إنّها شريعة الغاب، حُكم القويّ، الأكبر يأكل الأصغر.
هُنا كلّ شيءٍ مُباح لا حدود لأيّ أمر ولا رادع ولا من يوقفك عن أيّ عمل، أهلاً بك في الضاحية الجنوبية لبيروت. هنا شوارع لها بوّابات تُغلق وتُفتح عند الحاجة. هُنا الأمرُ للأقوى، فلا دولة ولا عدل. هُنا السلاح والمخدرات والخوّات والعصابات ومافيات الكهرباء. هُنا الفقر والتبعيّة العمياء. آخر أحداث مسلسل القتل، شابٌ ضحيّة للسلاح المتفلّت وضحيّة الشعور بالفوقيّة، “فنحنُ هنا الكبار ولا كبيرٌ علينا نحنُ السلطة ونحنُ قوّة الأرض.”
كيف تترجم هذه المشاعر؟ من المؤكد أنّ هذا الفائض من القوّة هو الشيء الوحيد الذي يمتلكه الفقراء في شوارعهم وأحيائهم، فهؤلاء خارج حدودهم هم لا شيء لأن بنظرهم أنهم أمراء هذه البقعة. أن تصل الأمور إلى هذا الحال بفئة من الشعب، فهذا له تراكماته وأهداف حزبيّة وإقليمية ليُصبح هذا المجتمع صندوق احتياجات، كلّما إحتاجوا شهيداً يفتح الصندوق ، وهذا كله متشابك ببعضه البعض، فهل تستطيع اقناع شاب عشرينيّ يتخصص بأهم جامعات البلاد، يعود من جامعته ليمارس الرياضة، ومن ثم يكمل نشاطاته بإحدى الجمعيّات أو المنظّمات الإجتماعية، وهو فردٌ مؤمن بالحياة ويريد أن يحقق طموحه بنيل شهادته والتزوّج من حبيبته واكمال مشروعه الإجتماعيّ، بأن يقتُل أو يُقتل او ينزل الى الشوارع والزواريب ويرفع الأعلام الحزبية؟ قطعاً لا.
ولكن طبعاً هذا حُلم، فنحن نتكلّم عن شاب يقبع في أحزمة للبؤس، لا هدف له ولا علم ولا مال. إنّها سياسة أكثر من ثلاثون عام لتصل إلى حاضرنا، إلى هذا القاع. ربّما يراها المُتابع تفاصيل وليست من الأساسيات، رغم أنّ العمل يجري على التفاصيل، من الإستماع للموسيقى الى الرقص الى أسلوب الكلام… فهل يعتقد أحد أن هذا الشاب الذي قام بقتل محمد زهر في حيّ السلم كان يستمع لمقطوعة موسيقية ومن ثم قرر النزول الى الشارع وغرز سكيناً في قلب إنسان؟ أم أنه كان يعمل على بحثٍ له علاقة بالأحتباس الحراري، أو بأصل الأنواع أو يعمل على دراسة كيفية العمل الدماغي وفجأةً زعجه شاب مبتهج بفوز منتخبه فقام بغرز سكين بقلبه وأرداه قتيلاً؟
هذه كلها تفاصيل. من يتابعها ويدقق بها يخرج هارباً من هذا المستنقع، ومن يتعلّق بالقشور يغوص بها ويصبح إمّا قاتلاً أم قتيلاً.
إقرأ أيضًا: عقدة القوّات اللبنانية