اختراق إلكتروني كبير، شهدته البلاد في الأشهر الماضية، وجرى اكتشافه قبل نحو أسبوعين. إحدى الشركات الكبرى، العاملة في مجال تقديم خدمات الإنترنت، تعرّضت لمحاولة اختراق شديدة الاحتراف، فتقدمت بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية. أحيل الملف على فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الذي تمكّن من تحديد المشتبه فيه. جرى توقيفه، مع زميل له. التحقيقات توسّعت، فتبيّن أن الموقوفَين كانا ينفّذان هجمات إلكترونية، تهدف إلى «سرقة» معلومات وبيانات، من شركات خاصة، ومؤسسات رسمية، والأخطر، من أجهزة أمنية. كذلك جرى في اليومين الماضيين توقيف أشخاص إضافيين، بينهم قريب لرجل أعمال نافذ جداً. وسعى أحد النواب الجدد إلى تغطية الموقوف، إلا أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أصرّ على استكمال التحقيقات حتى نهايتها. وفيما تجرى التحقيقات بسرية، وترفض المصادر الأمنية والقضائية الكشف عن تفاصيل القضية، قال معنيون بالملف لـ«الأخبار» إن عملية القرصنة هي الأكبر في تاريخ لبنان. إذ إن المشتبه فيهم تمكنوا من سرقة معلومات، عبر القرصنة الإلكترونية، من أجهزة أمنية، ومن شركات خاصة كبرى، كما أنهم أحدثوا اختراقاً في واحدة من شركتي الهاتف الخلوي، من دون أن يُعرف حجم الضرر الذي تسببوا فيه. ولفتت المصادر إلى أن المشتبه فيهم كانوا يبيعون المعلومات التي يحصلون عليها عبر القرصنة إلى جهات يجري العمل على تحديدها.
 

وتحدّثت المصادر عن فضيحة كبرى في المعلومات التي تمكنوا من سرقتها، إضافة إلى فضيحة أخرى متصلة بأنظمة الحماية في هيئة «أوجيرو». فقد تمكّن المقرصنون من السيطرة على «البريد الإلكتروني» لأوجيرو، والتحكم به، واستخدامه للبعث برسائل لمن يشاؤون. كذلك تبيّن أن شبكة الإنترنت اللبنانية غير محمية في وجه هجمات «الإغراق» التي يستخدمها القراصنة لتعطيل مواقع إلكترونية مستهدفة، أو شبكات خاصة بمؤسسات أو بدُوَل. وهذه الهجمات تعتمد على اختراق مئات (وأحياناً آلاف) الحواسيب حول العالم، واستخدامها للهجوم على موقع ما، من أجل «إسقاطه» أو تعطيله أو تبطيئه، أو تدمير شبكة ما، من خلال «الإغراق» بالبيانات والطلبات. وتبيّن أن «هيئة» أوجيرو لم تكن قد وضعت أنظمة حماية ضد هذه الهجمات، تاركة البلاد عرضة لها. كما أن غياب الأنظمة المضادة للهجمات (ddos protection) يَحول دون التمكّن من تحديد مصادر القرصنة التي تقوم بها عادة مجموعة كبرى من القراصنة، أو أجهزة تابعة لدول.

تأليف الحكومة... العقد لم تحل
سياسياً، مع كلّ يوم يمرّ، تتعقّد أكثر عمليّة ولادة الحكومة العتيدة. العُقد، على أنواعها، لم تُحلّ. و«الاتفاقات»، بوقف التصعيد الكلامي بين القوى المُتنافرة، لم يُحترم. البلد في وضع اقتصادي مأزوم وخطير، فيما النقاشات السياسية / الحكومية، تكشف عن خفّة من يُفترض أن يكونوا مسؤولين. بعد اللقاءات التي عُقدت في قصر بعبدا خلال الأيام الماضية، وتحديداً لقاءَي الرئيس ميشال عون مع النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، كان يُفترض أن يوقف التصعيد الكلامي، ويُعتمد خطاب سياسي هادئ، وتُفعّل اللقاءات بين مُختلف القوى السياسية من أجل تذليل العِقد، تمهيداً لإعلان تشكيل «حكومة العهد الأولى». إلا أنّ المواقف السياسية، التي برزت في الساعات الماضية، تؤكد أنّ الأمور تجنح نحو الأسوأ.
مُقابلة الوزير جبران باسيل إلى قناة الـ«أم تي في» أول من أمس، فتحت الباب أمام القوات اللبنانية لـ«كسر الهدنة» وإطلاق النيران على نائب البترون. نُشر «موقف اليوم» الحزبي على موقع «القوات» الإلكتروني. ثمّ تحدّث النائب جورج عدوان، فقال إنّ «الفوقية لا تنفع معنا، ولا ننتظر من باسيل إلا الالتزام باتفاق معراب. وحصول اللّقاء بين باسيل وجعجع​ ليس مهماً ولا نسعى له». ليكن «مسك الختام» مع تسريب القوات اللبنانية للقسم السياسي من «عَقد المصلحة»، المُسمّى اتفاق معراب، والذي تبيّن أنّه يتضمن تقاسم المقاعد الوزارية خلال حكومات عهد الرئيس عون كافّة، والمُحاصصة في الوظائف والتشكيلات، في مقابل تشكيل فريق عمل واحد داعم لـ«العهد».


الخلاف بين «التيار» و«القوات» الآخذ في التأزم، سيكون له انعكاس على تسريع عمليّة تشكيل الحكومة. أول من أمس، برز أيضاً موقف لجعجع، خلال مُناسبة حزبية. حاول رئيس «القوات» تظهير نفسه «مُتعففاً» عن المُشاركة في الحكومة، مُمنناً الآخرين بأنّ «مشاركتنا مرتبطة بفعاليّة وجودنا فيها، والدليل على ذلك أننا لم نتنطح يوماً أو نقاتل من أجل الدخول إلى أي حكومة، لا بل بالعكس تماماً (...) فنحن إن وجدنا أننا لن نكون فاعلين أو قادرين على التغيير في الحكومة فلا فائدة من مشاركتنا». يعرف جعجع مكامن قوته: حليفته السعودية. لذلك، سيستخدم كلّ أدوات الضغط والتصعيد، لا سيّما بوجه الرئيس سعد الحريري، لعلمه أنّ الأخير غير قادر على تخطّي رغبة السعودية بحصول «القوات» على تمثيل حكومي «وازن وفاعل».
المؤشرات الحكومية السلبية تصاعدت أمس، مع تصريح الوزير علي حسن خليل. «نحن كحركة أمل وحزب الله قدّمنا ما علينا، فلا تجعلونا نُعيد حساباتنا بحسب القواعد التي تطرحونها لتشكيل الحكومة»، قال خليل. المطلوب اعتماد معيار واحد لتوزيع الحقائب، وإلا فإنّ «الحركة» و«الحزب» يعتبران أنّه من «حقّهما» رفع حصتهما إلى أكثر من ستّ حقائب وزارية. وأضاف خليل أنّ «العقلية التي تُدار بها عملية تشكيل الحكومة لا توحي بالثقة ولا تبني وطناً ولا مؤسسات، ولا تؤسس لمناخ إنقاذي».
ومن ناحية أخرى، عقد اللقاء التشاوري للنواب «السنّة المُعارضين» لتيار المستقبل، اجتماعاً أمس مؤكدين على مطلبهم «المُحق بالتمثل في حكومة الوحدة الوطنية». وفي الاجتماع الذي عُقِد في منزل الوزير النائب فيصل كرامي في بيروت، وحضره النواب عبدالرحيم مراد وجهاد الصمد وعدنان طرابلسي والوليد سكرية وقاسم هاشم، أكد الحاضرون «أننا نواب مستقلون، لسنا وديعة أحد ولا صنيعة أحد، باستثناء الناس الذين وضعوا ثقتهم فينا»، بحسب المصادر. وسيعقد اللقاء مؤتمراً صحافياً، الثلاثاء المُقبل في مجلس النواب، «من أجل تفنيد كلّ التجاوزات التي تحصل».