يستمر مصير التأليف الحكومي في مهب تعقيدات متنوعة يزيدها تعقيداً التشنّج السياسي الذي ترتفع حدّته وتجعله سيّد الموقف، ولكن ثمة شبه إجماع على أنّ محركات التأليف تنتظر عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من إجازته، وكذلك تنتظر التزام الجميع التهدئة السياسية، وخصوصاً على جبهة «التيار الوطني الحر»ـ «القوات اللبنانية» التي تشهد تبادلاً بالاتهامات، في ضوء نشر ما سمّي البنود السرية لـ«إتفاق معراب».

وفي خضمّ كل العراقيل والعقد المستحكمة بعملية التأليف، ترتسم في الافق اسئلة عدة أبرزها: هل سيبادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى وضع يده على الخلاف بين الفريقين المسيحيين بغية حسم الامور؟ وما هو موقف الحريري؟ وكيف سيواكب الواقع المستجدّ؟ وما هي الخطوات التي سيتخذها؟

هل سيرى نفسه قادراً على القيام بشيء؟ وكيف سيتعاطى رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل مع المرحلة المقبلة بعد كل ما جرى بينه وبين «القوات»؟ وكيف سيتعاطى رئيس حزب «القوات» سمير جعجع بعد كشف مضمون «تفاهم معراب» السرّي؟ وإذا تمّ التوصّل الى التهدئة مجدداً، هل سيتم التزامها هذه المرة؟ أم ستبقى المراوحة في التأليف عنوان المرحلة حتى إشعار آخر، في حال الفشل؟ كلها أسئلة، تبقى التطورات المرتقبة في الايام المقبلة هي الكفيلة بالإجابة عنها.

«الحزب»

وفيما الخلاف بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» مستعراً، إتجهت الانظار الى «حزب الله» وما يمكن ان يؤديه من دور انهاء هذا الخلاف، وقالت مصادر قريبة منه لـ«الجمهورية»: «إنه خلاف بين تيارين سياسيين، ولا علاقة لـ«حزب الله» به».

وكررت المصادر التشديد على ضرورة الاسراع في تأليف الحكومة، وقالت: «نكرر موقفنا الذي أعلنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، بضرورة الاسراع في تأليف حكومة وحدة وطنية موسّعة تراعي تمثيل جميع المكونات السياسية الموجودة في لبنان».

وعمّا اذا كان التأليف مرتبطاً بنتائج القمة الاميركية ـ الروسية المقررة في هلسنكي بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، أجابت المصادر: «انّ محاولة ربط تأليف الحكومة باستحقاقات خارجية هي ذريعة لتبرير تأخير هذا التأليف».

واعتبرت «انّ العقد داخلية»، وقالت: «لا شك في انّ دولة إقليمية تؤدي دوراً معيناً في تأخير التأليف، لكن مثلما نجحنا في السابق في أن نجعل الاستحقاق الرئاسي قضية لبنانية، يجب ان ننجح في ان يحصل تأليف الحكومة بلا اي تدخّل خارجي».

أزمة وإجازة

وفيما الاجواء ملبّدة، والبلاد في حال غليان سياسي، والازمات السياسية والمالية والاقتصادية تتراكم، رأت مصادر سياسية أنه «من الطبيعي ان يكون المسؤولون في اجازة خلال فصل الصيف، لكن من غير الطبيعي ترك البلاد وهي تشهد أزمة حكومية مفتوحة». وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية»: «لا أولوية تفوق أولوية تأليف الحكومة، فلا الصيف هارب ولا البحر ولا الشمس ولا الطائرات الخاصة ولا اليخوت».

واعتبرت انّ «التذرّع بالمهلة الطبيعية لتأليف الحكومة غير واقعي، فليس هناك شيء إسمه مهلة طبيعية، بل هناك شيء إسمه أمر طبيعي، وهذا الامر الطبيعي هو ان تؤلف الحكومة». وتحدثت عن «اشمئزاز لدى المرجعيات الدولية من تأخّر الولادة الحكومية، وهو ما تبلّغه الرئيس المكلّف قبَيل سفره». وقالت: «يتحمّس لبنان لانعقاد المؤتمرات الدولية لدعمه، والمؤتمرات انعقدت، والقروض والمنح مجمّدة في انتظار الحكومة التي لم تؤلّف بعد».

«التيار»

والى ذلك بعد كشفِ «القوات اللبنانية» بنود «اتفاق معراب» السرية من جانبها، قالت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية»: «القوات اللبنانية» هي التي خرقت «تفاهم معراب» بتسريبها الوثيقة التي من المفترض ان تبقى سرية، وخصوصاً انّ مبدأ السرية في الاتفاقات هو بند جوهري. علماً انّ هذا الخرق تَرافق مع ابتزاز واضح في حال عدم الاستجابة لحصص طالبت بها «القوات»، وكأنّ الاتفاق وقِّع للحصول على حصص، علماً انّ الأساس في الاتفاق هو دعم الرئاسة القوية والعهد وبناء الدولة».

وعَدّدت المصادر عينها «الخروق الكثيرة للإتفاق التي ارتكبتها «القوات»، بدءاً من عدم احترامها تمثيل الطائفة السنية عبر تعاملها مع احتجاز الرئيس سعد الحريري وإعلانه استقالته من السعودية، ما شَكّل انقلاباً على العهد وخرقاً فاضحاً للسيادة اللبنانية والأمن القومي اللبناني، وهو ما ورد في الوثيقة السرية لـ«تفاهم معراب».

امّا في موضوع المقاعد الوزارية، فتمثّل الحزبان بـ3 وزراء وحليف لكل منهما، علماً انّ كتلة «القوات» النيابية كانت تضم 9 نواب، ما يعني تمثيلها بوزيرين فقط وكتلة التيار 24 نائباً.

فحصلت «القوات» بموجب الاتفاق على 4 وزراء بمَن فيهم نائب رئيس مجلس الوزراء وهو عرفاً من حصة رئيس الجمهورية. وحالياً بما انّ «القوات» أخَلّت بالاتفاق السابق، فلا يمكنها الآن المطالبة بالمناصفة، اذ انّ الاتفاق ليس لائحة طعام نختار منها ما نريد فقط. ناهيك عن حصة رئيس الجمهورية الواردة في الفقرة (ج) من الاتفاق، والتي تحاول «القوات» إنكارها عليه».

وتوقفت المصادر «عند بند دعم الجيش في إعلان النيات، وهو ما يتناقض مع موقف «القوات» ضد الجيش في الولايات المتحدة الأميركية». واضافت: «تمّ التركيز منذ بداية العهد على المناصفة في التعيينات الادارية، لكنّ البند (ه) نص على الاتفاق بين الطرفين وفق معايير الكفاية والنزاهة وليس المناصفة.

مع التركيز على انّ «القوات» تطالب بمواقع يسمّيها رئيس الجمهورية منذ الأزل، وكأنّها تريد بذلك مقاسمة رئيس الجمهورية صلاحياته وتتصرف كأنها شريكة في رئاسة الجمهورية وليس في دعم العهد وإنجاحه، وهو ما لم تعمل عليه أصلاً عبر عرقلة عمل مجلس الوزراء والتصويب على عمل وزراء «التيار الوطني الحر»، ناهيك عن عدم التزامها خوض الانتخابات النيابية معاً كما نصت عليه الفقرة (و) من الاتفاق.

وسألت المصادر: «بعد كل ما تقدّم، هل يكون «التيار» هو من خرق التفاهم وأخَلّ ببنوده أم «القوات»، التي من الواضح انها تبحث عن محاصصة وأثمان ما لبثت ان أطاحت به بمجرد أنّ حساباتها السلطوية لم تتوافق وبيدر مخططها»؟

«القوات»

في المقابل، قالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»: «انّ نشر تفاهم معراب كان أكثر من ضروري من أجل وضع النقاط على حروف تضليل الوزير باسيل للبنانيين، من خلال محاولاته تحريف مضمون التفاهم تبريراً لخروجه عن مضمونه في نصوصه وروحيته.

فتفاهم معراب هو تفاهم بين شريكين إتفقا على إيصال العماد عون إلى الرئاسة الأولى، والتعامل مع هذا المعطى فور حصوله كفريق واحد أولويته إنجاح العهد وإظهار انّ الشراكة بين «القوات» و«التيار» قادرة على تصحيح الخلل الذي اعترى تنفيذ «اتفاق الطائف» على المستوى الميثاقي، وهذا ما حصل فعلياً، فانتخب الرئيس التمثيلي للمرة الأولى منذ العام 1990 في خطوة جَسّدت التوازن الذي كان مفقوداً بين الرئاسات الثلاث، وأقرّ قانون جديد للانتخابات النيابية أدى إلى تصحيح الخلل التمثيلي الذي شابَ كل المجالس النيابية المتعاقبة منذ العام 1992، وأدى إلى تحقيق التوازن على مستوى السلطة التنفيذية.

ولكن ما حصل بعد ذلك هو أنّ أولوية الوزير باسيل الرئاسية اصطدمت بأولوية الحفاظ على الشراكة والتفاهم وإنجاح العهد، وبدأ يعدّ العدة للتخلّص من التفاهم والشراكة، تمهيداً لأحادية تحقق هدفه بخلافة العماد عون.

وتكفي مراجعة بعض الوقائع من رفضه تشكيل فريق عمل للتنسيق في كل شاردة وواردة كما نَص التفاهم تجنّباً للتعامل مع «القوات» كشريك، إلى رفضه توزيع المراكز في الدولة بالاتفاق بين الطرفين، ولكن ليس على طريقة الوزير باسيل بالمحاصصة وكما حاول البعض أن يفسِّر ويسترسل، إنما عن طريق آلية واضحة المعالم تُعيّن الكفوء والنزيه وتَستبعد الفاشل المستزلم وتشكّل نموذجاً يحتذى به على مستوى التعيينات في كل الدولة اللبنانية، ولكنّ الوزير باسيل رفض كل ذلك من أجل تعيين المحاسيب والأزلام».

واضافت المصادر: «لقد دلّت الممارسة الى تناقض فاضح بين ما تريده «القوات» لجهة إعلاء الشفافية وقيام الدولة الفعلية والتخلص من دولة المزرعة، وما يريده الوزير باسيل بتكريس دولة المزرعة والدولة المشلّعة إلى دويلات، بغية ضمان وصوله إلى رئاسة لا يمكنه ولوجها إذا كانت الدولة دولة والمؤسسات مؤسسات.

وأيّ استعراض لتحالفات باسيل الغريبة والعجيبة في الانتخابات يدلّ بوضوح الى أنّ كل هدفه كان الخروج بأوسع كتلة نيابية للقول: «الأمر لي، والرئاسة لي وحدي. إنّ هدفه مكشوف، ولا نستغرب إطاحته بـ«اتفاق معراب» على مذبح خلافته للرئيس عون لأنه على استعداد لإشعال البلد من أجل تحقيق هذا الهدف، وتكفي النظرة إلى مواجهاته مع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع والنائب سليمان فرنجية وغيرهم، إلى درجة يصبح السؤال مشروعاً: من هو صديق الوزير باسيل أو حليفه؟».

وقالت: أمّا أكذوبة انّ «القوات» ضد العهد فهي لا تنطلي على أحد، لأنّ «القوات» ساهمت في فتح طريق القصر الجمهوري أمام العماد عون، وكانت وما زالت إلى جانب الرئيس عون، ولكن من يطيح مبادرة الرئيس عون التَهدوية هو الذي يستهدف عون وصلاحياته وموقعه ودوره».

وشددت المصادر على «انّ «القوات» تميِّز بين العهد وبين باسيل، وتعتبر بوضوح انّ اعتراضها على المناقصات المشبوهة المدعومة من باسيل يصبّ في مصلحة العهد، وتعتبر انّ عدم سكوتها عن اي صفقة مشبوهة في مجلس الوزراء يقف خلفها باسيل يشكّل دعماً للعهد، وتعتبر أيضا عدم إمرارها مشاريع لباسيل تفوح منها رائحة الشبهات يشكّل دعماً للعهد. وأما بعد دعم سياسة العهد فلا يعني إطلاقاً دعم خطوات باسيل ومشاريعه على العِمياني».

«المعارضة»

ووصفت مصادر معارضة لـ«تفاق معراب» ما كُشف عنه بأنه «يرقى الى مستوى الفضيحة»، ذلك انّ «القوات» و«التيار» وَعدا المسيحيين بأنهما سينقلانهم الى مرحلة جديدة من الحضور السياسي والدور الفاعل، فإذا بما كشف عنه هو مجرد «اتفاق محاصصة لتقاسم المواقع الوزارية والنيابية والادارية، وتوزيعها على المحازبين والمناصرين».

وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية»: «أين هي المسلّمات الكيانية في الاتفاق الذي خلا من أي تصوّر مشترك لاستعادة السيادة وإحياء دور المؤسسات الشرعية وتطبيق الدستور؟.

واضافت: «حتى أنّ الاتفاق لم يأت على ذكر أي تصوّر مشترك لمكافحة الفساد والاصلاح الاقتصادي، وملفات أساسية كالكهرباء والنفط والصحة والشؤون الاجتماعية والاعلام». ورأت المصادر «انّ توقيع حزبين على اتفاق ثنائي لا يمكن ان يلغي الدستور، خصوصاً لجهة المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وهو ما يتطلب بالدرجة الاولى عدم إلحاق الادارة بالتوازنات الحزبية، وبالتالي عدم حصر المناصب الادارية بمَن تختاره الاحزاب، أيّاً تكن هذه الاحزاب».

ووجدت هذه المصادر في تفاهم معراب «عملية إلغاء للحياة السياسية والديموقراطية في لبنان، ومشروع تهجير للشباب وأصحاب الكفايات من غير الحزبيين لمصلحة التبعية السياسية والحزبية».

مرسوم التجنيس

وفي هذه الاجواء، إستمرت ازمة مرسوم التجنيس متفاعلة في ضوء ردّات الفِعل الكبيرة حوله، والدعوات الى ضرورة تنقيته من الشوائب وتعالي الاصوات بشطب الجنسية ممّن لا يستحق، وليس آخرها صوت المطارنة الموارنة الذين شددوا في اجتماعهم الاخير على أنّ الجنسية هي على ارتباط وثيق بهوية الوطن وكرامته وسيادته ومصالحه العليا، ودعوا أولياء الأمر الى عدم التفريط بها تحت أي مبرّر. مشددين على أحقية المتحدرين من أصل لبناني في بلدان الانتشار بالجنسية من سواهم.

وعلمت «الجمهورية» انّ العمل بالمرسوم قد جُمّد للمرة الثانية، بعدما كان بدأ تنفيذه على رغم الوعود المُعطاة بعدم تنفيذه الى حين أن يبتّ به مجلس شورى الدولة، علماً انّ المسؤولين لم يأخذوا بتقرير الامن العام وتصرّفوا معه على قاعدة لزوم ما لا يلزم، طالما انّ القرار مُتخذ بتنفيذ المرسوم، مُكتفين بخطوة خجولة تمثلت بإحالة المرسوم الى مجلس الشورى، بدل الأخذ بتقرير الامن العام، إذ انّ قرار المجلس لا يقدّم او يؤخّر لافتقاره الى المعطيات، ولا يستطيع ان يبت بالمرسوم ما لم تكن الطعون مرفقة بالمعلومات والتحقيقات التي تستدعي إبطال تجنيس من لا يستحق.