قالت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» انّ العقد التي تعوق تأليف الحكومة «ما تزال على حالها». وأبدت خشيتها من «ان تكون بعض المواقف والمواجهات الإعلامية المتبادلة قد انعكست عودة الى نقطة الصفر». وقالت: «انّ الرئيس المكلّف قام بما عليه من اتصالات، وسَجّل بعض الخروق من اجل إعادة أجواء التهدئة، وخصوصاً على مستوى الحوار المسيحي ـ المسيحي». وتوقعت «ان ينتج هذا الحوار ما يؤدي الى حلحلة ما قبل موعد عودة المساعي الى زخمها الإيجابي». واكدت «انّ المحركات لن تتوقف»، وانّ الحريري «سيواصل اتصالاته، والأمور باتت مرهونة بعودة السّاعين الى تأليف الحكومة من الخارج، والذين سينضمّ إليهم اليوم أو غداً رئيس «التيار الوطني الحر» الذي سيغادر بيروت وعائلته الى ايطاليا».
«التيار» ـ «القوات»
وعلى خط العلاقة بين «التيار» و«القوات»، وغداة اللقاء في بعبدا بين عون وجعجع وتمهيداً للقاء بين الاخير وباسيل، عقد عصر امس في مكتب «التيار» في سن الفيل لقاء ضمّ باسيل والرياشي وأمين سر تكتل «لبنان القوي» النائب ابراهيم كنعان. واكّد الرياشي اتفاق الطرفين على التهدئة ومعالجة نقاط الخلاف، ومتابعة البحث لاحقاً في تفاصيل عدة أخرى.
«التيار» لـ«الجمهورية»
وقالت مصادر «التيار» لـ«الجمهورية» انّ لقاء باسيل ـ الرياشي ـ كنعان هو تتمة للقاء بعبدا. فبعد الشرخ والبعد الكبير الذي شهدته العلاقة بين «التيار» و«القوات» كان من الضروري ترميم الثقة لكي نستطيع ان نتكلم مجدداً عن تفاهمات سياسية وغير سياسية. لكن ما يؤكّد عليه «التيار» و«القوات» هو إعلان النيّات المُجسّد للمصالحة المسيحية، وآلية التعاطي بين بعضنا البعض وردت فيها. من هذا المنطلق عدنا إليها، والعمل سينطلق في الايام المقبلة بعيداً من الاعلام بين الطرفين والبحث عن سبل إمكانية إعادة ترميم الثقة، ولا شك انّ هذا الخرق الايجابي الذي حصل فتح الباب لمَسار جديد، ولكن تبقى المتابعة وترجمة هذه النوايا الأساس في تحديد معالم المرحلة المقبلة».
وقالت أوساط «التيار الوطني الحر» انّ قيادته لا ترفض استئناف التواصل مع «القوات»، وانها لا تستبعد احتمال حصول لقاء بين باسيل وجعجع، لكنها تؤكد في الوقت نفسه انّ ذلك لا يمكن أن يغيّر شيئاً في جوهر الموضوع، وهو انّ كل طرف يجب ان يتمثّل في الحكومة الجديدة وفق حجمه. واستغربت سَعي البعض الى اختراع معايير غير منطقية في التوزير «فقط حتى يبرروا مطالبهم المُنتفخة».
باسيل
ولم يوحِ باسيل لبعض الذين اتصلوا به أمس أنه مستعد لتقديم تنازلات جوهرية في مفاوضات الأحجام مع «القوات». ونُقل عنه قوله (قبل الاجتماع مع الرياشي): «لا مانع من التواصل بيننا وبين جعجع، ونحن لا نتعامل معه على أساس النكد او المزاج الشخصي، و«قَدّ ما بَدكن ممكن نحبّ بعضنا، بَس بالآخر لازم كلّ واحد منّا ياخُد حَجمو». وأضاف: إنّ «التيار» هو «دوبل» تقريباً عن «القوات»، إذ نشكّل وفق نتائج الانتخابات 55 في المئة من أصوات المسيحيين وهم 31 في المئة، ونحن لدينا تكتل يضمّ 29 نائباً بينما تكتلهم يضمّ 15 نائباً، وربما يصبحون لاحقاً 14. وبالتالي، يجب احترام ارادة الناس وخياراتهم، وعلى «القوات» ان تَكفّ عن سعيها الى التماثل بنا والإيحاء بأنّ قوتها التمثيلية تعادل تلك التي نملكها».
وأكد باسيل، على ما يُنقل عنه، أن «ليس بمقدور سمير جعجع ووليد جنبلاط كسر معادلة الانتخابات النيابية حتى يفرضا معادلة أخرى على قياسيهما، «ويجب ان يكون معلوماً انّ الحكومة الجديدة هي حكومة نتائج الانتخابات»، مشيراً الى انّ «جنبلاط لم يعد حاكم الجبل لوحده، والدروز ليسوا كلهم عنده. ولذا، نحن نُصرّ على تمثيل ارسلان في الحكومة».
وكان قد سبق الاجتماع في سن الفيل تأكيد تكتل «لبنان القوي»، بعد اجتماعه الأسبوعي، «التزامه قواعد التأليف (الحكومي) التي يقوم عليها النظام البرلماني وفق الاحجام النيابية». وشدد على ان «لا فيتو لدينا على أحد، والمطلوب احترام القواعد، ونريد حكومة قادرة على النهوض بالملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسواها».
«القوات»
وكانت مصادر «القوات» قالت لـ«الجمهورية»: «يجب ان لا نزرع آمالاً كثيرة، لكنّ المفاوضات الجارية هي بناء على تَمنّي رئيس الجمهورية. لذا، يفترض ان تكون على أرضية سياسية تَهدوية بعيداً من التشنج السياسي، ولكنها تنطلق من المربّع الاول في ظل عدم الاتفاق بين «القوات» والوزير باسيل على وزن كل طرف من الطرفين داخل الحكومة. «القوات» متمسّكة بالنتائج التي أفرزتها الانتخابات، والوزير باسيل متمسّك بوجهة نظره، والمطلوب الوصول الى وجهة نظر واحدة ومشتركة حول المشاركة الحكومية. ولا يمكن تأليف الحكومة من دون تدوير زوايا متبادل بين الطرفين، وإلّا ستبقى الامور عالقة والعقد تُراوح مكانها. فاجتماع من هذا النوع مفيد لقراءة «تفاهم معراب» مجدداً من ألفه الى يائه، بعدما اهتزّ بمقدار كبير في الآونة الاخيرة.
وبالتالي، من المؤكد انّ الاجتماع سيشكّل مدخلاً الى إعادة تقييم التفاهم وما اعتراه من ثغرات في المرحلة السابقة، وتوحيد النظرة السياسية إليه بما يشكّل مدخلاً للكلام الحكومي والاتفاق على رؤية موحدة حول وزن كل طرف. وستؤكد «القوات» وجهة نظرها، لكنها في الوقت نفسه تتمسّك بنتائج الانتخابات وبوزنها كمّاً ونوعاً، وبتفاهم معراب الذي أقرّ الشراكة السياسية، حيث لا يجوز لطرف ان يَتنصّل من شراكته بعدما أخذ من هذه الشراكة ما يريده. ولذلك هنالك مفاوضات لا يمكن تَوقّع نهايتها، ولكنها تنطلق في ظل احتضان رئاسي للوصول الى النتائج المرجوّة».
وأوضح النائب شوقي الدكاش، الذي زار بكركي موفداً من جعجع، أنه نقل إلى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أجواء لقاء عون ـ جعجع، وقال لـ»الجمهورية»: «شرحنا له كل ما يحصل، والبطريرك شَجّع خطوة كهذه وأثنى على التلاقي بين المسيحيين، وألّا تَصِل الأمور الى مرحلة القطيعة لأنّ الحوار وحده كفيل بحلّ العقد». وأضاف: «البطريرك يدرك الحقيقة، ويعلم جيداً ما يحصل، ونتمنّى عليه، من موقعه الوطني، أن يدفع قُدماً في اتجاه ولادة الحكومة». وشدّد على أن «القوات» لا تعرقل ولادة الحكومة، وليست هي من يَضع العقد. وبالتالي، فإنّ الجميع مطالَب بتذليل العقبات والتعاون من أجل إنقاذ الوضع».
حراك الجميّل
إلى ذلك، وفي وقت لم تترجم الايجابيّات المُشاعة في فضاء عقد التأليف الحكومي على أرض الواقع بعد، لفتَ حراك رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل في اتجاه قصر بعبدا واجتماعه على رأس وفد كتائبي مع رئيس الجمهورية، لمراجعته في شأن مصير مرسوم التجنيس بعد إحالته الى مجلس شورى الدولة. وعلمت «الجمهورية» انّ الجميّل كان قد زار معراب منذ اسبوعين واجتمع مع رئيس حزب «القوات اللبنانية»، في لقاء بَدا أنه أحيا العلاقة الشخصية بين الطرفين. ويأتي هذا اللقاء، كما لقاء الجميّل مع «التيار الوطني الحر» منذ مدة، في إطار سلسلة من اللقاءات السياسية التي اجراها وسيجريها بعد انتهاء الانتخابات النيابية، وتشمل قيادات حزبية وسياسية من الذين التقى معهم حزب الكتائب خلال الانتخابات، او الذين لم يلتق معهم، كالنائب ميشال المر وحزب الطاشناق.
وفيما تكثر التساؤلات حول إمكانية مشاركة الكتائب في الحكومة، أكد مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «انّ الحزب لم يكن يوماً يقارب المسألة الحكومية من موقع المحاصصة، سواء في الحكومات التي شارك فيها او تلك التي لم يشارك فيها، بل أنه ركّز ويركّز اليوم واكثر من ايّ يوم مضى على ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة وفقاً لأحكام الدستور وبعيداً من اي محاولات لفرض سوابق وأعراف مخالفة له من جهة، وعلى أهمية المشروع السياسي والتوازنات الوطنية الكبرى. وبالتالي، على النهج والإداء من جهة مقابلة. وفي ضوء هذه المقاربة فإنّ أولويات المرحلة تتطلّب حكومة تعيد للدولة هيبتها، ومرجعيتها في مجال احترام الدستور وتطبيق القوانين في المجالات الإصلاحية والسيادية كافة».
واضاف المصدر: «اذا ارتأى المعنيّون العمل وفق هذه المقاربة، فمن الطبيعي ان يعرضوا على حزب الكتائب المشاركة في الحكومة وتَحمّل مسؤولياته، في اعتبار انه رمز من رموز الاصلاح ومحاربة الفساد واستعادة الدولة لكل مسؤولياتها الوطنية سياسياً وامنياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً. أمّا في حال لم يكن المعنيون في صدد حكومة للإصلاح ومحاربة الفساد واستعادة مقدّرات الدولة، فعندها لا هم سيدعون الكتائب للمشاركة ولا الكتائب ستكون متحمّسة للمشاركة».
وأوضح هذا المصدر الكتائبي «أنّ الحزب يتعاطى بإيجابية مع هذه المرحلة، إفساحاً في المجال امام رئيسَي الجمهورية والحكومة المكلّف للسير في الاصلاحات المالية والاقتصادية والسيادية التي طلبها المجتمع الدولي من لبنان في مؤتمري روما و«سيدر»، والتي يطالب بها الشعب اللبناني لتجاوز مشكلاته، لكنّ الايجابية مشروطة بالعمل الجاد والشفّاف والجدي من جانب الحكومة تصحيحاً للمسارات السابقة التي أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من مشكلات وأزمات». وأشار الى انّ كلام رئيس الكتائب في قصر بعبدا بالذات «كان مؤشراً واضحاً الى جهوزية الكتائب الرقابية على الحكومة».