أعاد إعلان مؤسسة «لابورا» عن تقاضي آلاف الموظفين رواتب من مؤسسات الدولة من دون القيام بعملهم ودفع رواتب لعائلات موظفين متوفين، قضية الفساد المستشري في القطاع العام، رغم تشكيك البعض بالأرقام التي أعلن عنها رئيس المؤسسة الأب أنطوان خضرا.
وفي حين أكد خضرا لـ«الشرق الأوسط» صحة الأرقام التي أعلن عنها بناء على معطيات لديه، شكك محمد شمس الدين الباحث في «الدولية للمعلومات» بالرقم، موضحا أن العدد المعلن من قبل «لابورا» مبالغ فيه. وكان خضرا قد قال، إن هناك نحو ألفي موظف متوفين يتقاضون رواتب من الدولة وأكثر من 30 ألفاً، يتقاضون رواتبهم من دون التوجّه إلى مراكز عملهم. وبناء على ذلك، وجّه وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل إلى المدعي العام المالي كتاباً اعتبر فيه أن ما ورد على لسان خضرا إخبار للتحقيق فيه ولاتخاذ الإجراء القانوني بشأنه في حال ثبوته، بينما لفت رئيس «لابورا» إلى أنه تلقى اتصالات من قبل عدد من المسؤولين للاستفسار عن الموضوع وأنه يتابع القضية مع وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، لإحالتها إلى الجهات المختصة ويقوم بتحضير الوثائق المطلوبة منه وإجراء المقتضى اللازم.
واستبعد شمس الدين إمكانية قبض عائلات المتوفين للرواتب، بسبب المستندات المطلوب إبرازها في حالات كهذه، والتي تكشف بموجبها وفاة الموظف كتقديم إخراج قيد عائلي كل فترة قصيرة، وبالتالي فإن الاستفادة زورا وإن حصلت لا يمكن أن تتعدى الأشهر القليلة، مشيرا في الوقت عينه إلى أن القانون يسمح للزوجة بالحصول على الراتب كذلك الابنة غير المتزوجة والمطلقة والأرملة.
وفيما يتعلق بالموظفين الذين يتقاضون رواتب من دون الحضور إلى عملهم، لم ينف شمس الدين وجود حالات كهذه، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «العدد لا يتجاوز الثلاثة آلاف وهم في معظمهم من الحزبيين، وترتفع نسبة هؤلاء بشكل أساسي في صفوف المنتسبين إلى حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، على غرار مجلس النواب ومجلس الجنوب وصندوق المهجرين».
و«لابورا»، جمعية خيرية غير حكومية لا تبغي الربح. تأسّست في نيسان 2008 بموجب علم وخبر رقم 421 من وزارة الداخلية اللبنانية. «غايتها الإسهام في إيجاد الحلول الملائمة لمشكلة البطالة التي تشكل في لبنان عبئاً على الاقتصاد وعلى المجتمع اللبناني وبخاصة المسيحي منه». كما جاء في التعريف بها على موقعها الإلكتروني،.
وليست هذه المرة الأولى التي تفتح فيها قضية الفساد في القطاع العام فقد كان آخرها قبل أشهر، بعد الزيادة التي أضيفت إلى رواتب موظفي هذا القطاع بقيمة 1200 مليار جاء تمويلها من زيادة الضرائب على اللبنانيين باختلاف وظائفهم وأعمالهم، من دون أن تشمل تصحيح أجور القطاع الخاص.
مع العلم أن نسبة موظفي القطاع العام في لبنان تقدّر بـ25 في المائة من حجم القوى العاملة، أي نحو 300 ألف موظف، وهي نسبة مرتفعة مقارنة مع دول أخرى بحيث لا تزيد في اليابان عن 6 في المائة وفي ألمانيا وفرنسا عن الـ14 في المائة.
ووفق «الدولية للمعلومات»، يعمل في القوى الأمنية والعسكرية نحو 120 ألفاً، وفي قطاع التعليم بكافة مستوياته 40 ألفاً، و25 ألفاً في الوزارات والإدارات الرسمية، وفي البلديات والمؤسسات العامة 115 ألفاً، أي الكهرباء والمياه والتبغ ومشروع الليطاني، إضافة إلى سكك الحديد غير العاملة أساساً في لبنان، كما يبلغ عدد المتعاقدين الذين يتقاضون رواتب 70 ألفاً، معظمهم من العسكريين.
ويصنّف موظفو الإدارات الرسمية وفق خمس فئات، تشمل الأولى القضاة والمديرين العامين وأساتذة تتراوح رواتبهم بين 3 آلاف و7 آلاف دولار بينما يحدّد راتب الفئة الأدنى أي الخامسة بنحو 600 دولار في وقت لا يزال الحد الأدنى للأجور نحو 450 دولاراً.
ورغم عدد الموظفين المرتفع وفق رابطة موظفي الإدارة العامة، فإن الشواغر تقدر بـ30 في المائة في الإدارات الرسمية وتصل إلى 50 في المائة من دون احتساب المتعاقدين. وباستثناء مجلس الخدمة المدنية تطغى الوساطات والطائفية والرشى على التوظيف في القطاع العام، فيما بات التعاقد الوظيفي يشكّل وجها جديدا للفساد، حيث باتت الأحزاب والسياسيون يعمدون إلى فرض أشخاص محسوبين عليهم عبر التعاقد ليتم بعد سنوات تثبيتهم أو في أحسن الأحوال إخضاعهم لامتحانات شكلية محصورة فيما بينهم.
وهذه المحاصصة لا تنحصر فقط بين الطوائف والأحزاب بل تتعداها إلى المنافسة بين أتباع المذهب نفسه، وهو ما ظهر جليا قبل أيام في «المعركة» التي فتحت بين شيعة الجنوب وشيعة البقاع نتيجة إعلان الناجحين في أمن الدولة، حيث كان للجنوبيين الحصة الأكبر، بـ77 شابا، و14 فقط من البقاع، واثنين من جبيل، وهو ما استدعى حملة من أهل البقاع في وجه المسؤولين متهمين إياهم بالتمييز بين المنطقتين عبر التاريخ.
كذلك، تشكّل ما باتت تعرف بـ«فضيحة المدرسة الحربية» التي أعلن عنها نهاية العام الماضي نموذجا لهذا الفساد وكشف من خلالها عن مافيا توظيف ضباط في الجيش اللبناني مقابل دفع عشرات آلاف الدولارات، وهي التي اتخذ قائد الجيش فيها قرارا بملاحقة المتورطين فيها. ويوم أمس، ختمت، المحكمة العسكرية الدائمة هذا الملف الذي حوكم فيه أربعة عشر مدعى عليهم من العسكريين بتهمة الاشتراك فيما بينهم، بقبول ودفع رشاوى من أجل تطويع مدنيين في الجيش وتمديد خدمات عسكريين وتوظيف آخرين، لكن الأحكام التي أعلن عنها، بدت بدورها شكلية بحيث قضت بتغريم نقيب في الجيش (هو الأعلى رتبة بينهم) ومؤهل سابق ورقيب مبلغا وقدره 200 ألف ليرة (نحو 125 دولارا أميركيا)، وتغريم ستة آخرين من المدعى عليهم مبلغ 1900 ليرة (أي دولار واحد) عن كل واحد منهم، بحسب ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام.