في الظاهر معظم القوى السياسية، بل جميعها تطالب بالإسراع في تشكيل الحكومة، لأن الأوضاع الاقتصادية والنقدية والاجتماعية المتردية لا تحتمل بقاء البلاد من دون حكومة تتصدى لمعالجة هذه الأوضاع، ومنع سقوط هذا البلد في الهاوية، وكل واحد من هذه القوى يُحمّل الآخرين مسؤولية التأخير الحاصل في التشكيل، ويدعوهم إلى تقديم تنازلات ما دام ان هناك تفاهما دستوريا وعرفيا على ان تكون أية حكومة تشكّل توافقية، تضم الجميع تحت سقف واحد طالما ان الجميع يُدركون عبر التجارب الطويلة، ان ما من فريق يمكنه وحده ان يحكم البلاد.
غير ان الظاهر شيء، وما يحصل على أرض الواقع شيء مختلف تماماً، بحيث ان الكل يتمسك بمطالبه في الحكومة ويرفع سقف هذه المطالب وكأن القصد من ذلك عرقلة التأليف، والدفع في الاتجاه الذي يؤدي إلى التعقيد وليس إلى التسهيل، والشواهد على صحة هذا القول لا تعد ولا تحصى، فمثلاً عندما يدعو رئيس التيار الوطني الحر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة إلى اعتماد نتائج الانتخابات النيابية المعيار الوحيد للحصص في الحكومة العتيدة، تراه في مكان آخر، يعمل بعكس ما يدعو إليه، ويضغط على الرئيس المكلف لتفصيل التشكيلة الحكومية على قياس التيار الوطني الحر حتى يضمن لرئيس الجمهورية، الأكثرية التي تمكنه من الإمساك بالحكومة وبالقرارات التي تتخذ في مجلس الوزراء، وموقفه من مطالبة القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي باعتماد النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات النيابية خير دليل على صحة ما يقال في العلن والسر لا سيما بعد المعلومات التي سربها زوّار القصر الجمهوري عن وجود تنسيق كامل بينه وبين الرئيس ميشال عون.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بعدما تجاوزه رئيس التيار الوطني إلى حدّ محاولة فرض شروطه على الرئيس المكلف واستخدام التهديد بسحب التكليف منه وفق ما عبّر عنه النائب المنتخب جميل السيّد، الأمر الذي اثار غضب الرئيس المكلف واستنكافه عن التحرّك مع القوى السياسية لتذليل العقبات التي تؤخّر تأليف الحكومة إلى حدود مغادرته البلاد في إجازة عائلية يعرف هو تماماً انه ليس وقتها، واثار معه حفيظة رؤساء الحكومات السابقين ودار الفتوى ورفعوا الصوت محذرين من الانقلاب على الطائف وعلى صلاحيات الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة التي نص عليها الدستور المنبثق عنه.
هناك إجماع اليوم، على ان حركة الاتصالات والمشاورات لتشكيل الحكومة في إجازة ملازمة لاجازة الرئيس المكلف وايضا لاجازة رئيس مجلس النواب كشريك أساسي في عملية تشكيل الحكومة من موقعه كرئيس للسلطة التشريعية من جهة، وموقعه كرئيس كتلة نيابية وازنة في مجلس النواب من جهة ثانية، ومن يراهن على عكس ذلك ويوحي كالوزير جبران باسيل بأن شهر تموز الجاري سيشهد ولادة الحكومة العتيدة سوف تثبت الأيام انه كان واهماً، وان الأزمة التي تعيشها البلاد حالياً طويلة ومرشحة لأن تتحوّل إلى أزمة حكم يدفع ثمنها ايضا العهد نفسه.