هل أن معركة درعا والجنوب السوري هي فعلاً إنهاء لفصل مهم من الحرب في سورية يقودها الدب الروسي، أم هي مقدمة لمرحلة جديدة من الصراع والحروب الممتدة في بلاد الشام؟
الافتراض الأول بأن إنهاء وجود المعارضة في الجنوب الغربي يتم بتوافق روسي - أميركي ضمني بعدما أبلغت واشنطن قادة فصائل «الجيش السوري الحر» أن تضامنها «الإعلامي» معهم لا يعني توقع تدخلها عسكرياً إلى جانبهم، سيقود إلى أن تظفر الإدارة الأميركية بمقابل لذلك يقضي بإخراج الميليشيات الإيرانية من الجنوب السوري وهو مطلب له أولوية إسرائيلية أميركية. لكن موسكو أعطت إشارات معاكسة، ونفذت في الساعات الماضية تهديدها الذي أطلقه الضابط الروسي الذي يقود المفاوضات مع الفصائل السورية المعارضة بأن 40 طائرة جاهزة لتدمير درعا إذا لم يقبلوا بالاستسلام وبتسليم السلاح الثقيل والمتوسط والانخراط في الفيلق الخامس أو الشرطة المحلية في المنطقة. بين الأمس وقبله كثف سلاح الجو الروسي غاراته إلى حد طاولت أطراف مخيمات للنازحين في محيطها. جاء ذلك بعد أن طلبت القيادة الروسية من القوات الإيرانية الانخراط في المعركة، ولهذا ظهر لواء «ذو الفقار» الذي صنعته طهران من مقاتلين عراقيين وأفغان وإيرانيين ولبنانيين... ليعلن قادته من الشاشات أنهم يشاركون في المعركة.
تستعجل موسكو إنهاء السيطرة على درعا، قبل لقاء القمة بين فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب. وهي تأمل بخفض البحث في الملف السوري إلى حدود ضمان أمن إسرائيل. وما كشفه الإعلام الإسرائيلي أمس عن نقل آلاف النازحين من درعا ومحيطها إلى منطقة منزوعة السلاح على الحدود مع الجولان السوري المحتل إلا دليل إلى نية استخدام هؤلاء لخلق شريط بشري يكون حجة لمنطقة آمنة لإسرائيل، يمكنها التدخل فيها لمنع أي وجود معاد، إيراني، بحجة حماية النازحين، الذين بلغ عددهم حتى أمس زهاء 275 ألفاً، 5 آلاف منهم فقط غادروا المدينة وضواحيها أمس فقط. يتوازى مع التطورات الميدانية إعلان الإسرائيليين «أننا سلمنا باستمرار الأسد في السلطة» وتوالي كتابات المعلقين في تل أبيب عن أن الأسد هو الحليف الأفضل للدولة العبرية. لم يكن في الأمر جديد سوى إعلانه بوضوح. فالجانب الإسرائيلي كان وراء إحجام حليفه الأميركي عن تقديم الدعم للمعارضة منذ عام 2011 بحجة الخشية من استخدام أي سلاح يتلقونه ضدها لاحقاً. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لم يأت على ذكر الرئيس السوري في مفردات تصريحاته التي تدين قتل السوريين ولا مرة، وكان يركز على وجود إيران وأذرعها و «حزب الله» فقط وهاجم النظام لسماحه له بالتوسع.
كثيرة هي الشواهد على أن هناك صفقة أميركية روسية نتيجة تفاهمات ستتم مناقشة جوانبها أثناء لقاء الرئيسين في هلسينكي في 16 الجاري. ولعل من يبحث عن الحجج لترجيح هذا الاحتمال يستطيع أن يستشهد بما ذكر عن أن «حزب الله» أخذ يسحب قوات له في سورية تمهيداً لتسهيل الحل السياسي فيها بعد درعا.
إلا أن الافتراض الثاني عن أن معركة درعا ستؤسس لمعارك جديدة خلافاً للتوقعات عن ولوج الحل السياسي عند انتهاء كل معركة من المناطق لإخراج المعارضة من حلب ثم غيرها من المناطق وصولاً إلى الغوطة الشرقية أخيراً،لا يقل أهمية. لم تغب تلك عن أذهان الذين يشاهدون عنف ما يجري في درعا أن اتباع موسكو مبدأ «نحن ندمر ولا نعمر» ما هو إلا مزيد من التوريط الأميركي لبوتين كي يغرق في الوحول والدماء السورية. ومثلما أن معركة درعا لن تكون سهلة خصوصاً لدى سكان حوران الذين يشكل الثأر والانتقام واحداً من قيمهم القبلية القديمة، فإن الوعد المفترض بإخراج ميليشيات إيران من سورية ليس نزهة هو بدوره. والحديث عن أن إخراج التشكيلات الإيرانية هو ثمن ستدفعه موسكو مقابل تسليمها سورية من جانب واشنطن، يقابله سؤال كبير عن الثمن الذي ستحصل عليه طهران لقاء مغادرتها سورية بعد التوظيف البشري والمالي والعسكري الذي قامت به في سورية طيلة عقود، ولا سيما بعد اندلاع الحرب فيها.
إذا تمكنت الآلة العسكرية الروسية من إنهاء معركة درعا ماذا يحول دون أن تنفذ الفصائل التي فضلت القتال على الاستسلام أو بعضها (في بياناتها الصادرة) بتحويل مقاومتها إلى حرب تحرير وعصابات من «الاحتلال الروسي» مع ما يعنيه ذلك من فوضى جديدة يصعب ضبطها؟ وماذا يمنع إذا دعمت طهران المقاومة ضد الاحتلال الروسي، (كما فعلت في العراق ضد الأميركيين) إذا أصرت موسكو على إخراجها من سورية؟
الفوضى المقبلة قد تشهد أيضاً سباقاً إيرانياً مع موسكو على التوافق مع واشنطن.