تترك الرياضة في اللبناني ملاعب «تماس» يحدّها الحس الفكاهي من جهة مواقع التواصل الاجتماعي، وتزنرها الروح المتأرجحة بين أن تكون «رياضية» أو «لا رياضية» بحسب الفريق والانتماء والعصبية، في حين تبقى الأرض مخضبة بالتقسيمات التي تقود إلى الهدف أو المرمى أو الشباك في أن تكون «الدفاع» أو «الهجوم» أو «خط الوسط» أو «حارس المرمى»، كما تأخذ إلى ألوان مشتركة بين «المونديال» و«الأحزاب» من الأخضر إلى الأزرق إلى الأصفر إلى الأحمر..
وفي الطريق إلى «المونديال» وكرة القدم بـ«اللبناني» تتعالى الخيبات والانتصارات والأبواق والهتافات من الأحياء والساحات والمقاهي وصولاً إلى ارتفاع 11 ألف قدم أو أكثر حيث اللبناني مغادر أو عائد إلى قلب الحدث الكروي، تارة من شاشة تلفزيون لبنان المهجورة منذ سنين، وطوراً من «العصبية» التي فيها ضرب سكاكين ورصاص طائش، مروراً بالتزريكات والحسابات الخاصة والفرص الضائعة، وصولاً إلى المسيرات السيارة والمفرقعات والأعلام العملاقة في حالات أفضل، حيث «رابطة» مشجعي «البرازيل» أو «الألمان» أو «الأرجنتين» أو«البرتغال» أو «الإسبان» أو «روسيا» أو أي بلد عربي مُشارك في المونديال تنتظر الخصم على الكوع من أجل أن تلقنه درساً في اللعبة التي تبدأ بـ«شوطة» لاعب ولا أحد يضمن عواقب تسديداتها في أماكن تكون أبعد من الدول الـ32 المشاركة.
ولأن كل لبناني في «موسم» المونديال محلل برتبة «كبير المعلقين»، تتوزع التصنيفات على الأرض وفق الآتي: فريق ممتاز، فريق ثابت في القتال، وفريق يستغل عامل الأرض والجمهور. أما الحكام فإنهم تحت مشرحة البيع والشراء وفق الذهنية السائدة على قاعدة: «عنا بلبنان إذا خسروا بيدقوا لحدا من معارفهن كرمال يزبطو الوضع.. أو بتصير حرب أهلية»، فيصير عدد الأشواط المحسوبة أو الـ«Offside» المتسللة رهن الوجهة السياسية التي ينتمي إليها بلد الفريق المشارك، لتتشكّل النتيجة بـ«نبش» نتائج مباريات سابقة من مثل:«7-1» لصالح ألمانيا في مواجهة البرازيل، أو استعادة التجربة الأفريقية في ساحل العاج حيث أسهم تأهل فريقها الرياضي إلى المونديال قبل سنوات بوضع حد للحرب الأهلية الطاحنة، من خلال نداء وجهه اللاعبون، وجاء فيه: «رجال ونساء ساحل العاج! من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، لقد أكدنا اليوم أننا قادرون على التعايش في ما بيننا مسلمين ومسيحيين للعب سوية من أجل هدف مشترك: التأهل إلى كأس العالم»، أو إطلاق العنان للمخيلة الخصبة من خلال هاشتاغ: «لو-كان-المونديال-عنا»، وجاءت التوقعات وفق الآتي: «لو كان المونديال عنا كان مات الحكم برصاصة طايشة، وكانت فاتت الأرغيلة على الملعب قبل الجمهور، وكانوا فكروا يوسعوا الفريق لـ30 لاعب حتى الكل يتمثل، وكانت انقطعت الكهربا بالملعب على مباريات الساعة 6، أو كانوا لجأوا للنأي بالنفس عن كل المباريات، أو كانوا فكروا بتجنيس الفريق الرابح، أو كانوا تخانقو أيا طائفة رح تحمل العلم وتمشي بالافتتاحيات».
ولا يخلو مونديال «الساحة اللبنانية» من خضوع دول الفرق المشاركة تحت مبضع التشريح حيث أدرجت خسارة ألمانيا وفق تشخيص «لعنة الأبطال»: «ضلّت ألمانيا تجنّس عرب وتستقبل لاجئين حتى ضربتها عدوى الخسارة والخروج المبكر من المونديال حالها حال الفرق العربية المشاركة». وكان جمهور الفريق البرازيلي في لبنان استغل الخسارة للتذكير بأن منتخب كوريا الجنوبية الذي هزم ألمانيا هو نفسه المنتخب الذي هزمه المنتخب اللبناني بهدفين مقابل صفر على أرض الأخير قبل سنين قليلة. أما الروس في الحسابات اللبنانية فـ«طلع ما فيهم إلا على العرب». ومن الفوز اللبناني القديم والخسارة الألمانية المُستجدة ارتفع شعار «إلعب يا لبنان». وتقدمت أغنيات «بتصرف» لتحتل مراتب متقدمة من مثل: «يا ألمانيا ليش عمبتبكي..عم إبكي بدي رفيقة.. قومي نقي شي رفيقة..أرجنتين.. برتغال.. إيطاليا.. إسبانيا..». وتصدّرت إعلانات مبوبة من باب التشفي بالفرق الخاسرة والتي طالما اعتبرت لسنوات في عداد الأساطير والعمالقة، ومنها: «علم ألماني مستعمل 3 أيام للبيع بنص حقو مرفوع مرتين وك أنو جديد». وفي التعليق على المشجعات الإيرانيات اللواتي لفتن الأنظار في المونديال لكثرة جمالهن، دوّن أحدهم: «الله يسامح المنار أعطونا فكرة غلط..». ولمن غادر فريقه قبل أوان التأهل إلى النهائيات فإنه اختار البحث عن البديل الممكن من حيث الجذور والسياسة والـ«معنا» أو «ضدنا»، فكان الرجوع إلى «أمنا الحنون فرنسا» من دون إغفال تذكير ميسي للاعب المدريدي كريستيانو رونالدو بأن: «حجزتلك على نفس الطيارة نرجع سوا بس أنا بقعد على الشباك.. ويا منعيش عيشة فل يا منفل نحنا الكل».
وما بين «المونديال» و«ماراتون» تشكيل الحكومة، اللبناني مشغول هذه الأيام في وداع الفرق المُغادرة وتشجيع المتأهلة بانتظار أن يحتفي بـ«حكومة» ليس فيها فريق لبناني مغادر أو خاسر، وإنما تجانس وتنوع يأخذ إلى خير البلد.