طغى خبر إقفال مدرسة خديجة الكبرى التابعة لمؤسسات المقاصد على ما عداه، على وقع مخاوف من أزمة مالية تطيح بمؤسسات التعليم الخاص، وتتسبب بتشريد مئات أو ألوف المدرسين والعائلات والتلامذة، الذين نشأوا وترعرعوا فيها، فيما القيادات ورؤساء الكتل المعنيون بتأليف حكومة جديدة، سواء أكانت حكومة وحدة وطنية أم لا، تتمكن من الأخذ بيد البلد وناسه واقتصاده ومؤسساته وسط تحولات بالغة التعقيد في عموم المنطقة، وتراجع لدور الدولة والثقة بها، مع تفاقم المخاوف أيضاً من انهيار هدنة التهدئة، وعجزها عن الصمود امام ضغوطات على الوضع، تتخطى قدرته على التحمل.
وعلى خلفية انهيار هدنة «القوات» «التيار الوطني الحر» في ضوء نشر ما نص عليه «تفاهم معراب»، والموقع من قبل الدكتور سمير جعجع رئيس حزب «القوات»، ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر، اتجهت الأنظار إلى مرحلة من الانتظار.. مع ارتفاع مخاطر انهيارات بالغة الخطورة في القطاع التربوي.. الذي وإن نجحت المعالجات في احتواء احد تداعياته، المتمثل بانتشال جمعية المقاصد من أزمة مالية خانقة، والاتجاه لعدم اقفال كلية خديجة الكبرى التابعة لها..
وأدى تجاوب وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل مع طلب الرئيس سعد الحريري، عبر اتصال هاتفي اجراه معه بتسديد جزء من المستحقات المالية المتراكمة للمقاصد، إلى ارتياح لدى دار الفتوى ورئاسة الحكومة، الأمر الذي يعكس وحدة الهم الوطني والإسلامي في هذه المرحلة الصعبة.
فقد عاشت بيروت أمس ما يشبه «حالة طوارئ» قادها الرئيس سعد الحريري والمفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، لإنقاذ جمعية «المقاصد» ومدارسها ودورها التربوي، من السقوط في دوّامة إفلاس مالي محتّم لعدّة أسباب، أهمها تأخّر الدولة في دفع مستحقاتها للجمعية، والمقدّرة بعدّة مليارات، مقابل استقبالها آلاف الطلاب في مدارسها المجانية.
وبعد الاجتماع الاستثنائي الذي ترأسه المفتي دريان في دار الفتوى، وضم إلى وزير التربية مروان حمادة، كلاً من رئيس جمعية المقاصد د. فيصل سنو، ووفود من معلمي وطلاب مدرسة خديجة الكبرى، التي أُعلن عن إقفالها للموسم المدرسي المقبل، جرى اتصال بالرئيس سعد الحريري لوضعه في تفاصيل الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها «أم الجمعيات» الإسلامية، فكان أنْ أبدى تجاوباً فورياً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير السيولة الممكنة لتمكين المقاصد من الاستمرار في رسالتها، وعدم إقفال مدرسة خديجة الكبرى.
وعلى الفور اتصل الرئيس الحريري بوزير المالية خليل وطلب إليه تسديد جزء من المستحقات المتراكمة للمقاصد، وكانت تلبية الوزير الخليل الفورية لهذا الطلب، موضع تقدير المجتمعين في دار الفتوى، حيث اعتبر الوزير حمادة أنّ هذه الخطوة تساعد المقاصد على تجاوز الأزمة المالية مؤقتاً، بانتظار الإفراج عن بقية المستحقات للمقاصد ومدارس القطاع الخاص التي تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية الدولة في التعليم المجاني.
وشكر المفتي دريان الرئيس الحريري على رعايته واهتمامه بجمعية المقاصد «أم الجمعيات في لبنان»، والتي تُعنى بالشأن التربوي والتعليمي والاجتماعي والصحي.
وأكد الرئيس الحريري للمفتي دريان انه يتابع موضوع جمعية المقاصد لحظة بلحظة وهو على تواصل دائم مع سماحته لمعالجة هذه القضية، وانه يقف دائماً الى جانب جمعية المقاصد للنهوض بها لتأدية الدور الذي تطلع به على صعيد ابناء بيروت وبقية المناطق اللبنانية.
وكان خبر اقفال مدرسة خديجة الكبرى التابعة لمؤسسات المقاصد قد استدعى اجتماعاً طارئاً في دار الفتوى بعد تحرك الاهالي والطلاب ضد هذا القرار الذي جاء على خلفية ازمة مالية حادة تعاني منها المقاصد.
واستقبل المفتي دريان أساتذة ومعلمي وأهالي وطلاب ثانوية خديجة الكبرى التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت بعدما شاع خبر إقفالها، حيث نفذ الاهالي والطلاب قبل توجههم الى دار الفتوى اعتصاماً امام المدرسة نددوا فيه بقرار الاقفال. (راجع ص 5)
بالتزامن كان البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي يترأس في بكركي لقاءً تشاورياً استثنائياً، بحضور مطارنة وممثل الكتل البرلمانية للبحث في المشاكل التي تعاني منه المدارس الخاصة نتيجة إقرار القانون 46 وتداعيات، ثم جرى عرض الوضع الراهن للمؤسسات الاستشفائية والاجتماعية، وللمستحقات المتوجب تسديدها من قبل الدولة؟ وتم تشيكل لجنة لإنقاذ العام الدراسي المقبل 2018-2019، من الخطر المحدق به.
سقوط رهانات التهدئة
إلى ذلك، تُشير كل المعطيات السائدة سياسياً، إلى ان ولادة الحكومة العتيدة ليست قريبة، خصوصاً مع عودة الأمور إلى المربع الأوّل، مع سقوط الرهانات على التهدئة، بقصد تنفيس الاحتقان ومع استمرار ضغوط النواب السنة المستقلين عن تيّار «المستقبل» للدخول إلى الحكومة، ليس بهدف مشاركته في «جنة الحكم» بل للمزيد من اضعافه في الشارع الإسلامي، فيما دخلت عملية التأليف في مرحلة «كوما» قد تستمر حتى منتصف الاسبوع المقبل لحين عودة الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري والوزيرين المعنيين باتصالات تشكيل الحكومة جبران باسيل وغطاس خوري من الاجازات الصيفية، في وقت دخلت ألاجواء التي جرى الترويج لها للتهدئة بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» مرحلة اختبار دقيق لمدى نجاحها مع استمرار هذه السجالات، وآخرها بين رئيس التيار جبران باسيل وبين نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني، الذي رد على مقابلة باسيل عبر قناة «ام تي في» امس الاول بالقول امس: لا اعرف في اي كوكب موجود الوزير باسيل حتى انه لا يرى ما قمنا به (القوات) في وزاراتنا.؟
وقد استغرب الوزير حاصباني استمرار حملة التيار على وزراء «القوات»، وقال ل «اللواء»: لا نعلم سببا مباشرا لهذه الحملة، ربما لأنه لا يستطيع الغاءنا يريد تقليص حجمنا، علما اننا سمعنا منه ومن غيره كلاما عن تهدئة اعلامية وسياسية، وعن لقاء مرتقب بينه وبين الوزير ملحم الرياشي، لكن يبدو ان اللقاء سينتظر عودة باسيل من اجازته الصيفية. ونرجو الالتزام بالتهدئة حتى حصول اللقاء لتوضيح كل الامور.
على ان الرد الهادئ نسبياً لحاصباني، ترافق مع ردود أخرى من الوزن الثقيل، جاءت على لسان مصادر في حزب «القوات»، في سياق الاعراب عن استيائها الشديد لـ«اللواء» عمّا قاله الوزير باسيل في حديثه المتلفز مساء الأربعاء الماضي، ولا سيما قوله ان «تفاهم معراب ليس لائحة طعام»، معتبرة ان باسيل أصاب بسهامه بشكل كامل كل مبادرات التهدئة والحوار وأعاد الأمور إلى نقطة الصفر، وبالتالي فإن «القوات» لا يمكنها بعد كل المغالطات التي طاولتها من خلال حملة باسيل التضليلية السكوت عليه بعد الآن».
وتساءلت المصادر عن سبب إظهار، باسيل موقع رئيس الجمهورية بأنه ضعيف، ولماذا يريد استهداف دور رئيس الجمهورية ولم يلتزم بالتهدئة التي طلبها الرئيس عون، وكأن الرئيس لا يمون سياسياً على أحد، بينما أظهر باسيل نفسه بأنه صاحب القرار وانه هو من يُقرّر الهدنة والحملة.
ولم تستبعد المصادر ان يكون لدى الوزير باسيل مخطط لا أحد يعرفه، سوى ان لديه أجندة خاصة رئاسية بامتياز، وهذه الأجندة تتعارض مع أجندة العهد اولا ووطنيا ثانيا، وتتعارض مع الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني ثالثاً، وكذلك مع التحديات المطلوبة من الحكومة، والتي يجب تشكيلها في أسرع وقت ممكن».
الكشف عن اتفاق معراب
وتزامن ردّ «القوات» على باسيل، مع ما كشفته محطة M.T.V بأن الصفحة الثانية من اتفاق معراب تشير إلى ان «القوات» و«التيار» يتوزعان مناصفة المقاعد الوزارية المخصصة للمسحيين في حكومات العهد كافة، وتلفت إلى ان الحقائب السيادية هي وزارات: الخارجية والدفاع والمالية والداخلية.
وبيّنت أنّ «الإتفاق ينصّ على توزيع مراكز الفئة الأولى في الإدارات الرسمية والمؤسسة العامة ومجالس الإدارة العائدة للمسيحيين، بالإتفاق بين الجانبين وفقًا لمعياري الكفاءة والنزاهة»، منوّهةً إلى أنّ «الصفحة الرابعة من الإتفاق، تشير إلى أنّ الجانبين اتّفقا على أن تكون كتلتاهما النيابيتان مؤيدتين لرئيس الجمهورية، وعاملتين على إنجاح عهده، من خلال مكافحة الفساد، تحقيق الإصلاح المنشود، تحقيق المصالحة الوطنية، تعزيز الدور المسيحي الوطني وصلاحيات رئيس الجمهورية».
وركّزت على أنّه «تمّ الإتفاق أيضًا على تشكيل فريق عمل من قبل الجانبين، لتنسيق خطوات العهد».
واضاف عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب جورج عدوان، على ما كشفته المحطة المذكورة من تفاصيل في اتفاق معراب، اشارته كذلك، الى ان النقطة الاساسية في التفاهم كانت بأن تمضي «القوات» بإنتخاب الرئيس ميشال عون وتبذل كل جهدها لإيصاله مقابل حصولها على شراكة كاملة بهذا العهد» مضيفا «فيما يخص إيصال عون للرئاسة «نحنا عملنا إلي علينا بشكل أكثر من كامل» ولكن الغير لا يريد أن يلتزم بواجباته التي نص عليها التفاهم».
وعن لقاء جعجع باسيل، قال عدوان: «اللقاء ليس مهما ولا نسعى إليه لأن جعجع لا يشخصن الأمور بل كل ما يريده تطبيق ما اتفق عليه والاجتماع الشخصي لا علاقة له».
خطوة - جعجع التالية
والسؤال، في ظل احتدام السجالات بين «القوات» والتيار. وفي حال إصرار باسيل على عدم تطبيق ما اتفق عليه في تفاهم معراب، ما هي الخطوة التالية التي قد يقدم عليها رئيس القوات سمير جعجع؟
لا جواب حتى الساعة، عن السؤال، لكن ما أشار إليه جعجع في عشاء لمصلحة النقابات في «القوات» في معراب ليل أمس الأوّل، اوحي بتلميحات إلى إمكانية التخلي عن المشاركة في الحكومة، عندما قال: «نحن ان وجدنا اننا لن نكون فاعلين أو قادرين على التغيير في الحكومة العتيدة فلا فائدة من مشاركتنا وما نصارع من أجله اليوم ليس حجم الحصة الوزارية التي سنحصل عليها وإنما من أجل ان نستطيع ان نكون «قدا».
الا ان مصادر مطلعة، استبعدت ان يقدم جعجع على خطوة انقلابية من نوع التخلي عن المشاركة في الحكومة، على اعتبار ان الرئيس المكلف لا يستطيع ان يتحمل خطوة كهذه تجعله مكشوفا لوحده أمام العهد الذي عمل وجعجع على ايصاله، علما ان الحزب الاشتراكي يعيش بدوره في الأجواء نفسها، في حال أصرّ «التيار الحر» على اشراك النائب طلال أرسلان في الحكومة، من باب الحرص على الثنائية الدرزية.
وفي هذا السياق، كشف مصدر اشتراكي لـ «اللواء» بأن الأمور ما زالت على حالها في الملف الحكومي، وان لا تطورات جديدة طرأت على الموضوع، على الرغم من اللقاء الذي جمع رئيس الحزب وليد جنبلاط بالرئيس عون أمس الأوّل، والذي اقتصر على «الدردشة» بحسب تعبير المصدر الذي أكّد على موقف الحزب الواضح في الموضوع الحكومي، وان لا تراجع عن المطالبة بتوزير ثلاثة وزراء دروز من قبل الحزب مهما كانت الظروف.
خليل على الخط
ووسط هذه الأجواء، لفت الانتباه الانتقادات التي وجهها المعاون السياسي للرئيس برّي وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل لملف تشكيل الحكومة، واعتباره ان هذا الملف «يدار بعقلية لا توحي بالثقة». مؤكدا ان حركة «امل» قدمت أقصى ما يُمكن ان يقدمه طرف سياسي بالعمل اللبناني، وبالشعارات التي ترفع.
وفي تلميحات شبيهة بالتلميحات التي اعلنها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله بالنسبة للتمثيل في الحكومة وفقا للاحجام، قال خليل في احتفال اقامته حركة «امل» في ذكرى يوم شهيدها: «نحن لنا أكثر بكثير مما قبلنا به في الحكومة، ونحن قدمنا ما علينا فلا تجعلونا نعيد الحسابات ونعيد طرح الموضوع على أساس القواعد التي وضعتموها، لأن ما نريده هو الخروج من المأزق الحقيقي الذي نعيشه ونمر به».
النواب السنّة
في هذه الاثناء، عاود النواب السنّة الستة المستقلون عن تيّار «المستقبل» اجتماعهم امس في دارة الرئيس الراحل عمر كرامي لتأكيد مطلبهم بأن يتمثل هؤلاء النواب في حكومة الوحدة الوطنية التي يجري العمل على تأليفها، من أجل تكريس فكرة الوحدة الوطنية اولا ومن ثم لضرورة التوازن النسبي ضمن الطوائف وفق نتائج الانتخابات النيابية، لكن البيان الذي أذاعه النائب فيصل كرامي لم يأتِ على ذكر ماذا كان النواب الستة يريدون وزيرين أو وزيرا واحدا مكتفيا بالتركيز على ان المصلحة الوطنية تقضي بعدم تغييب أي فئة سياسية عن هذه الحكومة، معلنا رفضه بشكل حازم «بدعة فحص الدم» لهذا النائب أو ذاك.
على ان اللافت في الاجتماع، هي النقطة التي تطرق إليها المجتمعون، وهي مسألة الصلاحيات الدستورية للرئاسة الثالثة، حيث اعتبروا ان أي مس بتلك الصلاحيات هو تجاوز غير مقبول للدستور ولاتفاق الطائف، وان من يحفظ هذه الصلاحيات فعليا هو توافق وطني حقيقي على ما نص عليه اتفاق الطائف في إطار استقلالية المؤسسات وتكاملها، إضافة إلى مسؤولية ودور الرئيس المكلف بعدم تقديم أي تنازلات تمس بصلاحيات هذا الموقع».
مجلس المفتين
وحضر موضوع الصلاحيات ايضا اجتماع مجلس المفتين في دار الفتوى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، والذي نبّه بدوره من خطورة المس بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء المخول دستوريا تشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية».
ولفت المجلس في بيان ان تأخير تشكيل الحكومة مرده إلى إيجاد اعراف مصطنعة تتناقض مع وثيقة الوفاق الوطني التي اضحت دستوراً، وأكّد ضرورة التزام كل الأفرقاء اتفاق الطائف وعدم إيجاد اعراف تعوق تشكيل الحكومة والنهوض بمؤسسات الدولة التي ينتظرها اللبنانيون لإيجاد حلول سريعة للأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية».