زيارة مدير عام الجمارك لغرفة طرابلس تفتح باب التعاون
شكّلت دعوة رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال لمدير عام الجمارك بدوي ضاهر محطة مفصلية في تلاقي المؤسسات الحيوية وتفاعل قياداتها على المستوى العملي من خلال تعاون المسؤولين فيها ، لتعطي الإستنتاج الأوضح بأن الإنتاجية ممكنة وبأن التحرّر من قيود الجمود متاح ، مع وجود الإرادة والجرأة والتسلّح بالشفافية ووضوح الرؤية والإقدام والمثابرة في التنفيذ وفق المعايير العلمية والموضوعية.
إلتقى توفيق دبوسي وبدري ضاهر ، وهما الآتيان من خلفيةٍ مشتركة هي إرادة التغيير وتجاوز العقد الروتينية التاريخية المعيقة للإنتاج والتطوير في الدولة..
إلتقى الرجلان وهما خاضا ويخوضان تجربتين هامتين ، كلٌ من موقعه وفي المؤسسة التي يقف على رأسها ويدير مرافقها ، فيضعان أمام الرأي العام إنجازاتٍ لا يمكن أن ينكرها إلا جاهلٌ أن جاحد..
• ضاهر: مواجهة الحقيقة والواقع الصعب
إستعرض ضاهر واقع الجمارك كقطاعٍ رسمي ، وكشف الكثير من الحقائق المؤلمة ، منها ما يتعلّق بتهالك المباني وغياب الصيانة عنها والعجز عن تلبية شروطٍ حيوية في بعض الأحيان ، لتأمين المناخ الصحي والتقني اللازم للإنتاجية الوظيفية..
يكشف ضاهر أن ميزانية صيانة مباني الجمارك تبلغ 300 مليون ليرة لبنانية ، ورغم محدوديتها فإنها تسقط بسبب التأخير الحاصل في تنظيم دفاتر الشروط ، ويوضح أن مبنى جمارك ميناء طرابلس يحتاج للتأهيل بسبب الرطوبة ، فهو لم يعرف الدهان منذ 30 عاماً ، وأنه في وقت سابق كان قسمٌ كبير منه مكباً للنفايات ، وما يزيد الأمر صعوبةً هو أن الجمارك ليس لديها دائرة هندسية تلجأ إليها ، بل هي ملزمة بالإستعانة بوزارة الأشغال ، و هذا يأخذ وقتاً طويلاً في الإستجابة لمتطلبات الصيانة وتنفيذها.
• حوارٌ مثمر
إلتقى ضاهر النقابيين وممثلي قطاعات الإنتاج ، وقدّم عدداً من الحلول لإشكالاتٍ طرحها عليه المشاركون في اللقاء ، ومنها:
ــ أن القانون يلزم الجمارك "العمل في بحر النهار" ، وهذا ما يفسره البعض في الإدارة على أنه قبل الساعة السادسة ، الأمر الذي يضرّ بمصالح المستوردين والمصدرين ، فأكد الإستمرار في العمل وتخطي الساعة السادسة ، طالما ان المعاملات منجزة وأصحابها حاضرون لتنفيذها ، وحول طلب تسريع إخراج الشاحنات كان التجاوب أيضاً قائماً.
ــ في موضوع التهريب ، أكّد ضاهر ضرورة توقيفه لأن فئة محدودة من الناس تستفيد منه ، بينما يقع الضرر على الشريحة الأكبر من المزارعين الذين يكافحون للبقاء في أرضهم والإستمرار في إنتاجيتهم التي تعاني من كلفة الإنتاج العالية ، ولذلك يجب مواجهة ظاهرة التهريب بقسوة.
ــ سمع ضاهر الشكوى لدى قطاعي الزراعة وصناعة المفروشات حول المزاحمة في الإستيراد وما يتركه هذا الأمر من نتائج كارثية على اللبنانيين العاملين في هذه القطاعات ، فنصح بضرروة اللجوء إلى قانون حماية الإنتاج الوطني ومراجعة اللجنة الخاصة بهذه الحماية ، والإعتراض لديها على آلية تنفيذ الإتفاقات المبرمة ، وتحديداً في إستيراد البطاطا المصرية ، وتبيان النتائج السلبية على المزارعين ، موضحاً أيضاً أنه كان من الضروري إستثناء قطاع المفروشات خلال التفاوض لأن إستيرادها يؤدي إلى ضرب الإقتصاد الوطني.
يؤكد ضاهر أن التصدي لتهريب المزروعات السورية يتخلّله التقصير والإهمال ، و"لكننا نبثّ روح العمل في الشباب لتعويض النقص في الآليات ، وسنعمل على زيادة الغرامات" للتضييق على المهربين.
ــ إشتكى أصحاب الشاحنات اللبنانية من دخول الشاحنات السورية الفارغة إلى الأراضي اللبنانية ومزاحمتها لهم ، فأكد ضاهر أن المعاملة بالمثل يجب أن تكون قائمة ، وأنه من غير المسموح دخولُها بدون إذنٍ من وزير النقل أو مدير عام وزارة النقل ، وبموافقةٍ مسبقة ، وليس بـ"قـُصاصة ورق" ، مشدّداً على التأكيد على تنفيذ هذا التوجه ، مؤكداً أنه لن تدخل أي شاحنة سورية فارغة خارج القانون ، مطالباً بمراجعة ما إذا كان مسموحاً لمكتب وزارة النقل أن يعطي الإذن بدخول الشاحنات السورية الفارغة.
ــ دعا ضاهر إلى التعاون مع رجال الجمارك ، وهذا التعاون مطلوب لتوفير المعلومات الضرورية للتصدي للتهريب وكشف المهربين ، فمعرفة مصدر المنتجات الزراعية ليس سهلاً ، بل يتطلب تنسيقاً كبيراً بين المتضررين وبين رجال الجمارك ، داعياً في الوقت نفسه إلى الإبلاغ عن أي ضابط أو عنصرٍ جمركي يتواطأ لأنهم سيحاسبون بصرامة.. مذكّراً أنه بهذا التعاون تم الحد من تهريب البيض والبنزين ومواد أخرى.
ــ شدّد على ضرورة الإلتزام بالمعايير والتعاون لإحباط تصدير الممنوعات بأي شكلٍ من الأشكال لحماية سمعة لبنان ومستقبل قطاعاته الإنتاجية.
• جولة الدهشة والإعجاب..!!
بعد الحوار دعا الرئيس دبوسي المدير العام ضاهر إلى جولةٍ في مرافق غرفة طرابلس ، حيث كانت المفاجآت تتالى من مختبرات مراقبة الجودة التي تزخر بالمزيد من الآلات المتطورة التي يتميز بها مختبر الغرفة بشكل حصري ، وهي ذات قيمة كبيرة مادياً ووظيفياً.. وتشمل كل أنواع التحاليل في مجالي الزراعة والصناعة ، بحيث بات هذا المختبر مقصداً للدوائر المعنية في كل لبنان..
وفي جمعية تطوير الأعمال (BIAT) إستمع ضاهر من الدكتور فواز حامدي إلى إنجازات دعم رواد الأعمال في طرابلس والشمال ، وكيف شكل إحتضان الغرفة علامة فارقة في هذا المجال.
وفي مركز الأبحاث والتطوير الصناعي (إدراك) كانت المفاجأة الثانية ، حيث قدّم الدكتور خالد العمري الشرح عن التعاون لمساندة الأفكار الإقتصادية الخلاّقة ، وإحتضان المشاريع الرائدة ، فهنا تم إحياء بوظة الدبوسي التاريخية بعد أن شارفت على الإندثار ، وتم إحتضان إنتاج القهوة العربية وتجهيز مختبرات الجودة الخاصة بالعسل وبالفواكه وتجفيفها وتهيئة تعليبها وتقديمها كماركة مسجلة للمنتجين مرفقة بشهادة الجودة الصادرة الغرفة..
عاين ضاهر في جولته مركز تجميع العسل الأول من نوعه في لبنان ومركز تجفيف الخضار والفواكه ، الأول من نوعه أيضاً ، ومركز تذوق زيت الزيتون الفريد من نوعه في البلد..
خرج ضاهر من الجولة مندهشاً ومعجباً بجودة وإتقان ما شاهده معلناً الوقوف إلى جانب دبوسي في خطواته وطموحاته ، لأنها منسجمة مع طموحات إستعادة الثقة بالدولة.
إختصر ضاهر الموقف عندما قال:"يجب علينا أن نعمل معاً للقضاء على العمل البيروقراطي القاتل، وان نسقط كل المقدسات التقليدية التي تعطي عنواناً للروتين الإداري القاتل، وأن هذا خيار إستراتيجي، تعلمون قيمته أنتم في طرابلس والشمال، في مسيرتكم المباركة نحو "إعتمادية طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية" والحقيقة أنه يتوجب أن يعلق على صدركم في غرفة طرابلس أرفع وسام تقدير لما تقومون به من أجل الإقتصاد الوطني من طرابلس وأن ما يتم دفعه لخزينة الدولة هو مال الشعب اللبناني الذي يجب أن ينفق على تحسين ظروف البلد بشكل عام".
• دبوسي وضاهر: تشابه الخلفيات والمقاصد في التجديد والتطوير
يقف توفيق دبوسي وبدري ضاهر على رأسي مؤسستين هامتين وحيويتين في المجال الإقتصادي والمالي ، وكلتاهما عانتا وتعانيان من الترهل الإداري وجمود التطوير ومن العقلية الصنمية في الإدارة.
فقد ورث بدوسي غرفة طرابلس بدورها التقليدي المحدود وبمحسوبياتها السياسية السابقة التي كانت قد حوّلتها إلى "حُجرة" في البيت السياسي لهذا الطرف أو ذاك ، الأمر الذي أفقدها دورها وجعل منتسبيها فئة محدودة وإدارتها مجموعة شبه معزولة عن المجتمع وتحولاته الإقتصادية والإجتماعية..
خلال توليه أمانة المال ، ثم الرئاسة ، أوجد دبوسي دوراً جديداً لغرفة طرابلس والشمال ، لا يقتصر على المعاملات التقليدية ، بل تعداها لتأخذ دور المدافع الشرس عن حقوق التجار وأصحاب الصناعة وعن المزارعين ، حاملاً الملفات الثقيلة بين هؤلاء وبين الحكومة والوزارات والدوائر.. وعندما تقفل دوائر الحل ، يبادر نحو آفاقٍ جديدة في الداخل والخارج..
دخلت غرفة طرابلس والشمال مع دبوسي عالم المسؤولية الإجتماعية ، فتعاونت مع الجمعيات الأهلية ومع النقابات ومع غرف المناطق ، من أجل رفع مستوى الوعي والمعرفة والتعاون مع القطاعات الإنتاجية في تجاوز المطبات والعقبات التي تواجهها.
تحوّلت الغرفة مع توفيق دبوسي إلى صرحٍ حضاري يؤمّه رؤساء الحكومات والوزراء والنواب وسفراء الدول الكبرى والجوار العربي ، الذين باتوا على إطلاع بإمكانات طرابلس الواعدة في الإستثمار.
تبنّى دبوسي إحياء المرافق الكبرى في عاصمة الشمال ، فدعم المنطقة الإقتصادية الخاصة في طرابلس عبر مجلس إدارة الغرفة بدفع مبلغ يقارب 400 مليون ليرة لبنانية لتأمين المقر وتوفير رواتب الموظفين.
وإيماناً منه بهذا الأفق الواعد ، أطلق دبوسي مبادرة "نحو طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية" لتكون بمثابة رافعة لإطلاق ورشة عمل تحيي المرافق الحيوية بإستثمار وطني شامل ، مع الفرص التي يتيحها موقع المدينة وأسعار الأراضي والخدمات فيها ، فضلاً عن توفر الكفاءات البشرية عالية المستوى والتي تستتجيب لمجمل متطلبات الإستثمار..
• الجمارك: قفزة نوعية لجهاز ضربه ترهل مزمن
بدوره تسلّم مدير عام الجمارك بدري ضاهر موقعه على رأس جهازٍ يمكن إعتباره من أهم الأجهزة المشرفة على موارد الدولة ، لكنه يعاني ترهلاً إدارياً يتفشى في مفاصله ، ويؤثر على أدائه وإنتاجيته ويجعل صورته سلبية بنظر المواطنين.
إصطدم ضاهر بوجود عقليات لا تحبّذ التطوير ولا الخروج من مستنقع الروتين الذي يستهلك الميزانية والجهد البشري ، نتيجة تعاميم وقرارات بعضها مستمر منذ 30 سنة لأسبابٍ آنيةٍ موضعية ، لم يتم إلغاؤها رغم زوال أسبابها..
وهكذا ألغى ضاهر مئات المحطات في المعاملات الروتينية وإتجه نحو المكننة وألغى العمل اليدوي الذي كان قد بقي مستمراً رغم وجود العمل الرقمي ، فوفـّر أعداداً كبيرة من الموظفين ومبالغ طائلة كانت تضيع على الأوراق والمستندات غير المفيدة.
ألغى ضاهر كذلك ما يسمى "بصمة السيارة" مع ما كانت تعنيه من تأخير في الوقت وهدر في الطاقة الوظيفية وأضرارٍ تقع على هياكل السيارات المستوردة نتيجة الطريقة التي كانت معتمدة بإستخدام الأزاميل والمطارق ، تاركةً تشويهاً مباشراً على الآليات المستوردة.
يعترف ضاهر أن ما تم إنجازه حتى الآن غير كافٍ لتحقيق الطموح المنشود في الجمارك ، لكن الواقع يشير إلى أن مبادراته أحدثت الصدمة الإيجابية وخفـّفت من خشبية العمل الروتيني وأعطت المواطنين بعض حقوقهم ، ورفدت الخزينة العامة بأموالٍ إضافية.. وفق معادلةٍ تؤكد أن التطوير ومحاربة الفساد يحقـّق مكاسب للجميع إلا للفاسدين أنفسهم.
• دبوسي وضاهر: نموذجان لبناء المؤسسات وخرق حواجز الجمود
ما يميّز بدري ضاهر أنه رغم إنتمائه السياسي المعروف ، إلا أنه ومن خلال أدائه وخطابه الوطني إستطاع أن يقدّم نموذجاً إيجابياً للعهد وأن يعطي دفعة أمل بأن في الدولة رجالاً يُصلحون وسط عواصف الفساد المندفعة في مواقع الدولة.
وما يميّز توفيق دبوسي أنه إرتقى بغرفة طرابلس إلى مصاف الغرف الكبرى ، لا بل المتقدمة على نظيراتها في عددٍ من المجالات ، وهو نسج علاقات راقية بجميع الأفرقاء والأحزاب والمرجعيات ، ليحفظ للتجار مصالحهم وللصناعيين حقوقهم وللمزارعين مطالبهم..
توفيق دبوسي وبدري ضاهر نموذجان حيّان للبنانيين الشرفاء الذين يجعلون من بناء المؤسسات ومن المسؤولية الإجتماعية والوطنية محور حياتهم وسلوكهم ، فتزدهر معهم المؤسسات وتلمع الأسماء ويستحق الفخر والتقدير والإحترام...