أمام هذه الأحجية، تتجه الانظار الى سبل تعامل لبنان مع قضية كهذه لها انعكاسات مباشرة على أمنه واستقراره. ففي الوقت الذي يغرق البلد بأزمات متتالية اقتصادية وغيرها، زِد عليها أزمة تأليف الحكومة، تنشغل الاوساط الديبلوماسية برصد ومتابعة قرار إرسال قوات عربية خلفاً للقوات الأميركية بعد قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب سحب قواته من شرق سوريا. وقالت مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى لـ«الجمهورية» انّ الموضوع سيكون بنداً حاضراً في القمة التي ستجمع الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في 19 تموز الجاري، بعدما حمله مستشار الامن القومي جون بولتون الى موسكو في زيارته الاخيرة.
وتشير المعلومات الى أنّ فكرة نشر قوات عربية إنطلقت بعدما رغب الرئيس الاميركي بسحب قواته من شرق سوريا، وهو أعلن ذلك صراحة خلال لقائه مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، غير أنه اصطدم بمعارضة خياره هذا داخل الادارة الاميركية، وخصوصاً في وزارة الخارجية ولجنة الدفاع داخل الكونغرس، حيث اعتبرت وجهة نظر مخالفة لأنه لا يمكن للولايات المتحدة إخلاء المناطق التي يتم تحريرها من تنظيم «داعش» لمصلحة جيش النظام أو للميليشيات الشيعية التابعة لإيران، الأمر الذي أدّى الى التريّث في تنفيذ قرار ترامب هذا. وتضيف المعلومات نفسها أنّ بولتون كان عرّاب الاقتراح بإحلال قوات عربية مكان وجود القوات الاميركية، على أن تتولى دول الخليج تمويل هذه العملية بما فيها قطر، على رغم من أزمتها مع جيرانها.
السعودية تتبنّى
إقتراح بولتون، الذي سارعت السعودية الى تبنّيه وأبدت حماسة ملفتة للعمل عليه حيث يتفرّغ وزير خارجيتها عادل الجبير للترويج له على رغم عدم إدراجه على جدول أعمال مجلس جامعة الدول العربية، تقابله تحفّظات دول عربية مثل الاردن وتَرَدّد دول أخرى على غرار مصر، فيما يلقى هذا الاقتراح الاميركي رواجاً لدى دول فقيرة مثل الصومال والسودان، نتيجة برامج التمويل السخية التي ستتكفّل بتغطيته دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي هذا السياق ترددت مصر بداية في السير بهذا الاقتراح السعودي، وقد اشترطت عدم تحديد مهمات قتالية واقتصار دور «القوات العربية» على حفظ السلام والمراقبة، غير أنّ الجبير سرعان ما تدخّل وحسم الموقف المصري الى جانب السعودية. وثمة معطيات تؤشر الى أنّ حجم القوات البرية المصرية سيكون أساسياً، وسيشكّل العمود الفقري للانتشار العسكري العربي في سوريا.
هل سينجو لبنان بنفسه؟
ووفق المعطيات المتوافرة فإنه من الصعب على لبنان النجاة بنفسه بخيار «النأي بالنفس» مع تحدّ كهذا، خصوصاً أمام احتمالات جدية في أن تُجرى تصفية حسابات إقليمية على خلفية التدخل العسكري المباشر للدول العربية.
في المقابل يبدو النظام السوري مصمّماً على مواجهة هذا الموضوع في اعتباره خرقاً للسيادة السورية، والتعامل مع القوات العربية المزعومة على اساس أنها «قوات احتلال»، فيما تسعى السعودية وخلفها دول الخليج العربي الى تغطية خيارها بحَشد الدول العربية ولو بطريقة غير مباشرة، للسير خلف قرارها التدخل العسكري المباشر بواسطة قوات ردع عربية أو ما يسمّى «الجيش العربي الجديد».
وفي الوقت الذي تضغط واشنطن في اتجاه تأليف هذا «الجيش العربي» أو ما يعرف بـ«الناتو» العربي، تفيد المعلومات أنّ دوره سيقتصر على مكافحة الارهاب، ومهمته الأساسية ستكون مكافحة التطرف الديني في الدول العربية الإسلامية بالإضافة الى تنفيذ عمليات عسكرية ضد الإرهاب في هذه الدول. أمّا بالنسبة الى تمويله فستلتزمه السعودية، وستترك مهمات القيادة والإدارة اللوجستية للأردن.
في ما خَصّ قبول سوريا
لا شك انّ إنشاء هذا الجيش سيبقى مشروطاً بموافقة الدولة السورية عليه. وفي وقت أرسلت الامم المتحدة مستشاراً سياسياً مدنيّاً الى سوريا لجَس النبض، إعترضت دمشق عليه وسجّلت موقفاً احتجاجياً لدى المنظمة الدولية يرفض دخول هذا المستشار الى سوريا، الذي عُيِّن، حسب رأيها، من دون طلب الدولة السورية ولا موافقتها. وبذلك، فإنّ دمشق لن تمنحه سِمة دخول الى أراضيها، ومع أنه مستشار سياسي للقوة الدولية «الإندوف» ومن ضمن فريق المراقبين الدوليين العاملين في الجولان فإنّ دمشق لن تسمح له بالدخول. وعليه، يتساءل المراقبون كيف ستسمح سوريا لجيش عربي بالدخول الى أراضيها في وقت لم تسمح بدخول مجرّد مبعوث سياسي مدني ورفضت إعطاءه سِمة دخول؟
في ما خَصّ قبول لبنان
هل سيكون لبنان جزءاً من هذا الجيش العربي؟
مصادر ديبلوماسية مطّلعة أكدت لـ«الجمهورية» عدم استعداد لبنان للمشاركة في جيش عربي مُفترَض لحفظ السلام في سوريا، كاشفة عن محاولات سابقة ومستمرّة لِحَضّ لبنان على الانضمام الى قوات حفظ السلام الدولية فيصبح عضواً دائماً في هذه القوات، ويتأتّى من ذلك منافع كثيرة له ومكاسب كبيرة لجيشه على الصعيدين المعنوي والعسكري. إلّا انّ المصادر نفسها توقّعت رفض لبنان هذا الطرح، على رغم من منافعه، لأسباب عدة أهمّها، انّ انضمامه الى قوات من هذا النوع سيفتح المجال مستقبلاً لضغوط دول عربية ستطالبه بالإنضمام الى «الجيش العربي» المُفترض، أسوة بانضمامها الى قوات «اليونيفيل». ولذلك، تفترض تلك المصادر انّ لبنان لن يوافق على الطرحين.
وثمّة نقطة ثانية ترجّح عدم انضمام لبنان الى «الجيش العربي»، وهي طبيعة الجيش ومهمته التي ستنحصر في الدول الاسلامية، حسبما ورد في نص «قيام الجيش العربي الإسلامي» في وقت لا يُعتبر لبنان دولة إسلامية، الأمر الذي سيسهّل عليه ايضاً رفضه الإنخراط في هذا الجيش الذي تنحصر مهماته في الدول العربية الإسلامية.