هل تأليف الحكومة بات في عالم الغيب؟ وهل الاتصالات واللقاءات لا سيما اجتماع الرئيس ميشال عون مع كل من الدكتور سمير جعجع رئيس حزب «القوات اللبنانية» والنائب السابق وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي، من شأنها ان تشكّل كاسحة ألغام من امام التأليف، الذي ينتظر عودة الرئيس سعد الحريري من «اجازة عائلية»، وهي مرجحة قبل بداية الأسبوع المقبل؟
لا أحد بإمكانه ان يدلي بإجابات، ما دامت الاجتماعات لم تلامس أصل المشكلة وهي تشكيل حكومة، وقادرة على معالجة المشكلات المتراكمة والمتفاقمة والمتعلقة بالمالية والاقتصاد والنازحين والنفايات والكهرباء، والبطالة وأزمات السير، وخلاف ذلك.
مَنْ استمع إلى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، قبل سفره في إجازة عائلية أيضاً، يتيقن ان عملية التشكيل ليست قريبة، ولا بأس لو تأخرت، بانتظار التفاهمات السياسية، سواء في ما يتعلق بالبرنامج أو نوعية الوزراء على حدّ تعبير باسيل نفسه، الذي اعتبر ان تبني الرئيس المكلف مطالب «القوات اللبنانية» والوزير جنبلاط فيه خطأ ومن شأنه ان يتبين له الأمر لاحقاً.
ومن وجهة نظر باسيل ان حصة «القوات» لا يجب ان تتجاوز «3 وزراء» في ما حق النائب طلال أرسلان ان يكون وزيرا من زاوية الثنائية الدرزية.
وقال ان مصلحة الرئيس الحريري استمرار التفاهم الحاصل، كاشفا انه عرض عليه التخلي عن وزارة الخارجية مقابل تخلي تيّار «المستقبل» عن الداخلية لمصلحة «القوات اللبنانية»، مقابل ان يتولى فريق الرئيس المكلف وزارة الخارجية.
وحسم باسيل ان الحكومة ستولد في شهر تموز، مؤكداً أنه هو من يعين وزراء التيار الوطني الحر، ويقرر ما إذا كان يبقى وزيراً أم لا؟
لقاء عون- جنبلاط
وبحسب ما تجمع لدى المعنيين من معطيات، فإنه صحيح ان لقاء الرئيس عون بجنبلاط، لم يتطرق إلى الحكومة، وهذا ثابت بتأكيد جنبلاط ونواب «اللقاء الديموقراطي» وكذلك أوساط بعبدا، وانه نجح في إعادة وصل ما انقطع من لقاءات من آخر لقاء بينهما في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، وبالتالي ساهم في التخفيف من التشنج والاحتقان السياسي الذي تفاقم مع «التيار الوطني الحر» خلال الانتخابات النيابية، ثم زاد مع نتائجها، إلا ان ذلك لم يلغ السؤال عن الأسباب التي حالت دون طرح الموضوع الحكومي، طالما هو الأساس فيما يزيد من حدة التوتر السياسي، ولماذا استعاض عنه الرئيس عون بالتشديد على المصالحات والعيش المشترك في الجبل والهوس من الحملات المتبادلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بين مناصري «التيار الحر» والحزب الاشتراكي، ومن ثم الخطة الاقتصادية الإنقاذية التي وضعتها شركة ماكينزي الأميركية قبل ان يختم متمنياً ان يكون اللقاء بداية حوار بين الطرفين لتكريس المصالحة في الجبل، من دون ان يوضح أو يُحدّد الجهة التي ستتولى متابعة هذا الحوار.
وحينما طرح على جنبلاط هذا السؤال بعد لقاء الرئيس عون والذي لم يتجاوز الـ20 دقيقة، اكتفى بالجواب بأن الرئيس عون لم يفاتحه بموضوع الحكومة، وهو من جهته لم يعمد إلى اثارته»، متمسكاً بوصف العهد بالفشل: «لن أتراجع عن الكلمة فلو نجح قسم من العهد، كي لا نشمل العهد بكامله في معالجة قضية الكهرباء منذ سنة ونصف لما زاد العجز ملياري دولار.
وعما إذا كان عدم إثارة الموضوع الحكومي يعني ان عون يريد ان يستمر التواصل مباشرة مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، جاء ردّ جنبلاط قاطعاً: «انا اتحدث فقط مع رئيس الجمهورية وهذا يكفي».
معنى ذلك بالسياسة، ان لقاء قصري بعبدا والمختارة، نجح فقط في كسر الجليد بين الطرفين، في إطار سياسة تبريد المناخات المتوترة والتهدئة التي اتفق عليها الرئيسان عون والحريري، لكنه لم يضف أي تطوّر على صعيد موضوع التمثيل الدرزي في الحكومة العتيدة، كما يبدو انه لم يحدث أي تغيير أو حلحلة في المواقف السياسية، وما زال يحتاج إلى جهد إضافي لمد جسور التفاهم من قبل الطرفين، بدليل ان جنبلاط لم يتزحزح عن وصف العهد «بالفاشل» رافضا التراجع عن هذه الكلمة، التي أثارت في حينه عاصفة من الحملات المتبادلة بين الحزب الاشتراكي والتيار العوني، لكنه، تخفيفا لوقع كلمة الفشل على العهد، والتزاماً بالتهدئة، أشار إلى انه «لو نجح نصف العهد في معالجة قضية الكهرباء منذ سنة ونصف، لما زاد العجز ملياري دولار؟».
ولم تشأ مصادر «اللقاء الديموقراطي» الكشف عن تفاصيل أخرى عن لقاء جنبلاط- عون، غير ما قاله زعيم المختارة، مكتفية بالتأكيد لـ«اللواء» ان الحديث لم يتطرق إلى الوضع الحكومي، وان اللقاء كان نوعاً من كسر الجليد، في إطار سياسة المعالجات والحوار والتهدئة، وان الكلام كان فقط في العموميات، مشيرة الى ان مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة مجمدة في الوقت الحاضر، في انتظار عودة الغائبين، ولا سيما الرئيسان الحريري ونبيه برّي والوزير باسيل.
ولفتت إلى ان جنبلاط واضح في تصريحه بأنه مُصر على موقفه من موضوع التمثيل الدرزي في الحكومة، وانه لا تراجع عن تسمية للوزراء الدروز الثلاثة.
وفي المعلومات ان جنبلاط شارك لبضع دقائق في الاجتماع الذي عقده «اللقاء الديموقراطي» عصراً في كليمنصو، برئاسة النائب تيمور جنبلاط، والذي كان مقررا قبل لقاء بعبدا، وتم النقاش في ملفات تشكيل الحكومة والتجنيس والنازحين والاسكان والناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية ومتطوعي الدفاع المدني وعدد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية.
وشدّد اللقاء في البيان الذي تلاه النائب هادي أبو الحسن على أهمية الاسراع في تشكيل الحكومة من أجل الانصراف إلى معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا في ظل الوضع المالي والاقتصادي المتأزم. داعيا المعنيين إلى «تذليل العقد وإزالة العقبات، واقلاع البعض عن أسلوب المماطلة ومحاولة فرض معادلات تضرب وحدة المعايير وتهدف إلى محاصرة بعض القوى السياسية وتحجيم دورها وفي مقدمتها «اللقاء الديموقراطي». كما دعا إلى احترام نتائج الانتخابات وتوحيد المعايير ومراعاة حجم التمثيل الحقيقي للقوى والاحزاب».
إلى ذلك، اشارت مصادر مطلعة في بعبدا لـ«اللواء» إلى ان اللقاء القصير بين الرئيس عون وجنبلاط تناول موضوع الجبل والمصالحة والعلاقات بين «التيار الوطني الحر» والحزب الاشتراكي.
وعلم أن الرئيس عون وجنبلاط شكا من الحملات المستعرة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تؤثر سلبا على العلاقة بين أبناء الجبل.
وأوضحت المصادر أن الملف الحكومي غاب عن النقاش الموسع ومر في السياق العام. وأفادت أنهما تناولا الوضع الاقتصادي وما نتج في اجتماع الرئيس عون لاطلاق الخطة الاقتصادية، ونفت المصادر أن يكون البحث تطرق إلى ما يعرف بالعقدة الدرزية أو الحصص والحقائب, لكن جنبلاط كان واضحا في عدم تراجعه عن أحقية تعيين 3 وزراء دروز يسميهم الحزب الاشتراكي عندما قال إن «التصويت الشعبي والسياسي أعطانا هذا الحق» مضيفا: «قد نسقط كلنا في الانتخابات المقبلة».
وأفادت المصادر انه لم يطرح على جنبلاط أي تصور يتصل بتسمية الوزير السابق مروان خير الدين. مشيرة إلى أن موضوع التواصل مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل علق عليه جنبلاط بالقول: «لم يتم التطرق إلى الموضوع» مؤكدا أنه يتحدث مع الرئيس ويكفيني هذا الأمر.
ورأت المصادر أن جنبلاط مرر ما أراد تمريره، لافتة إلى أن التشنج بين «التيار» و«الحزب الاشتراكي» ينعكس سلبا وما قام به رئيس الجمهورية لجهة اللقاء مع جنبلاط يساعد على تخفيفه الأمر الذي ينعكس حلحلة في الملف الحكومي.
ورأت المصادر أن هناك توجها لدى الرئيس عون قائم على معالجة التشنج قبل الحديث حكوميا، ومن هنا توقعت مواصلة المساعي الرئاسية دون معرفة ما إذا كانت تشمل السنة المستقلين أم لا، علماً ان هؤلاء سيعاودون الاجتماع اليوم بعد ان انخفض عددهم إلى ستة نواب من خارج تيّار «المستقبل».
وقال النائب عبد الرحيم مراد، انه إذا احتسب عدد الذين اجتمعوا للمرة الأولى بستة نواب، فيحق لهم بالتالي بوزير واحد، وهذا حق لنا وليس منّة من أحد.
باسيل
اما بالنسبة لمصالحة «القوات اللبنانية» و«التيار الحر»، والتي لم تشهد أمس، أي تطوّر على هذا الصعيد، بعد زيارة الوزير ملحم رياشي للوزير باسيل في مقر التيار في سن الفيل، أمس الأوّل، تمهيداً للقاء قد يعقد مع رئيس «القوات» سمير جعجع باستثناء إطلالة مسجلة لباسيل قبل سفره على محطة M.T.V عبر برنامج «بموضوعية»، رأى فيه ان لا شيء يمنع حصول اللقاء مع جعجع، دفعاً لمسار سياسي واتفاق لا رجوع عنه، متمنياً الإعلان عن اتفاق معراب الذي قال انه وقعه شخصياً، وليس الرئيس عون، كما تمنى ان تشكّل الحكومة خلال شهر تموز الحالي.
وحرص باسيل ان تكون اطلالته بمثابة دفاع عن سياسة التيار وانه لم يكن البادئ في الهجوم على «القوات»، مشيرا إلى انه لا يُمكن اتهام فريق كل رصيده قائم على محاربة الفساد بأنه فاسد بدون دليل ثم توافق على ما كان غيرك ينادي به، معتبرا ان «ربط تمسك وليد جنبلاط بتوزير ثلاثة وزراء دروز اشتراكيين بالفيتو الميثاقي يصعب الأمور والحلول في الموضوع الحكومي».
ولفت إلى انه بحسب التوزيع المعمول به لا يحق للقوات الا بثلاثة وزراء ولكن نحن لم نقل اننا لا نقبل بأن ينالوا أربعة، اما إذا طالبوا بخمسة فيصبح حق التكتل عشرة وزراء لأن حجمنا هو الضعف، واعتبر ان رئيس الجمهورية والحكومة لا يحتاجان إلى ثلث ضامن لانهما الثلث الضامن، علما ان الطائف تحدث عن ثلث ضامن للرئاسة، ورأى ان هناك من يسعى لخلق جو بأن الرئيس الحريري يتنازل عن الطائف وعن صلاحيات رئاسة الحكومة، وهذا غير صحيح، ونحن اختلفنا معه على أمور كثيرة، لأنه لا يتنازل عنها ومنها المادة 52 من الدستور، وكذلك موضوع مقر مجلس الوزراء، موضحا ان ما حكي عن ملفات بينه وبين نادر الحريري خارج الإطار السياسي غير صحيح على الإطلاق، وهو خسارة لتيار «المستقبل» بعد استقالته، لكن هذا لا يعني ان العلاقة مع الحريري ليست اقوى.
خطة ماكينزي
وكانت مسألة تشكيل الحكومة حضرت في الاجتماع الشهري للمطارنة الموارنة في بكركي، حيث اعتبروا ان كل تأخير في تشكيلها سيمنع تفعيل الاقتصاد ويعرض الاستقرار المالي إلى الاهتزاز، فيما خصص الرئيس عون، فترة ما قبل الظهر، للاطلاع من وزير الاقتصاد رائد خوري ومن فريق العمل والخبراء في شركة «ماكينزي» على ملامح «الخطة الاقتصادية الوطنية» الذي سبق لمجلس الوزراء ان كلف الشركة الأميركية بوضعها لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من حالة التعثر التي يعانيها.
واعتبر عون ان الخطة تساهم في وضع رؤية متكاملة ومتناسقة بين مختلف القطاعات الانتاجية الحيوية في البلاد للمضي قدماً في تنمية وتطوير الاقتصاد اللبناني بشكل مستدام، مثمناً جهود الجهات التي أسهمت في تطوير الدراسة من القطاعين العام والخاص والخبراء الاقتصاديين والاكاديميين، لافتا إلى قدرة لبنان على إيجاد بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات الخارجية المباشرة، وعلى تفعيل قطاعات انتاجية تنافسية قادرة على تعزيز مؤشرات الأداء الاقتصادي.
وعرض الوزير خوري وأعضاء الفريق الملامح الرئيسية للدراسة التي ترمي إلى تفعيل سائر القطاعات الانتاجية على مستوى الجمهورية ضمن آلية اقتصادية تكاملية، لافتا إلى ان الدراسة ستعرض على الرئيس الحريري تمهيدا لعرضها والتصديق عليها من قبل الحكومة المرتقبة فور تشكيلها.
واللافت ان العرض الذي قدمه خوري في مؤتمر صحافي عقده لهذه الغاية في بعبدا، لم يشر إلى الإصلاحات التي يفترض ان تكون الخطة قد لحظتها لتطوير بنية الاقتصاد اللبناني، الا انه عندما سئل عن ذلك، أكّد ان الدراسة التي يبلغ حجمها ألف صفحة تتضمن إصلاحات، لكن الوقت لا يسمح بشرحها كاملة، مؤكدا ان هذه الإصلاحات ستتم بالتزامن مع مؤتمر «سيدر» الذي يلحظ آلية متابعة وهي أمور مترابطة.
وأوضح انه حرص منذ اليوم الأوّل لوضع الخطة قبل نحو ستة أشهر، على اطلاع الأفرقاء السياسيين عليها، وشارك البعض منهم في النقاشات التي دارت حولها وكان هناك تجاوب، إنما يبقى على الحكومة المقبلة ان تتخذ القرار بشأن التنفيذ.
أزمة النازحين
وإذا كانت خطة ماكينزي لم تشر إلى أزمة النازحين، على اعتبار ان هذا الأمر من مهمات مؤتمر «سيدر» والمؤتمرات الدولية الأخرى، الا انه بدا واضحا من المؤشرات ان ملف العودة الطوعية للنازحين، والذي بدأت فصوله تتوالى، قد وضع على نار حامية منذ دخول «حزب الله» على الخط، حيث أعلنت أمس اللجنة المكلفة من الحزب بهذا الملف في بيان استعدادها لقبول طلبات النازحين السوريين الراغبين بالعودة الطوعية إلى وطنهم، يوميا ما عدا أيام الاحاد، من التاسعة صباحا وحتى الخامسة عصرا.
وحددت اللجنة، مراكز قبول طلبات العودة وارقام الهواتف المخصصة لهذا الغرض، في كل من بلدات: بعلبك، الهرمل، اللبوة، بدنايل، الضاحية الجنوبية، النبطية، صور، بنت جبيل والعديسة.
ولفتت مصادر قريبة من حزب الله إلى ان التزامن بين المبادرة التي اعلنها الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله وبيان الخارجية السورية ليس صدفة، وإنما هو دليل على التنسيق بين الحزب والسلطات السورية لإنجاح «مبادرة العودة» كاشفة بأن لبنان سيشهد قوافل عودة بالآلاف في اتجاه مناطق سورية عدّة.
وفي السياق، اشارت معلومات إلى ان دفعة جديدة من النازحين تضم نحو 450 نازحاً ستغادر عرسال السبت المقبل، بعدما سبقتهم دفعة أولى قبل نحو أسبوع.