أولاً: الخلاف حول بنود اتفاق معراب...
بعد لقاء القطبين المسيحيين (الدكتور سمير جعجع والرئيس ميشال عون) في بعبدا لأيامٍ خلت، توقّع الجميع (وخاصةً العقلاء منهم) أن تسود فترة مُهادنة ووفاق بين الطرفين (على الأقل إعلامية)، ذلك أنّ قائد القوات اللبنانية خرج من اللقاء ليُؤكّد دعمه للعهد، ويُثبّت اتفاق معراب المعقود بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، والذي مهّد لانتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية، مع مسحة تفاؤل بتذليل عقبات تأليف الحكومة (على الأقلّ في الجانب المسيحي)، ليظهر بعد ذلك الوزير جبران باسيل على قناة الMTV نهار الأربعاء الماضي، فيُصعّد في كلّ الاتجاهات، وخاصةً على جبهة المناكفات بين الطرفين، فباسيل يريد الانطلاق في التأليف الحكومي من نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، في حين أنّ تلك النتائج كانت قد اظهرت تقارباً كبيراً في حصّتي الطرفين، إلاّ أنّ الأدهى والأمرّ أنّ باسيل يُنكر أن يكون اتفاق معراب قد نصّ على "مناصفة" في المقاعد الحكومية بين القوات والتيار، متعالياً بعد ذلك على الجميع بقوله، كُنت سأُحضّر وثيقة الاتفاق معي ليطّلع عليها الجميع، فالاتفاق ليس سرّياً، وهو لا ينُصّ على مناصفة، لتقوم بعد ذلك قناة Mtv بنشر بنودٍ صريحة في الاتفاق تنُصُّ بعد انتخاب الرئيس على توزيع المقاعد الحكومية مناصفةً بين الجانبين، كذلك وظائف الفئة الأولى، بما فيها المواقع الحسّاسة في الدولة، والاتفاق موقّع من قبل الرئيس عون والوزير باسيل عن التيار، والدكتور جعجع عن القوات، مع توقيعي الوزير رياشي والنائب كنعان كشاهدين، وهكذا يعمد باسيل إلى طمس بنود أساسية في الاتفاق تُنظّم العلاقة بين الطرفين، مُتحايلاً ومُخاتلاً بدعوى الاحتكام إلى نتائج الإنتخابات، (حتى لا نقول ما يمكن أن يُؤدّي بنا إلى الحبس وغرامة العشرة ملايين ليرة المشهورة).
إقرأ أيضًا: النفط مقابل الغذاء، والنفط مقابل الألياف الضوئية .. تصريف أعمال أم تصريف ثروات؟
ثانياً: صبُّ الزيت على نار الصراع...
شهد المسرح السياسي في لبنان منذ انطلاقة العهد الحالي وتشكيل حكومة الرئيس الحريري واشتراك القوات فيها، اشتباكاً خفيّاً بين التيار الباسيلي والقوات، وكانت صفقة بواخر الكهرباء (المشبوهة) هي المُتصدّرة لجوانب الصراع، ولطالما حاول وزراء القوات نقل الصراع من خانة الحزبي والشخصي والمصالح المشبوهة إلى خانة الحفاظ على المصالح العليا للدولة، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية والحكومية، وقد ذهب ذلك كلّه عبثاً، أمام إصرار الوزير باسيل وحاشيته على صبّ الزيت على النيران، كما فعل في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، لا بل ذهب في عنجهية واستعلاءٍ غير مسبوقين للقول: انا من يُقرّر توزيري من عدمه، أنا من يُعيّن وزراء التيار، دون العودة لأحد، أو( استشارة من تتوجب استشارته كالرئيس عون)، وكاد أن يقول: أنا من يُقرّر متى تُؤلّف الحكومة أو تبقى في غياهب الإهمال، ( لولا مراعاة جانب الصديق "المطواع" سعد الحريري)، ويخرج المتابع للحلقة التلفزيونية، سواء كان نائباً أو مسؤولاً أنّ الوزير باسيل كان على حافة القول: أنا ربُّكُمُ الأعلى.
عن الشّعبي قال: كُنت جالساً عند شُريح (القاضي) إذ دخلت عليه امرأةٌ تشتكي زوجها وهو غائب، وتبكي بكاءً شديداً، فقلتُ: أصلحك الله، ما أراها إلاّ مظلومة. قال: وما علمك؟ قلتُ: لبكائها. قال: لا تفعل، فإنّ إخوة يوسف جاؤا أباهم عشاءً يبكون، وهم له ظالمون.