أسباب استراتيجية لا تنفصل عن التطورات الميدانية والسياسية في سوريا، هي ما دفع حزب الله إلى الدخول بشكل رسمي وفعّال على خطّ العمل لمعالجة ملفّ اللاجئين السوريين. في إطلالة لافتة، أعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله تشكيل لجان تختص بالبحث في ملفات اللاجئين السوريين، وأن الحزب سيتولى العمل على إعادة هؤلاء اللاجئين إلى مناطقهم. وتؤكد مصادر متابعة أن أسباب دخول الحزب في هذا الملف عديدة، وتعود إلى فترة سابقة من التداول، أولها دخول هذا الملف في مزايدات بين الأفرقاء اللبنانيين، واستخدامه لأسباب شعبوية، بالإضافة إلى الخلاف مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
تعود المسألة إلى العمل على إعادة نحو 300 لاجئ مؤخراً، بعدما كانت أرقام المسجّلين تتخطى الأربعة آلاف. وافق النظام على 400 منهم فقط. ولهذا أسباب غير تقنية. وتكشف المصادر عن اتصالات أُجريت بين القيادة السورية ورئيس النظام بشار الأسد والأمين العام للحزب، طالب فيها الأسد من نصرالله أن يتولى الحزب بنفسه هذا الملف، لأسباب عديدة، أولها استياء النظام من التعاطي اللبناني الرسمي. وهو طالب سابقاً بمواقف علنية من جانب الدولة اللبنانية لضرورة التنسيق معه في عملية إعادة اللاجئين. وكان ينتظر موقفاً معلناً من رئيس الجمهورية ميشال عون، وأن يشكل وفداً رسمياً لهذا الملف يزور سوريا، بدلاً من تولية الأمر للواء عباس إبراهيم.
يعتبر النظام السوري أن تكليف إبراهيم بالملف لا يمثّل سياسة رسمية للدولة اللبنانية، وأنه ينطوي على نوع من السرّية. لذلك، كانت الرسالة بأن النظام يقدّر دور إبراهيم وما يقوم به، ولكن يطالب بأكثر من ذلك. الموافقة على 300 اسم من أصل 4000، كانت رسالة موجهة إلى الدولة اللبنانية بأن النظام لا يوافق على طريقة التعاطي معه بشأن الموضوع، وبأنه يطالب بمزيد من المواقف العلنية. في الرسالة أيضاً، أن الأسد قال لحزب الله إن الجميع يريد المتاجرة معه في ملف اللاجئين والمتاجرة أيضاً مع المجتمع الدولي. لذلك طالب تدخّل الحزب بشكل علني ورسمي، فيما كان الحزب يعتبر أن دخوله يواجه عقبات تتمثّل في علاقاته مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية. لكن الأسد تشدد في مطالبته الحزب بالعمل على هذا الملف. ولهذا أسباب سياسية بعيدة، ستشير إلى تمسكّ النظام بدور الحزب والإيرانيين في سوريا ومختلف الملفات التي تعنها. وتشير المصادر إلى أن هناك نتائج ملموسة ستظهر قريباً.
أما بالنسبة إلى مجريات الأوضاع في جنوب سوريا، فيعتبر حزب الله أنه يجري بشكل ممتاز وفق ما يريده، ولكن هناك أخطاء يرتكبها النظام من الناحية الإعلامية والسياسية. وهذا ما يتجلّى في موقف النظام المصرّ على أن يتابع الإعلام السوري وحده مجريات الأحداث هناك. وذلك نزولاً عند ظروف وتوافقات دولية، تريد محاصرة الوجود الإيراني وعدم إبراز أي دور لحزب الله في تلك المعركة. ويتحدث الحزب عن تقدّم كبير في تلك المنطقة، بالاتفاق بين الروس والإيرانيين.
يشير حزب الله إلى أن انهيارات العديد من الفصائل في بعض القرى والمناطق، هي نتيجة لسياسة سابقة اتبعها الحزب والإيرانيون بمساعدة الروس. وهي سياسة إجراء مصالحات مع بعض الفصائل، لكن لم يعلن عنها في حينها، بل تركت في جانب من التكتيك والاستراتيجيا لأن تعلن تزامناً مع التقدم العسكري وإطلاق المعركة. وذلك بهدف شق صفوف المقاتلين وضربهم معنوياً، وإدخال الشقاق في ما بينهم، ولتظهر المجريات وكأن هناك إنهيارات كبيرة جداً تحصل بفعل التقدّم العسكري. لذلك، تقدّم الحديث عن المصالحات وخصوصاً في بصرى الحريري على كل المجريات العسكرية.
رغم التقدّم العسكري في درعا، إلا أن التقديرات تشير إلى كثير من الخفايا التي قد تظهر في الأيام المقبلة، خصوصاً في ما يتعلّق باتفاقات مسبقة أُبرمت مع العديد من الفصائل. وهذا، لن يكون مسهّلاً أمام الوصول إلى حلّ للازمة السورية، بل إن الحل لا يزال بعيداً، وهو مرتبط بسلّة من الملفات في العراق واليمن وفلسطين. وإيران لا تريد الذهاب نحو حلّ، بل تفضّل بقاء النزاع السوري قائماً، لما يوفّره ذلك له من قدرة على المناورة، واستمرار الدور واستثمار الأوراق. ويعلم الإيرانيون أن أي تسوية قد تحصل، قد تنعكس سلباً على بعض أدوارهم، أو قد تؤدي إلى زيادة الضغط عليهم وتطويقهم. لذلك، يسعى إلى إبقاء سوريا ساحة صراع مفتوحة، وحتى بعد انتهاء ملفّ درعا، فإن الإيرانيين سيبحثون عن ساحات قتال أخرى.