة لديها، على رغم أنها كانت قد بدّلت في الآونة الأخيرة الـ «software» الذي تعمل عليه.

التجنيس «قيد التنفيذ قريباً»
من جهة ثانية، توقع مرجع رسمي أن ينام مرسوم التجنيس الأخير المجمد في أدراج مجلس شورى الدولة، وأشار إلى أن القرار السياسي قد اتُّخذ بتنفيذ المرسوم وبالتالي لا عودة عنه. وبحسب المرجع نفسه، فإنّ المرسوم لا يُبطله سوى مرسوم آخر، وكشف أن الأسماء التي تزيد على أربعمئة والمشمولة في المرسوم ستحصل على بطاقة هوية لبنانية «في وقت قريب». وتحدث المرجع عن توجّه لدى رئيس الجمهورية ميشال عون لإصدار مراسيم دورية لمنح الجنسية لطالبيها (كل ثلاثة أو أربعة أشهر). وأكد أن ما قامت به المديرية العامة للأمن العام لجهة التدقيق بالأسماء «هو أمر استشاري ولكنه غير ملزم لرئيس الجمهورية ولا لرئيس الحكومة أو وزير الداخلية».

«حرب إلغاء سياسية» جديدة
حكومياً، تستمر الإجازة السياسية وإطفاء مولدات التأليف، لكن المستجد الأبرز هو اندلاع «حرب إلغاء سياسية» هذه المرة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، كان ضحيتها الأولى تفاهم معراب ومسار تأليف الحكومة الذي سيزداد تعقيداً هذه المرة.
في هذا السياق، شنّت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر حملة عنيفة على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وتساءلت عما «إذا كان داعماً للعهد أم لولي العهد» الأمير السعودي محمد بن سلمان.
المصادر وصفت جعجع بـ «الإلغائي» الذي «لا يمكن الاتفاق معه، ولا يمكنه الالتزام بأي اتفاق، ويمارس الاغتيال الجسدي في الحرب، والاغتيال السياسي في السلم». وقالت لـ«الأخبار» على هامش نشر وثيقة «تفاهم معراب» (راجع الصفحتين 4 و5) إن النشر «جاء بعد سنة ونصف سنة من سكوتنا على خروقات» القوات اللبنانية للتفاهم. وأضافت أن الوثيقة «تبيّن أولاً أن سمير جعجع بلا مبادئ. فهو في مقابل حصة لم يرضَ إلا بورقة موقّعة. وهو أول من خرق مبدأ السرية عندما بدأ التلويح منذ ستة أشهر بنشر التفاهم». ولفتت إلى أن التفاهم «أساسه سياسي وينص على أننا كتلة واحدة. لكنهم في الواقع لم يقاتلوا غيرنا في الحكومة السابقة. اتفقنا على احترام المكوّن السني الأقوى لدى اختيار رئيس الحكومة، فخرق ذلك بالدور الذي لعبه في أزمة الرئيس سعد الحريري في السعودية في 4 تشرين الأول الماضي. كما اتفقنا على التحالف في الانتخابات النيابية ثم رفض ذلك».
وفي ما يتعلق بزعم القوات اللبنانية الاتفاق مع التيار الوطني الحر على اقتسام التعيينات الإدارية، لفتت المصادر إلى أن الوثيقة أشارت إلى «الاتفاق بين الطرفين» على توزيع مراكز الفئة الأولى في الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة ومجالس الإدارة العائدة للمسيحيين، «ولم تشر إلى المناصفة في هذا الشأن»، مشيرة إلى إصرار القوات على تعيينات مجلس إدارة تلفزيون لبنان «علماً أن ذلك عرفاً من حصة رئيس الجمهورية». وخلصت إلى أن جعجع «يريد إلغاء الجميع كما عندما حاول في الحكومة السابقة الحؤول دون مشاركة المردة ورفض مشاركة الكتائب... وعندما تبقى وحدك معه يحاول أكلك. يريد اليوم رفع حصته من الوزراء منّا قبل أن ينقلب علينا»