اراد عون أن يوصل رسالة واحدة: «انا لست رئيس «التيار الوطني الحر»، بل رئيس الجمهورية، والتفاوض يكون مع رئيس التيار جبران باسيل الذي هو رئيس كتلة التيار النيابية في الوقت نفسه». هذه الدعوة استجاب لها جعجع، على رغم ممّا تحمل من محاولات نفخ الاحجام، وفرض الندّية في العلاقة بين جعجع وباسيل، وكان الكلام الذي قاله جعجع على مدخل القصر معبّراً عن هذا الموضوع، وعلى هذا الاساس يفترض أن تحصل لقاءات عدة بين جعجع وباسيل، لاستطلاع ما يمكن فعله لترميم «اتّفاق معراب».
حقق عون بخطوته هذه انسحاباً من العقدة المسيحية، على طريقة توزيع الأدوار مع باسيل، الذي سارع عبر بريد مقدّمات نشرة قناة «أو.تي. في»، الى التمسّك بالمعايير وبحصة «التيار» وفقاً لمنطق الأحجام النيابية، التي تعني برأيه أنّ حصة «القوات» يجب أن تكون نصف حصّة التيار، على أن تكون حصّة رئيس الجمهورية خارج النقاش.
في القراءة المعمَّقة للعلاقة بين «التيار» و»القوات»، يمكن الجزم أنّ النسخة الأولى من «اتفاق معراب» قد طُويت، وأنّ اللقاءات الجديدة ستحاول انتاج طبعة منقّحة من هذا الاتفاق، الذي دُفن بعد أول اختبار، هذا مع العلم أنه كان معدّاً ليرعى علاقة الطرفين طوال عهد عون، فهل سينجح جعجع وباسيل في التوصّل الى اتفاق جديد؟ وماذا سيكون مصير الاتفاق الأول الذي ينص على تقاسم المقاعد الوزارية والذي لم يتمّ الالتزامُ به، مع العلم أنّ النص موجود ولم تنشره «القوات اللبنانية» على رغم أنها لوّحت مراراً بنشره؟.
يمكن تلمّس صعوبة التوصّل الى اتفاق من خلال تأكيد جعجع عدم القبول بوضع أيّ «فيتو» على حصة «القوات»، وهذا الكلام موجَّه الى باسيل، واذا كان البحث بين الطرفين سيكون على قاعدة استرجاع كل مراحل سوء العلاقة، خصوصاً في مرحلة ما بعد انتخاب العماد عون، فإنّ تأليف الحكومة والاتّفاق على الحصص، يبقى محطة مرور إجبارية لإعادة ترميم التفاهم، وهنا يبدو الإصرار نفسه لدى الطرفين على التمسّك بالأحجام، وسيواجه باسيل صعوبة كبيرة في تحديد حصة «القوات اللبنانية»، لأنّ هذه الحصة أصبحت مرتبطة بالعقدة الأخرى، أي العقدة الدرزية التي يشتبك فيها النائب وليد جنبلاط مع باسيل.
في المحصلة غسل عون يديه من العقدة المسيحية، لكنه لم يعمل لحلّها، كما وعد الحريري الذي نأى بنفسه ايضاً عن هذه العقدة مكتفياً بمحاولة حلّ العقدة الدرزية، وسط رفضٍ جنبلاطي التنازل عن مطلب نيل الوزراء الدروز الثلاثة، فيما العقدتان سببهما إصرار التيار على تحقيق نقاط قوة مسيحياً واختراق جنبلاط درزياً، وهذا ما لا يستطيع الحريري تجاوزه، وهو الذي قرّر تعديل قواعد تأليف الحكومة، بحيث يضمن ميمنته وميسرته على طاولة مجلس الوزراء في حضور قوي للنائب وليد جنبلاط و«القوات اللبنانية»، تماماً كما فعل سنّياً باستقباله رؤساء حكومة سابقين، للتحذير من المَس بصلاحيات رئيس الحكومة، وكل ذلك للتأكيد أنّ التسوية مع عون في فترتها الأولى لن يتمّ الاستمرار فيها، بل هي قيد التعديل في الممارسة، وهذا يعني أنه لن يترك لباسيل أن يظهر من حيث الشكل، أو أن يكون بالفعل شريكاً مقرّراً في تأليف الحكومة، وموزّعاً للحصص والأحجام، سواءٌ المسيحية أو الدرزية، وعلى هذا الاساس لن تؤلَّف الحكومة من دون نيل جنبلاط و«القوات» مطالبهما كاملة.