تُعدّ علاقة ميشال عون بوليد جنبلاط مجالاً خصباً للنزاع. المعارك الإعلامية والسياسية تندلِع من حينٍ لآخر بينهما، من دون أن يصِل ذلك إلى «حربٍ» ضروس. كأنهما يحرُصان على شعرة معاوية رابطاً لا ينبغي التفريط به. شعرة معاوية هنا، هي الجبل. المكان الذي يشكّل أمنه وأمان أهله المشترك الوحيد بين الرجلين. هو الإيجابية الوحيدة أيضاً التي تنزِل طبقاً على مائدة أي لقاء يجمعهما. أما كل ما تبقّى فهو قابِل للخصومة. وآخر معالم هذه الخصومة ما يحصُل اليوم حول حصّة الطائفة الدرزية في الحكومة الجديدة، حيث يُصر زعيم المختارة على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة على قاعدة أنه «الأقوى في طائفته». عون يرفض، ومعه التيار الوطني الحرّ، حُكماً.

المُفارقة في علاقة الرجلين تكمُن في أن ما يجمعهما (أي الجبل) كان ولا يزال هو نفسه نقطة الخلاف. خلاف على القيادة والسطوة في منطقة جغرافية واحدة. وهو ما ظهر في أكثر من محطّة خلال نقاش قانون الانتخابات ومن ثمّ التحالفات الانتخابية. هذا الملف ينسحِب سلباً على كل القضايا الأخرى، ويزيد من التشنّج بين الحزب الاشتراكي والتيار الوطني الحرّ. وعلى إثره عرِفت العلاقة بين الطرفين القليل من المدّ، والكثير من الجزْر، لكنها ظلّت محكومة بسقف «المصالحة المسيحية - الدرزية».
لا يحتاج العونيون والاشتراكيون أكثر من بِضع كلمات لاختصار محطّات العلاقة بين قيادتيهما. الطرف الأول يتهّم «جنبلاط بأنه يرفض أي شراكة قوية في الجبل»، مقابل اتهام الطرف الثاني لعون بأنه يتصرّف من منطلق «الأمر لي في الجبل». حالَ هذا الإشتباك دون التوصل إلى أي تفاهم ثنائي، على رغم كل لقاءات النقاش التي تولاها عدد من نواب ووزراء الطرفين. في المُحصّلة حسابات جمّة تحكُم كلاً من عون وجنبلاط لا يبدو أنها ستسمح يوماً بإصلاح ذات البين.
علامَ رست اليوم العلاقة التي ورثت كل المعارك الدموية التي شهدها «جبل لبنان»، و«نقزة» البيت الجنبلاطي الدائمة من أي رئيس قوي للجمهورية؟ هو سؤال إعجازي بالنسبة الى الاشتراكيين والعونيين، على رغمّ أنهما يُجيبان عنه بالكثير. وبحسب بعض المطّلعين على جوانب العلاقة بين عون وجنبلاط «يجد الرجلان صعوبةً حتى اللحظة في خلق كيمياء بينهما». يعود ذلك إلى طبيعة كل منهما. فرئيس الجمهورية «شخص عنيد غير قابل للتفاوض»، فيما جنبلاط «يملك مرونة استثنائية لا تحرجه في إظهار نفسه في مظهر المتقلّب». هذه أول نقطة تصادم تجعلهما أخصاماً دوماً.
لم يستطِع سير جنبلاط في التسوية الرئاسية إلغاء تاريخ الكراهية مع عون. ولم ينجح في خلق حاضرٍ خالٍ من العدائية، ما يحول حتى الآن دون تهيئة مستقبل سليم. ومع أن «لكل مرحلة موجباتها» التي تفرض «خيارات وطنية» كما يحلو للطرفين تسميتها، فإن لكل منهما في جعبة الآخر ملفاً «أسود» يسرُده على طريقته.
على ذمّة الاشتراكيين فإن «لدى جنبلاط جاهزية دائمة للتفاهم، قوبلت بالرفض المتكرر». يُحاذر هؤلاء العودة الى المرحلة «الدموية» في الجبل. يفضّلون البدء بحديثهم من تاريخ نفي العماد عون خارج البلاد «وهو القرار الذي رفضناه، بالمبدأ». وعلى رغم كل الخلاف «بقي التواصل مع عون وتياره قائماً، شابَه تباعد وتقارب في كثير من الأحيان». لكننا «لم نغلق الباب ولم نذهب يوماً إلى قطيعة». صحيح «أننا عارضنا انتخابه رئيساً في البداية، لكننا عدنا وانتخبناه». سبقت ذلك «لقاءات بين عون وجنبلاط، نظرنا إليها بإيجابية كبيرة نتيجة ما سمعناه على لسانه من حرص على الجبل»، لكنه «كلامٌ شفهي لم يجد طريقه إلى التطبيق». علماً أن «جنبلاط وخلال مؤتمر للحزب الاشتراكي في شباط 2017، شدّد على الشراكة في الجبل، خصوصاً مع التيار الوطني الحر، وعلى تفاهم عريض أياً يكُن القانون الانتخابي الذي سوف يتمّ اعتماده». ومن القانون الانتخابي ينطلق الاشتراكيون لاتهام عون وتياره بمحاولة «تكسير راسنا. أصلاً قانون الانتخابات النيابية أقرّ لمحاصرة وليد بك قبل أي طرف آخر». كل الكلام عن الشراكة «تبخّر» بالنسبة للحزب الاشتراكي «لا سيما أن أحداً لم يهتم لغيابنا عن جلسات النقاش التي سبقت إقرار قانون النسبية». ومن القانون إلى مجلس الشيوخ «الذي تقصّد التيار مناقشته لاستفزازنا»، ينتقل الاشتراكيون من محطّة إلى أخرى لتدعيم وجهة نظرهم. «الخطاب الطائفي ونبش القبور» الذي اعتمده العونيون وعلى رأسهم وزير الخارجية جبران باسيل في حملاتهم الانتخابية، نقطة إضافية يستخدمها الاشتراكيون في «مضبطة» اتهاماتهم. يسجّلون لمصلحتهم نقطة «إصرارهم على تحالف انتخابي مع التيار الوطني الحرّ». يقولون: «انتظرنا طويلاً جواباً منهم، ولم يصِل. وفضلوا التحالف مع الوزير طلال إرسلان، وأصبح مطلبنا للشراكة بالنسبة إليهم وكأنه تربيح جميلة». في هذه اللحظة أخذت الأمور مع التيار الوطني الحرّ منحى أكثر تعقيداً، خصوصاً أن «العونيين رفضوا نتائج الانتخابات، وتمّ لصق 3 نواب مسيحيين إلى النائب إرسلان للحصول على كتلة تسمح له بالحصول على وزير في الحكومة المقبلة. فبأي صفة يفعلون ذلك؟»، تتساءل مصادر في الحزب الاشتراكي. تشكّل هذه النقطة واحدة من العناوين الرئيسية للخلاف مع العونيين اليوم.


ليسَ ملف الحزب الاشتراكي عند العونيين أقل سوءاً. من النقاط نفسها ينطلق التيار الوطني الحرّ ومنها ينتهي خلال شرح أسباب الخلاف. لم تكُن العلاقة يوماً جيدة. واقعٌ تجيد مصادر عونية جيداً كيف تبررها. لا ينسى العونيون وليد جنبلاط 2005، حين كان يقود يومذاك حركة 14 آذار ويرسم تحالفاتها في الداخل والخارج. هو الذي جهد لإقصاء العماد عون عن المشهد السياسي حين كان رأس حربة في المعركة ضد النظام السوري، مما جعله على نقيض مع عون الذي كان يصر على عدم اتهام سوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى أن يثبت الاتهام بالدليل القاطع. ولا ينسى هؤلاء وليد جنبلاط «المعطّل» في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي «حين منعنا من التحرك في محطات كثيرة». وهو «الذي رفض دعم العماد عون، ولم ينضمّ إلى التسوية الرئاسية الإ حين لمسَ بأنها ستحصل معه أو من دونه». هناك إشكالية دائمة تقول مصادر عونية بأن أساسها «تضخيم حجم جنبلاط نيابياً على حساب المسيحيين». ومن الطبيعي أن يظلّ التشنّج قائماً «لأن تصحيح التمثيل المسيحي الذي سعينا إليه كان لا بد أن يأتي على حسابه». لدى العونيين شعور دائم بأن «جنبلاط يرفض أي شراكة في الجبل. لأنه ببساطة اعتاد التعامل مع شخصيات مسيحية لا وزن لها، لكن الحال تغيرت الآن، وعلى الحزب الاشتراكي أن يتكيّف مع ذلك». عدم التحالف الانتخابي مع جنبلاط في الجبل قرار يراه العونيون «سليماً». دليلهم «نتائج الانتخابات التي أظهرت بأننا نستطيع تحقيق مكاسب أكبر من تلك التي كنا سنجنيها من التحالف معه». أما في موضوع الحكومة، فتؤكّد أوساط العهد بأن «الخلاف الأساسي هو على المعيار. فليس بالإمكان تجزئته، وإعطاء الحزب الاشتراكي أكثر ممّا يستحقّ»!