على طريقة «هبّة باردة» و«هبّة ساخنة»، تتحرك رياح تأليف الحكومة، لكن الثابت هو ان إرادة قوية تقف وراء ضرورة إنجاز التشكيل، وتذليل العقبات، وإن كانت أوساط التيار الوطني الحر، متمسكة بمقولة تمثيل «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي والسنة، وسائر المكونات وفقاً لأحجامها.. بصرف النظر عن أية اعتبارات أخرى، ووفقاً أيضاً لمعايير موحدة..
ولئن كانت زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى بعبدا خففت من أجواء الاحتقان، في ما خص التمثيل المسيحي والعلاقة بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»، وثبتت زيارة النائب وائل أبو فاعور إلى بيت الوسط التفاهم حول التمثيل الدرزي، وزيارة الوزير ملحم رياشي إلى بيت الوسط أيضاً، في إطار استمرار التنسيق بين الرئيس المكلف ومعراب، فإن خلاصة الأجواء عكستها مصادر التيار الوطني الحر، بإعادة تأكيد ما أبلغه رئيس التيار الوزير جبران باسيل إلى الرئيس الحريري في لقائهما مساء أمس الأوّل ان لعبة الاحجام هي التي يجب ان تتحكم في التمثيل..
وفي السياق، علمت «اللواء» ان الصيغة التي طرحت في اللقاءات تنطلق من اعتبارين:
1- توزيع التمثيل المسيحي كما يلي: 10 وزراء لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، 4 وزراء «للقوات» ليس من بينها لا الدفاع ولا نيابة رئيس مجلس الوزراء ووزير واحد للمردة.
2- تتمثل الطائفة الدرزية بثلاثة وزراء يسميهم النائب السابق وليد جنبلاط، وكتلة «اللقاء الديمقراطي».
وفي ما خص التمثيل الإسلامي، تبقى التفاهمات السابقة قائمة إن على المستوى السني أو الشيعي..
الى ذلك، يبدو ان الامورلازالت تراوح مكانها بالنسبة لتشكيل الحكومة برغم الكلام المدروس التعابير والاهداف الذي صدرعن رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع بعد لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، وهو اللقاء الذي اشارت الى حصوله «اللواء» في عددها امس، والذي تركز بحسب جعجع على العلاقة بين «القوات» والرئيس عون وبين «القوات» و«التيار»، وعلى «خريطة طريق لتشكيل الحكومة على امل الا تطول المدة».
وأظهرت وقائع اللقاءات التي جرت ان المطلوب منها تحقق وهو فقط في المرحلة الحالية إعادة فتح خطوط التواصل بين المعنيين بتشكيل الحكومة من دون حل عقدتي التمثيل المسيحي والدرزي، ولكن في أجواء هادئة بعيدة عن التشنج، بحسب ما اتفق عليه في لقاء رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلف سعد الحريري يوم الخميس الماضي. وهو ما ترجم في لقاء عون - جعجع أمس، ولقاء الرئيس الحريري امس الأوّل برئيس «التيار» الوزير جبران باسيل، الذي اكدت مصادره المقربة لـ«اللواء» ان اللقاء مع الحريري «هو لتأكيد التواصل القائم خلافا لما تردد عن اقصاء باسيل عن مفاوضات تشكيل الحكومة». وكذلك لقاء الرئيس المكلف بعضو «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبوفاعور في «بيت الوسط» موفداً من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وقبله بوزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم رياشي موفداً بدوره من جعجع الذي عاد واتصل هاتفياً بالرئيس الحريري لوضعه في أجواء لقاء عون في بعبدا.
ولكن يبدو ان هذه اللقاءات المباشرة لم تفعل فعلها بتسريع تشكيل الحكومة، الذي بات مرتبطا بروزنامة اجازات المعنيين، ومنهم الرئيس الحريري الذي يغادر في اجازة عائلية يوم غد الاربعاء، إلى باريس للاحتفال بعيد زواجه الذي يصادف في الخامس من الشهر الحالي، ويتبعه الوزير باسيل ايضا بين يوم ويوم في اجازة، عدا غياب الرئيس نبيه بري في اجازته الخارجية.
ولم تظهر المواقف التي سجلت، سواء بعد لقاء الحريري - باسيل، أو لقاء الحريري مع أبو فاعور والرياشي، أي تقدّم في تفاصيل تشكيل الحكومة، خاصة بالنسبة إلى العقدتين المسيحية والدرزية، بقدر ما أظهرت التمسك بمواقف مبدئية تتعلق بالاحجام والاوزان.
لقاء الحريري - باسيل
وفي هذا الصدد علمت «اللواء» من مصادر باسيل انه «اكد للرئيس المكلف ان تمسكه بمعايير التشكيل وبتمثيل كل طرف حسب حجمه النيابي بما يؤمن التمثيل العادل، انما هو موقف مبدئي وعام ولا علاقة له بأي علاقة شخصية بأي طرف سياسي، وان «التيار» لم ولن ينكر تمثيل اي طرف، لكنه يرفض ان يكون تمثيل اي طرف على حساب حصة التيار، وهذا الموقف ليس موقفا كيدياً بل مرتبط بحق تمثيل كل طرف حسب حجمه النيابي وفق ما افرزته نتائج الانتخابات النيابية». واكدت المصادر ان التواصل بين الحريري وباسيل قائم ومستمر ولم ينقطع اصلا.
واعتبرت مصادر نيابية في «التيار الوطني الحر» لـ«اللواء» ان حلحلة العقد اصبحت في مراحلها النهائية ولكنها استغربت المماطلة باعلان تشكيل الحكومة، رغم الايجابيات التي تم التوصل اليها في الساعات الاخيرة الماضية، ولفتت الى ان هناك عملاً جدياً للدفع بإتجاه التفاهم بين القوى المسيحية كذلك بالنسبة لحل العقدة الدرزية، مشيرة الى ان الامور سائرة نحو الايجابية، لكنها أكدت ان «الطبخة لم تستو بعد». إلا أنها توقعت ان تتبلور صورة الحكومة العتيدة نهاية الاسبوع الحالي او بداية الاسبوع المقبل مع عودة الرئيس بري من اجازته، كذلك الرئيس المكلف الذي سيكون خارج البلاد هذا الاسبوع ، وذلك من خلال اعادة تقييّم كافة المواقف السياسية ومطالب القوى السياسية من اجل الوصول الى الحلول المطلوبة.
وشددت المصادر على ان «الامور غير مغلقة، ولو كانت هناك بعض الافكار المختلفة ضمن الحزب السياسي الواحد»، مشيراً الى «ان ما صدر من مواقف انتقادية «للقوات اللبنانية» عبر عنها وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول لا يجب ان تعطى اكثر من حجمها ولا التشويش على الايجابيات، ورات انه من الطبيعي لدى الاحزاب ان يكون لديها مسؤولون تصدر عنهم مواقف هادئة، وبعضهم تكون مواقفه حادة، كذلك قد تكون هناك ردات فعل مختلفة».
أبو فاعور
اما لقاء الحريري مع ابو فاعور فلم يخرج الا بمواقف عامة ايجابية لكن النائب الاشتراكي اكد تمسك حزبه بالتمثيل بثلاثة وزراء دروز، وان لا مانع من تمثيل الكتلة العونية التي تضم مع النائب طلال ارسلان وثلاثة نواب موارنة بوزير ماروني. وقال أبو فاعور: ان نتائج الانتخابات واضحة والتمثيل الدرزي يجب ان يكون بمن يسميهم الحزب التقدمي الاشتراكي.
واضاف: ان جهود الرئيس الحريري بشأن تشكيل الحكومة انشأت مناخا اكثر ايجابية ونحن نأمل ان يساهم هذا المناخ في ايجاد الحلول لحل القضايا العالقة، نافياً وجود عقدة سياسية كبرى امام تشكيل الحكومة.
وأكّد أبو فاعور ان اللقاء بين الرئيس الحريري وجنبلاط وارد في أي لحظة، والأمور بينهما تتجاوز البروتوكول، واضعاً احتمال ان يلعب الرئيس الحريري دور الوسيط بين الحزب الاشتراكي وبعبدا، بأنه «دور طبيعي»، خصوصاً وأن الرئيس الحريري هو المسؤول الأوّل في النهاية عن تشكيل الحكومة، وطبيعي ان يحاول إيجاد الضفاف المشتركة بين كل القوى السياسية لكي نحظى بتشكيلة حكومية تؤمن أكبر نصاب وطني، نافياً وجود قطيعة بين جنبلاط والرئيس عون، والذي هو في النهاية رئيس البلاد.
جعجع في بعبدا
وحرصت مصادر مطلعة على أجواء لقاء الرئيس عون وجعجع على التأكيد بأنه كان ايجابياً وجيداً، على الرغم من قصر مدته، حيث لم يستغرق أكثر من 35 دقيقة، وانه اتى ترجمة لما جرى الاتفاق عليه بين الرئيسين عون والحريري بشأن اجراء كل منهما الاتصالات حول ملف تشكيل الحكومة، وقد تخلله كلام إيجابي وعرض كل منهما لوجهة نظره، وكانت اللغة المشتركة استمرار المصالحة المسيحية - المسيحية.
وأوضحت المصادر ان البحث تناول موضوع العلاقة بين الرئيس عون و«القوات» فكان تأكيد من جعجع حول وقوف حزبه إلى جانب الرئيس ودعمه، مشيرة إلى ان عون عرض لبعض الأمور التي جعلت الرأي العام يشعر بوجود تباعد بينه وبين القوات، وان الرجلين اقتنعا بأن البحث الهادئ وتخفيف الاحتقان بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» من شأنه ان يقرب المسافات، لافتة إلى ان عون شدّد على أهمية توفير مناخ سليم وهادئ بعيداً عن التشنج، ما يساهم في تأليف الحكومة في أجواء هادئة.
وحرص «الرئيس» وجعجع على أهمية قيام تواصل بين «القوات» و«التيار» لازالة الغيوم الملبدة بين الفريقين، ولأجل هذا الغرض اتفقا على وضع خارطة طريق، أولى بنودها وان لم تكن مكتوبة التهدئة ووقف السجالات بين الطرفين، وثانيها، وهي الأساس قيام تواصل بين جعجع والوزير باسيل سيعمل على إنجازه اما مباشرة أو عبر وسائط.
ونفت المصادر ان يكون البحث تناول توزيع حقائب وزارية أو تمثيل اعداد. لكن جعجع أكّد انه سيسعى في اتصالاته للمساهمة في معالجة عقبات التأليف.
ووصف رئيس حزب «القوات» بعد اجتماعه مع عون الاجتماع بأنه كان جيداً، وان نتائجه ستكون اطول من الوقت الذي استغرق، مشيرا إلى انه اتفق معه على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، وانه أبلغ عون انه لم يغير نظرته إلى العهد منذ اللحظة الأولى، وانه في ظل ما يُحكى عن حصة الرئيس يعتبر ان الوزراء الثلاثين عموماً والخمسة عشر مسيحياً خصوصاً هم حصة الرئيس».
وقال انه أبلغه ايضا انه بإمكانه الاعتماد على حزبين وليس حزباً واحداً، في أشارة إلى التيار، وان الرئيس عون ردّ عليه بأنه يعتبر التيار عينه و«القوات» عينه الثانية، وبأن «لا فيتو» على «القوات» من قبل أحد، وهو لا يقبل بوضع العصي في دواليبها من قبل أحد، موضحا بأنه شرح رأيه بكل جوانب التشكيل، وانه لا يضع «فيتو» على آخر، وفي الوقت نفسه لا يرغب في ان يضع أحد «فيتو» علينا، لافتاً النظر إلى ان «القوات» تميز في العلاقة بين رئيس الجمهورية و«التيار»، فالرئيس ليس رئيساً للتيار، ونحن نتعاطى معه من هذا المنطلق، مؤكدا انه ليس في وارد دس الدسائس بين رئيس الجمهورية وصهره».
وكان جعجع غرد على حسابه الشخصي عبر «تويتر» ردا على تصعيد التيار ضد «القوات» قائلاً: «لماذا كل هذه الحرب علي تمثيل «القوات اللبنانية» في الحكومة الجديدة؟ هل لأن وزراء «القوات» ابلوا بلاء حسنا في حكومة تصريف الأعمال؟ أهكذا يكافأ حسن السيرة وحسن إدارة أمور الدولة؟».
توضيح رئاسي
إلى ذلك، أوضحت مصادر مطلعة قريبة من دوائر قصر بعبدا، ان بعض وسائل الإعلام صور لقاء الحريري مع رؤساء الحكومة السابقين وكأنه جاء رداً على بيان رئاسة الجمهورية بشأن صلاحيات تشكيل الحكومة، موحية بأن البيان تضمن تكبيلاً لصلاحيات الرئيس الحريري، في حين ان البيان، وفقا للمصادر نفسها، هو مجرّد ملاحظات رئاسية تضمنت الالتزام بالطائف نصاً وروحاً، ولم يكن هناك مصادرة لصلاحيات رئيس الحكومة، ولا افتئات لدوره في تشكيل الحكومة.
وأكدت ان البيان واضح لجهة الالتزام بالدستور والأعراف التي سادت بعد اتفاق الطائف، لافتة إلى ان أياً من رؤساء والحكومة السابقين الذين شاركوا في الاجتماع لم يعترض على حصة رئيس الجمهورية في الحكومة، وان الرئيس عون لم يقترب من صلاحيات رئيس الحكومة، وهو كان المدافع عن موقع الرئاسة الثالثة أكثر من أي شخص آخر ورفض رفضاً قاطعاً المس بصلاحيات هذا الموقع، وانه عندما تحدث عن حقه في تعيين نائب رئيس الحكومة بأنه قام بذلك عملاً بالاعراف التي سادت منذ الطائف وبالتالي لم يخترع شيئاً لم يكن قائماً.