يبدو أن لقاء قائد القوّات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بفخامة رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون في قصر بعبدا قد أزالت غيمة الحكومة لتفسح المجال أمام ضوء التأليف الذي طال كعادته مع تشكيل أي حكومة خاضعة لتوازنات دقيقة في بلد محكوم بهذه التوازنات كونها تعكس رغبة الشراكة في السلطة وكل بحسب حجمه وكل بحسب نفوذه وفق معايير طائفية بحتة وقد أتاحها النظام الطائفي في لبنان ولبّ دورها اتفاق الطائف الذي حاصص السلطة بين المكونات الطائفية و أعطاها حاجتها من الدولة كي تكون فيها وخارجة عنها في آن معاّ .
على ضوء زيارة جعجع لقصر بعبدا ذهب موفد القوّات الى رئيس التيار للوطني لتذليل العقبات والبدء في لمّ شمل الحزبين بعد تفرقة قسرية وطوعية فرضتها طبيعة التحالفات الانتخابية وطبيعة النتائج الانتخابية التي أكدت نفوذ التيار كحزب سلطة والقوّات كحزب نضالي داخل المشروع الماروني الجديد .
من المفترض أن يمهد هذا اللقاء الى تقارب جدي بين التيار و القوّات على خلفية إمكانية اللقاء ما بين رئيس التيّار وقائد القوّات رغم تحفظ الأخير على اللقاء المباشر بالأول لأنه يرى أن طبيعة العلاقة بين الحزبين منتظمة من خلال ترتيبات معينة جعلت من الحكيم ورئيس الجمهورية سقف تفاهم معراب وعلى الآخرين الركون الى التفاصيل من خلال التنسيق المباشر بين القيادات الميدانية وبناءً عليه يصبح الدخول في إدارة الاتفاق من اختصاص الوزير جبران باسيل و أحد وزراء القوّات ولا داعي للقاء رئيس التيّار بقائد القوّات الذي شق عباب الخلافات التاريخية بين العونيين والقواتيين بلقاء الجنرال لا بلقاء جبران باسيل واليوم وبعد ما فار التنور ما بين التيّار و القوّات لم تطفأ النار الاّ بلقاء الحكيم برئيس الجمهورية ولو كان بمقدور الوزير جبران حلّ الخلافات لكان لقائه بالحكيم قد سهل المهمة .
إقرأ أيضا : لقاء رئيس الجمهورية والدكتور جعجع .. الحكمة والنّوايا الطّيبة في غياب باسيل
من المفيد متابعة لقاءات التيار - القوّات لمعرفة إمكانية العودة لتفاهم معراب والذي يقضي بمناصفة السلطة بين الحزبين باعتبارهما الثنائي الماروني الأقوى في الشارع المسيحي واذا ما تمّ ذلك يعني أن بذور الشقاق و الخلاف قد طُمرت في أرض التفاهم و أمّا اذا ما تمّ عكس ذلك وتبيّن أن جبران باسيل مفتاح المرور في التيار فهذا يعني أن هناك زرعاً جديداً سينبت على أرض الخلاف بين حزبيّ الموارنة وهذا ما سيكون عنوان المرحلة السياسية القادمة خاصة و أن القوّات متسلحة بإرادة الشارع المسيحي الذي أعطاها نصف ما يملك التيّار بواسطة السلطة وبواسطة حلفائه وفي مقدمتهم "حزب الله ".
لقد نجحت القوّات اللبنانية في تحية "حزب الله " لتحيده عن النزاع مع التيار من خلال العمل الجاد على تحسين شروط العلاقة ما بين "حزب الله " والقوّات اللبنانية في إطار من الأطر المشتركة وقد بدت علامات ذلك واضحة من خلال التحالفات في قطاعات نقابية وطلابية .
في العودة الى أصل الموضوع يبدو أن لقاء وزيارة الحكيم لرئيس بعبدا قد أدّت قسطها والباقي مرهون بالتنفيذيين واذا ما تم تمرير تشكيل الحكومة وفق تفاهم بعبدا - معراب فهذا يعني أن الحسابات مشتركة و أمّا اذا ما تمّ توزير القوّات وفق شروطها فهذا يعني أن حسابات بعبدا بعيدة عن حسابات معراب الأمر الذي سيعيد نبش قبور الماضي بين ألد صديقين لأن ما يفرقهما أكثر مما يقربهما خاصة وأن السعي الى رئاسة الجمهورية سباق مفتوح بين رئيس التيّار وقائد القوّات اللبنانية وبالتالي فإن حصص المسيحيين اليوم مقدمة لحصة الرئيس القادم .